يوسف إدريس.. أجمل عاصفة في تاريخ الأدب العربي
يوسف إدريس عاش حياته على فوهة بركان يتلمس كل السلبيات فيفجرها بقلمه رافضا كل ما يقيد حرية الإنسان. استفاد من تخصصه كطبيب جراح في كتابة القصة فأصبح عبقريا فى دراسة النفس البشرية والوقوف على نقاط ضعفها وقوتها. لقب الدكتور يوسف إدريس بأنطون تشيكوف القصة القصيرة ورحل فى مثل هذا اليوم الأول من أغسطس عام 1991.
يوسف إدريس من مواليد ام 1927، حصل على بكالوريوس الطب والجراحة وعمل طبيبا بمستشفى قصر العينى الحكومية، وفى تلك الفترة كتب أول قصتين قصيرتين له باسم "عبد القادر طه "و"انشودة الغرباء" عام 1950، لكن جاءت انطلاقته الأدبية حين عينه الصحفى أحمد أبو الفتح رئيس تحرير جريدة المصرى محررا بها واعتبرت قصته الأولى التى نشرت بها بعنوان "النظرة " بداية حقيقية له كأديب.
انتقل يوسف إدريس إلى مجلة روزا اليوسف رئيسا للقسم الادبى وفى نفس الوقت افتتح عيادة مارس فيها مهنة الطب وعمل مفتشا صحيا فى أحياء السيدة زينب والدرب الأحمر وسجن واعتقل أربع مرات بسبب اشتراكه فى الحركات الوطنية.
نشر مجموعته القصصية الأولى " أرخص الليالى "عام 1954 فى جريدة المصرى فسجلت اسمه كأحد كتاب القصة القصيرة فى مصر .
يوسف إدريس صحفيا
عمل محررا ثقافيا بجريدة الجمهورية وشغل مناصب عديدة منها رئيس قطاع المسرح إلى أن انتقل كاتبا متفرغا بجريدة الاهرام خاض فيها معارك فكرية وأدبية وصلت إلى القضاء بسبب مقالاته السياسية.
وفى عام 1956 نشر اول رواية قصيرة له باسم "قصة حب" ليقدم بعدها مسرحيتين من فصل واحد هما ملكة القطن وجمهورية فرحات ثم مسرحية اللحظة الحرجة المستوحاة من ازمة قناة السويس ورد الفعل العالمى حيال تأميمها.
ترك يوسف ادريس الطب بصفة نهائية وتفرغ لكتابة القصة والرواية والمسرحية فقدم 11 مجموعة قصصية اشهرها ايها الرجال وارخص الليالى و9 مسرحيات اشهرها الفرافير، والمهزلة الارضية، المخططين، البهلوان .
وفى مجال الرواية قدم: الحرام، النداهة، العيب، البيضا، رجال وثيران وغيرها، كما قدم 15 كتابا فى الرحلات والانطباعات منها: شهد عصره، عن عمد اسمع تسمع، فكر الفقر وفقر الفكر، خلو البال ـ أهمية ان نتثقف وغيرها.
نشر مجموعته بيت من لحم عام 1970، وبعدها بعام كتب مقالا فى الأهرام اعترف فيه بعجزه عن الكتابة الأدبية فى ظل انتشار الفوضى وانهيار المرافق العامة فى القاهرة.
للدكتور يوسف أدريس مواقف فكرية كثيرة ضد الشيخ الشعراوي وضد كامب ديفيد والسادات وضد توفيق الحكيم.
أزمات صحفية
وبداية أزمته مع الشيخ الشعراوي مقالة نشرها في كتابه "فقر الفكر وفكر الفقر" بعنوان"العروبة ضد العرب والإسلام ضد المسلمين" وصف فيها الشيخ محمد متولي الشعراوي بأنه ممثل نصف موهوب لدية قدرة على إقناع الجماهير البسيطة وقدرة على التمثيل والحديث بالذراعين وتعبيرات الوجه، كما اتهمه بتأييده المطلق لزيارة السادات إلى القدس وعقد إتفاقية كامب ديفيد وقامت الدنيا عليه.
وهاجمه وزير الثقافة الدكتور أحمد هيكل حيث قال إن هذا الكلام "ساقط" وإن نبينا المصطفى صلّى الله عليه وسلم، قال "ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا"، وأن الشعراوى مفخرة مصر، وهاجم سعد الدين وهبة كلمات إدريس قائلًا: "هذا الكلام لا صلة له بأى فكر أو ثقافة وأنه إسفاف من الكاتب".
توضيح واعتذار
وتدارك يوسف إدريس الأمر واعتذر في مقال نُشر بجريدة الأهرام بعنوان"توضيح عاجل واعتذار"، وأوضح أن ما جاء في مقاله بالخطأ الفني المطبعي، واستنكر هجومه على شخصية عظيمة مثل الشعراوي، وأكد أنه يكن للشيخ كل التقدير والود والاحترام رغم اختلاف الفكر والرؤى، واعتبره أهم ظاهرة دينية إسلامية ظهرت منذ عهد الأئمة الكبار.
وتم الصلح في لندن أثناء وجود "الشعراوي" في لندن للعلاج بمستشفى ولنجتون، في نفس الوقت الذي كان "إدريس" يتلقى علاجه بنفس المستشفى.
كرمه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بمنحه جائزة الأدب ثم حصل على جائزة الدولة فى الأدب عام 1966 ، كما منحه السادات وسام الجمهورية.