رئيس التحرير
عصام كامل

د. أحمد عبد الرحمن يكتب: المرجفون وإبرهة الحبشي (3)

د. أحمد عبد الرحمن
د. أحمد عبد الرحمن
لا تكاد مصر تخطو خطوة لحفظ وجودها والإبقاء على كيانها حتى يخرج علينا نفر من الجهلاء أو المرجفين فى المدينة، يثيرون الشبهات ويفتشون فى جيوبهم الملعونة بغرض إثناء مصر عن طريقها الذى رسمته، أو التشويش على قرارها الذى قطعته، أو بهدف إضعاف معنوياتها تارة بمحاولة توهين عزم جيشها، وأخرى بمحاولة فض الشعب عن قيادته وجيشه العظيم.


واليوم يطلون علينا بوجههم القبيح، وكلامهم السقط، وقد أرسلت مصر قواتها إلى السودان لإجراء تدريبات مشتركة باسم "حماة النيل"، وفى ذلك بالغ الإشارة إلى سد النهضة فى إثيوبيا، فلما رأى هؤلاء المرجفون ذلك خرجوا علينا بحديث يقولون فيه:
 "اتركوا الحبشة ما تركوكم"..
وقد استعرضنا في مقالين سابقين، أقوال علماء الحديث، في هذا الحديث برواياته المختلفة.
ونستكمل في السطور التالية، ما بدأناه..


الطريق الرابع: عن عمرو بن عوف المزني.

أخرجه ابن عدي في "الكامل" (7/195)، من طريق عَبد اللَّه بن نافع، عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبد اللَّهِ المزني، عن أبيه، عَن جَدِّهِ، قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  اتْرُكُوا هَؤُلاءِ الحبشة ما تركوكم.

وإسناده تالف، فيه "كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني"، كذّبه أبو داود كما في "تهذيب الكمال" (24/138)، وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/221): "مُنكر الحَدِيث جدا يروي عَن أَبِيه عَن جده نُسْخَة مَوْضُوعَة، لَا يحل ذكرهَا فِي الْكتب، وَلَا الرِّوَايَة عَنهُ إِلَّا على جِهَة التَّعَجُّب.

وَكَانَ الشَّافِعِي رَحمَه الله يَقُول: كثير بن عبد الله الْمُزنِيّ ركن من أَرْكَان الْكَذِب". انتهى

قلت: لاعبرة بتحسينه لطرقه الثلاثة السابقة اما الطريق الرابع فقد كفانا الشافعى الكلام عن رواته بقوله عن أحد الرواة "كان ركنا من أركان الكذب".

قال أبو الطيب المكي في "شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام" (1/176) :
" وجزم السهيلي بأن تخريب الحبشي للكعبة يكون بعد رفع القرآن، وذلك بعد موت عيسى عليه السلام، على ما ذكر ابن جماعة. قال: وصححه بعض العلماء المتأخرين، ونقل عن الحليمي أن ذلك في زمن عيسى عليه السلام". انتهى

وقال ابن كثير في "البداية والنهاية" (19/242): "لأَنَّ الْكَعْبَةَ يَحُجُّهَا النَّاسُ، وَيَعْتَمِرُونَ بِهَا، بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهَلاكِهِمْ، وَطُمَأْنِينَةِ النَّاسِ وَكَثْرَةِ أَرْزَاقِهِمْ فِي زَمَانِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلامُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَيَقْبِضُ بِهَا رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَيُتَوَفَّى نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، وَيُدْفَنُ بِالْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ثُمَّ يَكُونُ خَرَابُ الْكَعْبَةِ عَلَى يَدَيْ ذِي السُّوَيْقَتَيْنِ بَعْدَ هَذَا ". انتهى

فلعله قد اتضح المعنى بهذا البيان، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم كلام الصدق، لا ينطق عن الهوى.

أما قوله: "اتركوهم ماتركوكم"، فيقول العلماء:
 معنى اتركوهم ما تركوكم: أي مدة تركهم لكم فلا تتعرضوا لهم إلا إن تعرضوا لكم، وقد وضعه الإمام أبو داود ضمن: "باب فى النَّهْىِ عَنْ تَهْيِيجِ التُّرْكِ وَالْحَبَشَةِ".

وفي “عون المعبود”:
“ذكر الخطابي رحمه الله الجمع بين قوله تعالى: {قاتلوا المشركين كافة} وبين هذا الحديث أن الآية مطلقة والحديث مقيد فيحمل المطلق على المقيد ويجعل الحديث مخصصا لعموم الآية.. كما خص ذلك في حق المجوس فإنهم كفرة، ومع ذلك أخذ منهم الجزية لقوله صلى الله عليه وسلم: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب".

وقال الطيبي رحمه الله: ويحتمل أن تكون الآية ناسخة للحديث لضعف الإسلام.

وأما تخصيص الحبشة والترك بالترك والودع فلأن بلاد الحبشة وغيرهم بين المسلمين وبينهم مهامه وقفار فلم يكلف المسلمين دخول ديارهم لكثرة التعب وعظمة المشقة، وأما الترك فبأسهم شديد وبلادهم باردة والعرب وهم جند الإسلام كانوا من البلاد الحارة فلم يكلفهم دخول البلاد، فلهذين السرين خصصهم، "وأما إذا دخلوا بلاد المسلمين قهرا والعياذ بالله فلا يجوز لأحد ترك القتال لأن الجهاد في هذه الحالة فرض عين وفي الأولى فرض كفاية ذكره القاري" ، وقال: "وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى حيث قال : “ما تركوكم” انتهى .

قلت: وخلاصة المسألة أن:
أولا: الحديث غير مسلم بصحته فقد ضعفه كثيرون واتهم بعض رواته بالكذب، وبعضهم بالجهالة وبعضهم بسوء الحفظ، ومن صححه من العلماء فقد اغتر بتصحيح الامام الحاكم له والحاكم معروف بالتساهل فى التصحيح.

أما تحسين الالبانى الحديث بطرقه الثلاثة فلاعبرة به خاصة وقد خالفه الفحول من المحدثين ، بينما الطريق الرابعة للحديث فيها من اتهمه الشافعى بالكذب .


ثانيا : الترك فى الحديث مقيد بتركهم لنا وعدم محاربتهم ايانا، فاذا حاربونا وقاتلونا فلا مجال لتركهم لأن تركهم يعنى الضرر بالمسلمين وهذا لايقول بتركه احد من العقلاء فضلا عن العلماء والفقهاء هذا ولعلنا بذلك نكون قد كشفنا دعاوى المرجفين وتلبيس المضلين ، فالحديث يدور بين الضعف فى السند وبين تقييد الترك لهم بتركهم لنا ، اما اذا حاربونا فيجب علينا حربهم وقتالهم لايقول بركهم تركا مطلقا عاقل .
الجريدة الرسمية