لفض الاشتباك.. 7 علامات تكشف الفرق في الولاية بين الفكر الشيعي والصوفي
أثارت رسالة ماجستير تمت مناقشتها بكلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة قضية "الولاية بين الفكر الشيعي والصوفي".
وتثير الرسالة التي جاءت تحت عنوان "الولاية بين الفكر الشيعي والصوفي: دراسة تحليلية" للباحث محمد السيد أبو هاشم أحمد مكي قضية الولاية بين الفكر الشيعي والفكر الصوفي، والتعرف على مناهجهم في تناولها وتقرير بحوثها وقضاياها والأهمية التي تتمتع بها، وبيان الآثار المترتبة عليها، والأسباب التي أدت إلى الاختلافات الفكرية بين الفكر الشيعي والصوفي في مبحث الولاية، وتحديد مفهوم واضح وجلي عن الولاية بعيد عن الإفراط والتفريط.
وتكونت لجنة المناقشة والحكم على الرسالة من الدكتور أحمد حسين محمد إبراهيم، أستاذ الأديان والمذاهب وعميد كلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة “مشرفًا”، الدكتور عطية مصطفى محمد حسين، أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية ووكيل كلية أصول الدين والدعوة بالمنوفية، “مناقشًا خارجيًّا”، الدكتور محمد عبدالدايم علي سليمان الجندي، أستاذ الأديان والمذاهب ووكيل كلية الدعوة الإسلامية للدراسات العليا والبحث العلمي.
وتوصل البحث إلى عدة نتائج، ومنها: أولًا: إن الجانبَ الروحيَّ الأخلاقيَّ والنفسى، والذي يدور حولَه علمُ التصوفِ تنظيرًا وتطبيقًا، أمرٌ موجودٌ في كل الأديان، إلهيةً كانت أو غيرَها، وكذلك موجودٌ في بعض الفلسفات العقلية، التى استعاض بها بعضُ الناس عن الدين؛ بل إن الجانبَ الروحي موجودٌ في كلِّ كائن، وليس بالضرورة أن يكون عليه برهانٌ علميٌ كي نُقرَّ بوجوده، وليس بحاجة إلى نص مقدّس، يؤكّد وجودَه، وهو ذلك الشعورُ العميقُ المتواصلُ بأن الإنسانَ جزءٌ من منظومةٍ مقدسة، تهفو روحُه فيها إلى السير في هذا التناغم الكونى، والتوجهِ إلى الخالق انقيادًا لأصل الفطرة، وإذا كان الإسلامُ قد أعطى الجانبَ الروحى أهميةً كبرى؛ لتحقيق التوازنيةِ المنشودةِ بين جانب المادة وجانب الروح، والتي لا تقوم الحياةُ المكتملةُ إلا بهما، فلا ريب أن تسري هذه المعاني بين المذاهبِ المنتسبة إلى الإسلام، وإن اختلفت طرقُ الوصولِ إليها.
ثانيًا: إن وجودَ فكرةٍ واحدةٍ في فكرين مختلفين لا يعني أخذَ أحدِهما من الآخر، فالطبيعةُ البشريةُ تدل على أن الأمزجةَ المتشابهةَ تصدر عنها أفكارٌ وأفعالٌ متشابهةٌ دون أن يكون هناك بالضرورة تبادلٌ يقوم على قانونِ التأثير والتأثر؛ ولذا لا نعجبُ إذا وجدنا النتائجَ العقليةَ متحدةً في العالم؛ لأن عقولَ الناس متشابهةٌ، خاصة إذا سارت على قوانينَ منطقيةٍ واحدةٍ، دون العواطف التي تختلف بين كثير من الناس، فالتشابه ـ إن وجد ـ لا يعني الاستمدادَ والتلقي.
