علي عزت بيجوفيتش.. ذكري ميلاد رئيس كرس حياته للدفاع عن المسلمين
أحيت البوسنة والهرسك، اليوم الأحد، الذكرى الـ96 لميلاد أول رئيس لها، علي عزت بيجوفيتش، المولود فى 8 أغسطس من العام 1925.
ولد علي عزت بيجوفيتش، المعروف بنضاله من أجل حقوق المسلمين في بلاده، بالبوسنة في 8 أغسطس 1925، من أبوين بوسنيين هما مصطفى وهبة.
مسيرة علي عزت بيجوفيتش
انتقل بيجوفيتش إلى سراييفو مع عائلته عندما كان عمره 3 سنوات فقط وتابع تعليمه هناك، وكان واحدًا من الطلاب الذين تمردوا على حالة التمييز التي كانت تستهدف السكان المسلمين في البلاد، وفق “الأناضول”.
خلال الحرب العالمية الثانية، قام نظام "أوستاشي" الفاشي في كرواتيا بضم البوسنة والهرسك، مؤسسًا دولة كرواتيا المستقلة، واعتبر المسلمين في البوسنة كرواتًا؛ في الوقت الذي شن فيه حملات اضطهاد واسعة ضد اليهود والصرب والغجر، وكذلك ضد المعارضين من المسلمين والكروات.
من ناحية أخرى، أسس الصرب حركة عرفت باسم "حركة تشتنيك"، والتي ارتكبت مجازر مروعة ضد مسلمي البوسنة في المناطق التي كانت تنشط فيها، بهدف "تطهير المنطقة بالكامل من العناصر غير الصربية".
وفي غمرة هذه التطورات التي عصفت بمنطقة البلقان، تمكن بيجوفيتش، الذي واجه مرتين أحكامًا بالسجن لنضاله من أجل حقوق الإنسان، من شق طريقه وتحول لزعيم نجح في حماية استقلال بلاده في الحرب التي شنتها القوات الصربية والكرواتية في التسعينيات لتقاسم البوسنة والهرسك فيما بينها.
الشباب المسلم
عزت بيجوفيتش كان من بين الشخصيات البارزة في تشكيل "الشباب المسلم"، الذي كان هدفه الرئيسي نشر الوعي بين المسلمين البشناق وخاصة في القضايا الدينية والوطنية في يوغوسلافيا.
كما ناضل هذا التشكيل من أجل حصول المسلمين على حقوق متساوية مع الجماعات العرقية والدينية الأخرى في البلاد، ولكنه عمل أيضًا على إعادة بناء منازل المسلمين والمساجد التي دمّرت من قبل حركة التشتنيك.
على الرغم من أن جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية، التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية، تمكنت من الانتصار على التيارات الفاشية في الداخل، إلا أنها لم تحل مشاكل مسلمي البوسنة لاسيما في الأمور الدينية والوطنية.
قامت السلطات في يوغوسلافيا باعتقال بعض أعضاء منظمة "الشباب المسلم"، بمن فيهم عزت بيجوفيتش، عام 1946 بحجة أنشطتهم في "رفع الوعي الديني".. وحكم عليه بالسجن 3 سنوات.
تعليمه
عقب خروج من سجنه التحق "بيجوفيتش" أولًا بكلية الزراعة، وبعد عامين انتقل إلى كلية الحقوق وتخرج منها، قبل أن يتزوج السيدة خالدة عام 1949، والتي رُزق منها بثلاثة أطفال هم ليلى وسابينا وبكر.
واصل بيغوفيتش نضاله في سبيل حقوق الإنسان في يوغوسلافيا، وكتب عددًا من المقالات في مجموعة من الصحف والمجلات مثل "بريبورود" و"التقويم" و"غلاسنيك"، تحت اسم مستعار يتكون من الأحرف الأولى من أسماء أطفاله (LSB).
وعام 1970، نشر المناضل الذي اهتم عن كثب بالتطورات الجارية في العالم الإسلامي، كتابه "إعلان الإسلام"، الذي بدأ كتابته في الستينيات.
ومع عودة الخطابات القومية المتطرفة إلى الظهور في يوغوسلافيا عام 1980، تم إضافة نوع جديد من الجرائم إلى قانون العقوبات عرفت باسم "جريمة التعبير".
في تلك الفترة، جرى اعتقاله مع 12 مفكرًا مسلمًا عام 1983، قبل نشر كتابه "الإسلام بين الشرق والغرب"، وبدأت القضية المعروفة باسم "مرحلة سراييفو".
أُدين ومفكرين مسلمين آخرين بـ "جريمة التعبير والمشاركة في نشاط عدائي"، استندت في مجملها إلى الأفكار التي طرحها بيجوفيتش في كتابه "إعلان الإسلام"، وحكم عليه بالسجن 14 عامًا.
واصل على عزت بيجوفيتش الكتابة أثناء وجوده في السجن، فكتب كتابه "هروبي إلى الحرية - ملاحظات من الزنزانة: 1983-1988".
