الأديب يوسف إدريس يكتب: الفقر المادي والفكري
فى مؤلفه "فكر الفقر وفقر الفكر"، كتب الأديب الدكتور يوسف إدريس مقالا ينتقد فيه تمسك الجماعات المتطرفة، فالأفكار هى أشد خطرا من الفقر نفسه، فكتب يقول:
الفقر حالة تأخذ أحيانا شكل الجشع المادي الخارق، فليس هناك أزمة لحمة مع قدوم عيد الأضحى المبارك، وإنما هناك جشع إلى اللحمة.
فكل أسرة مصرية لا تشعر أنها أكلت إلا إذا كان قوام الطعام لحمة، وهكذا يكثر الطلب ويقل العرض وتظهر طبقة الأغنياء الجزارين.
وقس على ذلك كل شيء؛ الشقق لابد أن تكون من ثلاث حجرات؛ صالون وسفرة ونوم، وأزمة سكن ممكن أن يحل نصفها بنموذج الشقة صالة وحجرة، ويحل معها مشكلة غلاء الأثاث والموبيليا واحتياجات المنزل، هذا وجه للفقر.
الجشع المسعور
وهناك الوجه الآخر دائما، وجه الفقر المادي الحقيقي الذي يصيب حتى النفوس الغنية تماما، وهو أمر لا خلاف عليه، وإنما أحببت بكلامى هذا أن أوضح أننا نعاني فوق فقر الفقراء من فقر بعض الأغنياء أيضا، وهو أمر نادر الحدوث إلا أن يكون الفقر نتيجة جشع شديد مسعور يصاحب الإنسان حتى بعد أن يغتني.
الأزمة الخانقة
وهذا الفقر بنوعيه يفرز أفكارا فقيرة يلجأ كثير من مدعي التفكير والغوغائيين إلى فهم خاطئ تماما للدين، يلقنونه لأولئك المحصورين فى الأزمة المادية الخانقة باعتباره الخلاص.
حلول متطرفة
وهى أفكار ما كان يمكن أن تزدهر أو تجد لها صدى عند العامة لو لم تكن هناك أزمة فقر طاحن، بل الأخطر من هذه الأفكار أنها دائما تحمل حلولا متطرفة حتى لمشاكل الحكم.. حلولا متطرفة حادة حدة الفقر ولا إنسانية مثله، والإمام علي، كرم الله وجهه، يقول: "لو كان الفقر رجلا لقتلته"، أما هؤلاء المتطرفون فيقولون: "مادمنا فقراء فلنقتل الرجل"، والرجل هنا هو أي رجل حتى لو كان عالما فاضلا كالشيخ الذهبي.
الحلال والحرام
لقد زود الله الإنسان بالعقل والحواس لكى يدرك الفرق بين الطعام الجيد والطعام المسموم، والحلال والحرام، والأعداء والأصدقاء وأهل الدين.
والذى يحدث أمامنا صباح مساء من إهمال كامل لأمور حياتنا، وهلوسة تفسيرات ديننا الحنيف شيء خطير، يعود بنا إلى ما ذكرت من كونه الفقر الحقيقي للفكر المتولد عن فقر حقيقي مادي وروحي.