رئيس التحرير
عصام كامل

الملك السابق يعترف: من تطارده الصحافة لا يكسب أبدا

الملك فاروق
الملك فاروق

أفرغت السفينة المحروسة يوم 28 يوليو 1956 شحنتها الملكية من فاروق وأسرته وحقائبه وأمتعته بميناء نابولي، تماما كما فعلت عندما نقلت جده إسماعيل إلى منفاه.. وكان الخديو إسماعيل قد حكم مصر ستة عشر عاما وحكمها فاروق خمسة عشر عاما.


وكما كتب الصحفى محسن محمد فى كتابه: "الوثائق السرية لسقوط النظام" يقول: كان الملك بعد خلعه وخروجه من مصر آمنا هو وأسرته قد تعهد بإعادة اليخت الملكى بمجرد وصوله إلى شاطئ نابولي، ومن نابولي استأجر فاروق سفينة أقلته إلى كابرى وشحن بالسفينة صناديقه المغلقة.


 
اعترافات فاروق 
وقد علق فاروق على خروجه فى صحيفة "إمباير نيوز" الإنجليزية بقوله:

فى ذلك اليوم الحزين على قلبى ارتديت بدلة البحرية الرسمية تعبيرا عن حبى واحترامى وتقديرى لبحريتي المخلصة، وخرجنا من الإسكندرية على ظهر الباخرة "المحروسة"، أنا وناريمان وبناتي وابني الملك الصغير، وكان في وداعي عند رصيف الميناء شقيقتاي فايزة وفوزية والسفير الأمريكى كافرى وعلي ماهر رئيس الوزراء.. والتزم جميع العاملين على السفينة المحروسة بالتعليمات التى تحتم عودتهم إلى الاسكندرية بعد وصولنا نابولي.


قصة الصناديق 
وأضاف فاروق: وفى عرض البحر اكتشفت وجود كمية كبيرة من صناديق الخمور، فاستفسرت عن سبب وجودها، وعلمت أن أحمد علي، وهو رجل تخطى السبعين كان مسئولا عن الخمور منذ عهد والدي قام بتفريغ مخزن الخمور فى قصر الإسكندرية ووضعها على ظهر السفينة، وقال إنه يفضل أن يموت ولا يلمس أحد هذه الصناديق.

كانت هذه الواقعة تحديدا هى النواة التى تشعبت منها أسطورة الصناديق الكثيرة ـ الاثني عشر ـ المملوءة سبائك الذهب التى صاحبت ملك مصر إلى نابولى على ظهر "المحروسة".


بروتوكول المآدب الملكية 
هنا أريد توضيح شيء هام للقارئ الأوروبي، فطبقا لقواعد البروتوكول، فنحن نقدم الخمور لضيوفنا فى مآدبنا الرسمية وحفلات الاستقبال التى ندعو فيها الديبلوماسيين الأجانب، لكن المصريين بصفة عامة لا يشربون الخمر لأسباب دينية.. لكن ذلك لا يعنى تقصيرنا فى واجبات الضيافة، ففي كل الصور الفوتوغرافية الخاصة بالمآدب الرسمية تظهر كؤوس الخمر فى أماكن ضيوفنا الأجانب، وفى أماكننا كمسلمين نضع كأسين؛ واحدا ماء والآخر عصير.



فيما بعد ترامت أطراف قصة هذه الخمور، حتى قيل إن الأوامر صدرت بإنزالها من السفينة، والحقيقة أننا لم ننزل أي شيء، وعندما وصلنا إلى إيطاليا بعت الخمور كلها لأنها كانت ملكا لنا.


مذكرات صلاح نصر 
فى هذا يقول صلاح نصر فى مذكراته: سمح للملك بأن يصطحب معه أية أغراض خاصة يريدها، ولذا قام عبدالله النجومي، وهو ياور الملك سودانى الجنسية، بالتوجه إلى قصر المنتزه وجمع أغراض الملك وأسرته فى 204 حقائب وصناديق، وخرج بها دون أن يفتشه أحد أو يتعرض له وفقا لتعليمات قيادة الثورة، وذلك غير ما تركه فاروق فى قصوره من تحف ومقتنيات وعملات أثرية وذهبية.


يكمل فاروق حديثه فى الصحيفة الإنجليزية التى نفى فيها حمله أية مقتنيات ذهبية فقال: أما المفاجأة الكبرى فهى اكتشافنا عدم وجود الطعام الكافى باستثناء الخبز والجبن، وكان يكفي وجبة واحدة لكل منا فى اليوم، وسألت بناتي: متى يمكننا تناول هذه الوجبة؟ واتفقن على تناولها في العشاء لكي نظل نتطلع إليها طول اليوم.


ورغم ذلك كتبت عننا الصحافة أننا قمنا بتجويع طاقم البحارة البؤساء بينما أتخمنا أنفسنا بالطعام.





فمن تطارده الصحافة لا يكسب أبدا؛ فإذا لعب الكوتشينة فهو مقامر، وإذا ربح فهو غشاش، وإذا خسر فهو أحمق، وإذا رفض اللعب فهو كئيب عابس، ولم يكن أمامنا للخروج من هذه الأزمة إلا الضحك، فكنا نضحك على كل شيء فى هذه الرحلة.. فشر البلية ما يضحك.
 




وكان الجو رائعا صافيا فلا توجد رائحة طهي فليس لدينا شيء نطهيه، وفى الصباح وقفت منتعشا على سطح السفينة، وتحدثت مع كبير المهندسين، وقلت له إنه يوم جميل حقا، فقال إنه جو ملكي، فليباركه الله.




لا تزال هذه العبارة عالقة فى ذاكرتي، وصورة أخرى لأحد أفراد الحراسة، وهو يداعب ابنتى الصغيرة فادية، ويمازحها لإدخال السرور إلى قلبها الصغير.. إنه نوع من البشر يتصفون بصفات تفوق أي أوسمة أو مديح خاصة أننى أصبحت لا أملك من أمري شيئا ولا أملك حيالهم إلا التقدير والعرفان.

الجريدة الرسمية