خرج من السجن عام 1988، بعفو خاص، أعقب ذلك انتخابه كأول زعيم لحزب العمل الديمقراطي الذي تأسس عام 1990 وتحول إلى أكبر حزب يمثل مسلمي البوسنة.
وفي العام نفسه، فاز حزب العمل الديمقراطي بأكبر عدد من الأصوات في البلاد في أول انتخابات ديمقراطية، ليفوز بمنصب رئيس البوسنة والهرسك، إحدى الجمهوريات الاشتراكية الست في يوغوسلافيا.
بدأت يوغوسلافيا في الانهيار في أوائل التسعينيات. وفي الوقت الذي عمل الجيش الشعبي اليوغوسلافي على إثارة الصراعات المسلحة في سلوفينيا عام 1991، اندلعت حرب أهلية غير متوقعة في كرواتيا، إحدى الجمهوريات المكونة ليوغوسلافيا.
اشتباكات البوسنة والهرسك
امتدت الاشتباكات إلى البوسنة والهرسك عام 1991، وذلك مع تسارع وتيرة تفكك يوغوسلافيا، ما أدى إلى تصاعد الأصوات المطالبة باستقلال البوسنة والهرسك.
السياسي الصربي البوسني رادوفان كرادجيتش، الذي سيحكم عليه لاحقًا بالسجن المؤبد لجرائمه في حرب البوسنة، عارض فكرة الاستقلال؛ وقال إن البلاد في حالة حرب مطالبًا بإبادة المسلمين في البوسنة.
تم إجراء استفتاء الاستقلال في البوسنة في 29 فبراير- 1 مارس 1992. بلغت نسبة المشاركة في الاستفتاء 99.7 بالمئة، مع مقاطعة غالبية صرب البوسنة ومشاركة واسعة في صفوف البشناق "مسلمو البوسنة"، لتخرج النتيجة لصالح استقلال البوسنة والهرسك.
بعد الاستفتاء، واجه مسلمو البوسنة هجمات القوات والجماعات الصربية شبه العسكرية في مدن مختلفة من البوسنة والهرسك. فيما دعا عزت بيغوفيتش جميع البوسنيين إلى مقاومة تلك الهجمات، وخاض البوسنيون صراعًا مريرًا تحت قيادة بيغوفيتش.
وارتكبت الجماعات شبه العسكرية الصربية مذابح جماعية ضد المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، كما أقدمت على تهجير السكان المسلمين من منازلهم، واغتصاب نسائهم، وتدمير كل شيء له صلة بالإسلام، إضافة إلى ممارسة التعذيب في معسكرات الاعتقال.
حارب المدافعون عن استقلال البلاد ضد الصرب في الشمال والشرق، بينما قاتلوا بشدة ضد الكروات في الجنوب والغرب، في ظل توارد أنباء ارتكاب مذابح وعمليات إبادة جماعية ضد المسلمين في العديد من المدن مثل برييدور وبييلينا وزفورنيك وفيسغراد وسربرينيتشا وفوكا، وكذلك العاصمة سراييفو التي رزحت تحت حصار شديد فرضته القوات الصربية لمدة 3.5 سنوات.
اتفاقية دايتون
كانت حصيلة الحرب، التي انتهت في عام 1995 باتفاقية دايتون للسلام، فادحة للغاية، وقتل فيها ما يقرب من 200 ألف شخص في الحرب التي نتج عنها كذلك تهجير أكثر من مليون شخص.
وبشأن اتفاقية دايتون، التي جلبت للبلاد بنية سياسية معقدة رغم وضعها حدًا للحرب، قال عزت بيجوفيتش: "هذه الاتفاقية لم تجلب سلامًا عادلًا، لكنها أفضل من استمرار الحرب".
وبموجب الاتفاقية، تم تقسيم البوسنة والهرسك إلى منطقة برتشكو المتمتعة بالحكم الذاتي مع كيانين اتحاديين "اتحاد البوسنة والهرسك وجمهورية صرب البوسنة". وتقرر أن يتكون اتحاد البوسنة والهرسك أيضا من 10 كانتونات.
في الانتخابات الأولى بعد الحرب، أصبح علي عزت بيجوفيتش أول رئيس للبوسنة والهرسك "المستقلة"، ولاحقًا أول رئيس للمجلس الرئاسي، الذي استقال منه بيجوفيتش عام 2000 بسبب مشاكل صحية، معلنًا عدم الترشح باسم حزبه عام 2001.
موعد الرحيل
وفي 19 أكتوبر عام 2003، وبعد معاناة مع المرض، توفي على عزت بيغوفيتش ودفن بناء على وصيته في قبر بسيط بين قبور الشهداء في مقبرة "كوفاتشي"، تاركًا وراءه أعمالًا فكرية مهمة أبرزها "الإسلام بين الشرق والغرب" و"إعلان الإسلام" و"هروبي إلى الحرية" و"لن نكون عبيدًا".