ثالثًا: تعتبر الولايةُ في الفكر الشيعي حجرَ الأساس، الذي يقوم عليه المذهب، وينطلق من خلاله لتشييد المنظومة المعرفية والفكرية التى تناولها علماؤه، وتناولتها كتبُه ونشراتُه وبحوثُه بالعرض والشرح والطرح والتحليل والردِّ على ما خالفها؛ بل وربطِ كل ذرة من ذرات المذهب بهذه القضية حتى تصبح مرادفةً للمذهب بأكمله في معظمِ أحوالِه، وحاول علماءُ الشيعة ومفكرُوها حشدَ النصوصِ القرآنية والروائية، التى يُشتم منها التنظيرُ والاستدلالُ بها على هذه النظرية، وخدْمتِها وتأكيدِها في العقل الجمعى الشيعي، وتصديرِها لغيره.
رابعًا: كانت قضيةُ الولاية في الفكر الشيعي المهادَ الشرعي للفكرة الدينية السياسية، التي استقل بها المذهبُ الشيعيُ عن غيره من المذاهب الأخرى، ولا يزال النقاشُ الفكري والحديثُ التحليلي حاضرًا وبقوةٍ في عوالمِ الثقافةِ والفكر العربى؛ بل وملفاتِ السياسةِ العربيةِ والإسلامية، تلك النظريةُ التي اعتبرها الأولياءُ الفقهاء الوريثَ الشرعيَ والوحيدَ للإمام الغائب، فخلعوا على أنفسهم من صفاتِه ونعوته وقداسته، وشكلوا بهذه الفكرة الدينيةِ الهيمنةَ الدينيةَ والسياسيةَ على البلادِ والعباد.
خامسًا: شكلت قضيةُ الولايةِ في الفكر الشيعي مجموعةً من الآثار العقدية، والمجتمعية السلوكية الخطيرة، والتى لعبت دورًا كبيرًا في النيل من صورة الإسلام الصحيحة، امتدت لتشمل الصدَّ عن دين الله، والتنفيرَ منه على أقل تقدير، حيث بدأت هذه الآثارُ بإلحاق فرع من الفروع أو معنى من المعانى إلى أركانِ الإسلام المعروفة، والنظرِ إليها على أنها الركنُ الأهم، الذى لا تقبل بقيةُ الأركانِ إلا به، ثم الافتئاتُ على الشرع الشريف بإعطاءِ الأحقيةِ للأولياء في التشريع تفسيرًا أو إضافة وزيادة، وغيرها من آثار خطيرة، ثم إعدادِ العدةِ لنشر هذا التصور الشيعي عن طريق تصديرِ هذا الفكر الذى يتبناه، وإثارةِ القلاقل والفتن التى من شأنها أن تمهد لقيامه، استعدادًا وتمهيدًا لإحياء المشروع الفارسى، الذي نادى به كثيرٌ من المفكرين ورجالاتُ الدين، مما ساهم في خلقِ صورةِ ذهنيةِ مغلوطةٍ عن سماحة الإسلام وقبوله الاختلاف، واستيعابه الاجتماعىِّ والفكرىِّ للأفكار المختلفةِ والمختلفين.
سادسًا: تعتبر الولايةُ الغايةَ المنشودةَ من الفكر الصوفي؛ إذ التصوفُ كله قائمٌ على استنفار همة السالكين والمريدين، ودعوتِهم إليها حتى يظفروا بهذه المنزلة العظيمة، التى استمد التصوفُ شرعيتَها وفضلَها وأساسَها والدعوةَ إليها من القرآنِ الكريم والسنةِ النبوية المطهرة وأقوالِ الصحابة والتابعين من بعدهم، ومن ناحية أخرى يرسم الفكرُ الصوفيُ معالمَ الطريق الذى يسلكه الولىّ، ويَخْبرُه بعوائقِه وعلائقِه حتى يتجاوزها بنفس الهمة المستنفَرة.
