رئيس التحرير
عصام كامل

دروس تربوية من قصة الذبيح إسماعيل

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: تمر على المسلمين في شتى بقاع الدنيا ذكرى الذبيح إسماعيل، وعلى المسلم أن يتساءل: لماذا نقتدي بسيدنا إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام بذبح الأضاحي؟ وما الهدف من جعل مثل هذه الأيام في كل عام عيدًا يفرح به المسلمون في شتى بقاع الدنيا؟


والإجابة على هذه الأسئلة تعطي للمسلم دروسًا وإرشادات تربوية في حياته مع أبنائه؛ لتصل بهم إلى درجة من التميز والرقي الذي ينشده الإسلام، وذلك على النحو التالي:
1- الاستسلام والانقياد لطاعة الله وأوامره، فإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام يعلمان تمام العلم أن رؤيا الأنبياء حق، وهي وحي من الله وليس من الشيطان؛ ولذلك كانت إجابة إسماعيل على طلب والده " يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى"( )، بالاستجابة التامة لهذا الطلب حيث رد قائلاً: "قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ"( )، وهذا يدلل على أن إسماعيل، قد تربى تربية إيمانية عالية وذلك منذ صغره.

جائزة من الله
2- بعد المحن والشدائد تأتي المنح والعطايا والهبات من ربِّ الأرض والسماء، فعندما يطيع الإنسان ربه ووالديه في أمر شديد؛ فإن الله يعوضه خيرًا، حيث امتثل إسماعيل لأمر الله وطلب أبيه مع شدته عليه؛ فكانت النتيجة: "وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ"( )، فقد استحق إبراهيم عليه السلام الجائزة من الله نتيجة تصديقه لأوامر الله ونجاحه في هذا الاختبار الرباني، وكذلك إسماعيل نال الجائزة السريعة من الله تعالى وهي النجاة من الذبح ونزول الكبش لفدائه؛ نتيجة امتثاله لأمر الله وبره لأبيه.

3- الصداقة العائلية بين الأب وولده، إن الملاحظ من الحوار الذي دار بين إبراهيم الخليل وولده إسماعيل عليهما السلام؛ إنما تنبئ عن علاقة قوية تتخطى طابع الأبوة لتصل لمرحلة الصداقة، وهذه الصداقة يصعب تحقيقها في هذه المرحلة من حياة الشباب وخاصة في مرحلة المراهقة حيث يقول الله تعالى: " فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ"( )، يعني أصبح يسعى أي يمشي مع والده ويقضي له الحوائج، وهذه العلاقة تُظهر مدى الحب والألفة بين الأب وابنه.

4- أدب الحوار، فمع أن الأمر كان بذبح الولد وهو أمر من الله، لكن سيدنا إبراهيم بدأ الحوار مع ابنه باستشارته في الأمر أولاً حيث قال له: "يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى"( )، وهذ توجيه مهم للآباء بضرورة الحوار والمشاورة مع أبنائهم حتى في الأمور المفروضة عليهم من الله تعالى؛ لأن الأبناء في هذه السنِّ المبكرة من حياتهم يرون أن الحوار تقدير واحترام لشخصيتهم فهم يكرهون فرض الرأي والإجبار على فعل الشيء.

طاعة الله ومعصية إبليس

5- خلق الصبر من الأخلاق الحميدة حتى في أصعب اللحظات والمواقف، حيث كان رد إسماعيل على هذا الطلب من أبيه: "سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ"( )، فمع أن إسماعيل صبي صغير لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره ولكنه كان من الصابرين، حيث استعان بربه؛ وهذا أكبر دليل على نجاح التربية من قبل نبي الله إبراهيم الخليل.

6- الابتلاء يكون على قدر الإيمان، فإبراهيم رزق بإسماعيل بعدما بلغ من الكبر عتيًّا حيث وصل 85 سنة من عمره، وبعد طول انتظار لهذا الوليد، وتعب في تربيته يأمره الله بذبحه، وهذا هو الابتلاء العظيم، وقد نجح الخليل إبراهيم في هذا الابتلاء فكانت المكافأة له ولولده إسماعيل على صبرهما على هذا الابتلاء.

7- البركة تأتي بسبب طاعة الله، كلما يطيع الإنسان ربه في الدنيا يبارك الله في حياته وفي أهله، فسبب طاعة إبراهيم لأوامر ربه بارك الله له في ذريته، فكانت البركة في إسماعيل والذي خرج من نسله سيد الخلق وحبيب الحق سيدنا رسول الله محمد، وبارك كذلك في ذرية إسحاق بن إبراهيم الخليل فكان منها نبي الله يعقوب ويوسف عليهما السلام، وهذا جزاء الطاعة يقول الله تعالى: "وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ"( ).

8- ضرورة معصية عدو الإنسان وهو إبليس، فلقد حاول إبليس اللعين الوسوسة لخليل الرحمن إبراهيم بهدف إثنائه عن تنفيذ أمر الذبح، ولكن الخليل إبراهيم لم يستجب له، ورجمه وعصى أمره، ففاز وصار له ذكر في الدنيا إلى يوم القيامة.
الجريدة الرسمية