الاديب نجيب محفوظ يكتب: ليس رثاء الحكيم حيا في قلوبنا
في يوليو عام 1987 رحل الأديب توفيق الحكيم، وكتب العديد من الكتاب والصحفيين مقالات تحمل رثاء وعزاء في الكاتب الكبير فكتب الأديب نجيب محفوظ في جريدة الأهرام 28 يوليو 1987 يقول:
تعرفت بالأستاذ توفيق الحكيم عام 1947 بعد صدور روايتي "زقاق المدق".
ووقتها قال لي الأستاذ محمد متولي مدير الأوبرا إن توفيق الحكيم يريد أن يلتقي بك إنه يجلس في المقهى المواجه للبنك الأهلي.
رحت اقابله، سألني.. أنت بتروح الإسكندرية؟ قلت له: نعم، قال: إنه يقعد في مقهى في سيدي بشر، وفي طريقي إليه في مقهاه، مررت في طريقي بمقهى هادئ اسمه بترو، بينما مقهاه كان على الرصيف الآخر شديد الازدحام.
مقهى بترو
قلت له أنا شفت مقهى معزول وهادئ تستطيع إن تخلو فيه مع نفسك ومع أصحابك، ومنذ ذلك الحين بدأنا الجلوس على مقهى بترو، وبذلك أنا الذي اكتشف بترو، وبعد الثورة اكتشفها الباشوات وأصبحت مقرهم.
واليوم رحل توفيق الحكيم وأنا أكتب اليوم ليست كلمة رثاء، فالرثاء للموتى، والحكيم قد يختفي من حياتنا الظامئة لحضوره، لكنه يبقى حيا في أرواحنا وقلوبنا إلى ما شاء الله.
لعلها كلمة رثاء لمريديه وعشاقه وتلاميذه الذين لا تطيب لهم الحياة إذا غابت عنها طلعته المشرقة ونور عينيه المبهر اللماع وحديثه الطلي وجاذبيته المؤثرة الباقية.
عبقرية وتفرد
لن أنسى ما حييت كيف غمر حياتنا الأدبية بين يوم وليلة مفاجأة مثيرة سعيدة بلا مقدمات، فجلس على العرش متوجا بتسليم وترحاب مؤيدا بمبايعة عمالقة العصر كله واعترافهم بعبقريته وتفرده ، ومنذ ذلك التاريخ فى الثلاثينات تحول مجرى حياتنا الأدبية من النقد والتاريخ والتعريف الى الفن الخالص بجامع رونقه وفلسفته أمنا بكل يقين أن الأدب ليس الشعر وحده ولو كان شعر شوقي وحافظ ومطران، وأن المسرحية والرواية والقصة تستطيع أن تسمو إلى مدارج الشعر وسماواته وأن تمد القلب والعقل بضياء الفن وعمق الفكر ومتعة الروح.
منذ ذلك التاريخ استوى الحكيم فى حياتنا الثقافية بحيرة ثرية مترامية دفاقة انطلقت منها الانهار والجداول خالقة أجيالا من الروائيين والمسرحيين والقصاصين ازدانت بهم أسرة أهل الفن في عصر من عصوره الذهبية.
منارة الفكر والثقافة
يعز عليَّ أن أودع منارة الفكر والثقافة ويعزينى بعض الشيء أنبتت أجيالا من وحيه، انتشرت في عامة فروع الفن، أما خسارتنا في مودته.. فلا عزاء.
كلا.. ما هي بكلمة رثاء أيها الصديق، وإن كنت أعلم أنني لن أراك في هذه الدنيا.. ولكنك ستظل باقيا بكل شموخك في العقول والقلوب والأرواح.
تعرفت بالأستاذ توفيق الحكيم عام 1947 بعد صدور روايتي "زقاق المدق".
ووقتها قال لي الأستاذ محمد متولي مدير الأوبرا إن توفيق الحكيم يريد أن يلتقي بك إنه يجلس في المقهى المواجه للبنك الأهلي.
رحت اقابله، سألني.. أنت بتروح الإسكندرية؟ قلت له: نعم، قال: إنه يقعد في مقهى في سيدي بشر، وفي طريقي إليه في مقهاه، مررت في طريقي بمقهى هادئ اسمه بترو، بينما مقهاه كان على الرصيف الآخر شديد الازدحام.
مقهى بترو
قلت له أنا شفت مقهى معزول وهادئ تستطيع إن تخلو فيه مع نفسك ومع أصحابك، ومنذ ذلك الحين بدأنا الجلوس على مقهى بترو، وبذلك أنا الذي اكتشف بترو، وبعد الثورة اكتشفها الباشوات وأصبحت مقرهم.
واليوم رحل توفيق الحكيم وأنا أكتب اليوم ليست كلمة رثاء، فالرثاء للموتى، والحكيم قد يختفي من حياتنا الظامئة لحضوره، لكنه يبقى حيا في أرواحنا وقلوبنا إلى ما شاء الله.
لعلها كلمة رثاء لمريديه وعشاقه وتلاميذه الذين لا تطيب لهم الحياة إذا غابت عنها طلعته المشرقة ونور عينيه المبهر اللماع وحديثه الطلي وجاذبيته المؤثرة الباقية.
عبقرية وتفرد
لن أنسى ما حييت كيف غمر حياتنا الأدبية بين يوم وليلة مفاجأة مثيرة سعيدة بلا مقدمات، فجلس على العرش متوجا بتسليم وترحاب مؤيدا بمبايعة عمالقة العصر كله واعترافهم بعبقريته وتفرده ، ومنذ ذلك التاريخ فى الثلاثينات تحول مجرى حياتنا الأدبية من النقد والتاريخ والتعريف الى الفن الخالص بجامع رونقه وفلسفته أمنا بكل يقين أن الأدب ليس الشعر وحده ولو كان شعر شوقي وحافظ ومطران، وأن المسرحية والرواية والقصة تستطيع أن تسمو إلى مدارج الشعر وسماواته وأن تمد القلب والعقل بضياء الفن وعمق الفكر ومتعة الروح.
منذ ذلك التاريخ استوى الحكيم فى حياتنا الثقافية بحيرة ثرية مترامية دفاقة انطلقت منها الانهار والجداول خالقة أجيالا من الروائيين والمسرحيين والقصاصين ازدانت بهم أسرة أهل الفن في عصر من عصوره الذهبية.
منارة الفكر والثقافة
يعز عليَّ أن أودع منارة الفكر والثقافة ويعزينى بعض الشيء أنبتت أجيالا من وحيه، انتشرت في عامة فروع الفن، أما خسارتنا في مودته.. فلا عزاء.
كلا.. ما هي بكلمة رثاء أيها الصديق، وإن كنت أعلم أنني لن أراك في هذه الدنيا.. ولكنك ستظل باقيا بكل شموخك في العقول والقلوب والأرواح.