رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا لا يستخدم الفرنسيون كلمة «بحبك»؟

فرنسا
فرنسا
يعرف عن الفرنسيين إظهار مشاعر الحب على نحو بارز، لذلك ربما لا يحتاجون للتعبير عنها بالكلام.


وقالت الكاتبة وخبيرة العلاقات العاطفية الكندية المقيمة في باريس ليلي هايس، بحسب "بي بي سي": "أعلم أن زوجي الفرنسي يحبني، لأنه لا يفوت أي نهاية أسبوع، من دون أن يجلب لي باقة ورود. وعندما أخبره مثلاً أنني كنت في حفلة تعج بالجميلات، يُعقّب بشكل ساحر، قائلاً شيئاً عن أن "الطيور على أشكالها تقع".

كذلك أدرك أنه يحبني، عندما نكون في حفلة مع زملاء العمل، فيحرص على التربيت على ذراعي بلطف. يناديني دائماً بالفرنسية بـ "غزالتي"، ويُظهر مدى حبه لي يومياً، حتى بعد مرور أكثر من عقد من الزمان على ارتباطنا.

رغم ذلك، ليس بوسعي أن أتذكر آخر مرة قال لي فيها كلمة "أحبك". ربما كان سيثير هذا قلقي، إذا لم يكن أمراً معتاداً في فرنسا، التي يندر أن يقول العشاق فيها مثل هذه الكلمة، مهما بلغت درجة الانسجام بينهم.

ولا يتعلق هذا الأمر بنقص في العواطف أو خوف من الالتزام. إذ لاحظت ليلي هايس، أن الالتزام بعلاقة يحدث بسهولة في فرنسا. يكفي أن يلتقي الشخصان في ثلاثة مواعيد غرامية، لـ "يُحسم الأمر، ويكف كل منهما عن التواعد مع أي شخص آخر، بل ويتوقع كل منهما كذلك أن يبقى مع الآخر طوال اليوم وكل يوم، وذلك باستثناء الوقت الذي يعيق العمل وجودهما مع بعضهما خلاله".

أحبك وأن لا
استلهمت هايس فكرة كتابها الأول "أُحِبُك، وأنا لا"، عندما تركها حبيبها الفرنسي، قائلا "لم أعد أحبك". وقتذاك بدا لها ذلك التصريح - كما تقول - مذهلاً للغاية "فكيف يمكن أن يقول لي `أنا لم أعد أحبك` في وقت لم يكن قد سبق له أن قال لي من الأصل `أنا أحبك`؟".

ولا يقول الفرنسيون "أحبك"، لأنه لا يوجد في اللغة الفرنسية، فعل يعبر عن المشاعر الحارة القلبية، التي يمكن أن يُكِنُها المرء لشخص ما. فالفعل الوحيد المتوافر هنا هو Aimer الذي يعني "يحب ولكن بدون مشاعر رومانسية" و"يُغرم بـ". لذا لا تحسبن أن الفرنسيين يبالغون عندما يستخدمون هذا الفعل، للتعبير عن إعجابهم بلعبة الرغبي أو بعبير الليلك أو برائحة الرغيف الفرنسي الخارج لتوه من الفرن.


لا يجدر بك أن تستغرب، عندما تراهم يلجأون إليه أيضا لوصف مشاعر الحب الغامرة، التي تجتاحهم عند استقبال مولود جديد، أو لدى الالتقاء بصديق طفولة، أو تلك التي يشعر بها كل منهم حيال شريك حياته.

Aimer 
وربما يكفي إلقاؤك نظرة على قاموس لاروس الفرنسي - الإنجليزي على الإنترنت، لمساعدتك على فهم كيف يتحدث الفرنسيون عن الحب. فبينما يشير القاموس إلى أن Aimer هو الفعل الذي يُستخدم للتعبير عن هذا الشعور، فإن الأمثلة التي تزخر بها الصفحات، لكيفية تعبيرك باللغة الفرنسية عن الحب والإعجاب، تشير إلى أنه من النادر اللجوء إلى ذلك الفعل، في سياقات مثل هذه. فـ "لاروس" ينصح باستخدام مفردة passion التي تعني حب أو شغف، إذا أردت التعبير عن حبك لأحد أنواع الرياضة أو ألوان الطعام. ويشير القاموس إلى أنه يجدر بك أن تستخدم مصطلح "أصبت بصاعقة برق"، إذا أردت القول إنك وقعت في الحب من أول نظرة. أما إذا رغبت في أن تعبر عن حبك لشريك حياتك، فيجدر بك - كما يذكر "لاروس" - أن تصفه بأنه "رجل أو امرأة حياتي".

لكن الفرنسيين تعلموا كيف يظهرون مشاعر الحب، حتى دون أن يكون بوسعهم استخدام مفردة واضحة وصريحة في هذا الشأن. فلا يمكن أن ننسى أن مفردات ومصطلحات مثل "الرومانسية" و"المغازلة أو الملاطفة" و"التعامل بفروسية"، وجدت طريقها إلى اللغة الإنجليزية عبر اللغة الفرنسية القديمة.

فالتفوه بعبارات المجاملة اللفظية، أمر يرقى إلى مرتبة الفن في فرنسا. كما أن المفردات المُستخدمة لهذا الغرض، تتدفق بسهولة على الألسنة هناك، سواء أكانت تقال من جانب شخص يتحدث مع محبوبته، التي أُغرم بها منذ وقت قصير، أو من قبل قصّاب (جزار) يُعِدُ لك شريحة اللحم التي طلبتها.

كما أن الفرنسيين لا يترددون في إبداء هذه المجاملات بصورة عملية. فلن تجدهم يفكرون مرتين، في ما إذا كان يتعين عليهم مثلاً، مساعدة سيدة في حمل حقيبة سفر، والصعود بها على درج محطة المترو.

الأمر نفسه ينطبق على مفاهيم الرومانسية، المتأصلة في ثقافة أتقنت إعداد الشوكولا واخترعت الشمبانيا، وشيدت جسر ألكسندر الثالث الحافل بعناصره الفنية البديعة، والذي ينتمي إلى مدرسة "الفن الجديد" في التصميم والهندسة المعمارية.
الجريدة الرسمية