سابعًا: لقد عانت المجتمعاتُ المسلمةُ كثيرًا من براثن التطرفِ الفكرى لدى بعض الجماعات المتطرفة التي سلكت هذا الطريق المظلم الذى يحول فرعًا فقهيًا، أو مسألة ثانوية، نشأ حولها خلاف بين الأئمة ما بين قبول وإنكار، إلى أصل من الأصول الكبرى، ويلحقُه بالعقائد، ثم يرتبُ عليه الحكمَ بالكفر أو الإيمان بناءً على هذا التصورِ القاصرِ المشوشِ المضطربِ لأصول الدين وفروعه، ثم يرتب على هذا التصور المخطئ، الحكمَ بالتكفير للمخالفين في هذا الفرع، أو هذه المسألة، ثم استحلالَ الدماءِ والأموال، بالإضافة إلى خلقِ تكتلات وجماعاتٍ يتم التوالى والتبرى على أساسها فيما يسمى بالفرقةِ الناجية، أو العصبةِ المؤمنة عن طريق استدعاءِ هذه المصطلحات التى وردت في الشرع الشريف، وإنزالِها على أنفسهم، وأنهم المعنيّون بها، وسلخِ من خالفهم من تحت راية هذا المصطلح، وهو ما فعله الفكر الشيعي في قضية الولاية.
وأسفرت الرسالة عن مجموعة من التوصيات، ومنها:
أولًا: تدريسُ الفكر الصوفي في جميع الكليات الشرعية والعملية؛ لأن التصوف ـ الذى يعبر عن مقام الإحسان يعتبر في وجهة نظرى ـ العلاجَ الأمثلَ للتطرف بنوعيه الدينى واللادينى، والذى يدور على مقاومة الأمراضِ والعللِ النفسية، التى تعتبر عاملًا كبيرًا في التطرف، ويكشف عن المفهوم الصحيح للتدين حتى يكون هذا المفهومُ في صفائه ونقائه مصدرَ جذْبٍ لكلا التيارين، ومُصحِّحًا لمسيرتِهما في الحياة.
ثانيًا: تجديدُ الفكر الصوفي وتنقيتُه وتنقيحُه مما علق به من بعض الأفكار والفلسفات والشوائب، المخالفة لأصله الشرعي الصحيح، والتى كانت سببًا في الهجوم عليه وعلى أهله في كثير من الأحيان، ودراسةُ مراحلِه التاريخية دراسةً عميقة ومتأنيةً للوقوف على أسبابِ القوة ونقاط الضعف، ونشرِ الفكر التجديدى بالطرق والوسائل المختلفة.
ثالثًا: إنشاءُ مرصدٍ بالكليات الشرعية يقوم بعملية الاستقراءِ الكاملِ المحدّث والتتبعِ الدقيقِ المستمر؛ لرصد الأفكار والأطروحات المخالفةِ للمنهج الإسلامى الوسطى المستنير، وتقويمِها ببيان رأى الشرع الشريف تجاه هذه الأطروحات، كلٌّ في ميدان تخصصه، وواقعِ عمله، ويتم ذلك في صورةٍ تعاونية تكاملية مع المراصد المختلفة التابعةِ للأزهرِ الشريف، ودورِ الإفتاء، ووزارات الأوقاف.
رابعًا: مقاومةُ الأفكارِ الغلوائية، والآراءِ الدخيلةِ المُهلكةِ المنتشرةِ في الفكر الشيعي بطريقة مقلقةٍ وداعيةٍ للنظر فيها وتصحيحها، وهى ضرورة يفرضها القرآنُ الكريم وسنةُ النبىِّ الأمين ـ عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ـ؛ بل ويفرضها العقلُ الصحيح والفطرةُ السليمة، وهى نقطةُ الانطلاقِ في محاولات التقريب، التى يدعو إليها الكثير.
وفي نهاية المناقشة قررت لجنة المناقشة والحكم على الرسالة منح الباحث درجة التخصص (الماجستير) في الدعوة الإسلامية في الأديان والمذاهب بتقدير ممتاز مع التوصية بطبع الرسالة على نفقة الجامعة وتداولها بين الجامعات.