رئيس التحرير
عصام كامل

في ذكرى رحيله الـ٢٩.. قصة المناظرة التي تسببت في اغتيال فرج فودة

المفكر الراحل فرج
المفكر الراحل فرج فودة
تحل اليوم الذكرى التاسعة والعشرين على رحيل المفكر الكبير فرج فودة الذي اغتالته يد الإهاب الآثم فى يوم الثامن من يونيو عام ١٩٩٢، وجاء اغتيال المفكر الكبير على خلفية المناظرة الأخيرة له فى معرض القاهرة الدولى للكتاب التى حضرها العديد من رجال الفكر والفن والثقافة فى مصر.


فى ذكرى الرحيل تبرز "فيتو" فى التقرير التالى حكاية المناظرة التى تسببت فى اغتيال المفكر الكبير.

جماعة الإخوان 
كان عنوان المناظرة "مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية"، انقسم فيها الحاضرون إلى فريقين، الأول إسلامي التوجه ويضم الشيخ محمد الغزالي، ومرشد الإخوان مأمون الهضيبي، والمفكر محمد عمارة، أما الفريق الثاني فضم فرج فودة ومحمد خلف الله أحد أعضاء حزب التجمع، في مناظرة أعدتها الهيئة العامة للكتاب في مصر ضمن سلسلة من المناظرات على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب.



بداية المناظرة

وبدأت المناظرة بكلمة للشيخ الغزالي ذكر فيها أهمية الحفاظ على الهوية الإسلامية وتبعه المستشار الهضيبي المتحدث باسم الإخوان الذي ركز على أهمية أن يكون الجدل والنقاش بين "الدولة الإسلامية" و"الدولة اللاإسلامية" مؤكدا "أن الإسلام دين ودولة وليس دينا فقط"؛ وخلال هذه الكلمات كانت الصيحات تتعالى والصرخات تشتد والحناجر تزأر؛ وتخيف كل من يعترض على أحاديث الغزالي والهضيبي.

كلمة فرج فودة

من جانبه، كان فرج فودة آخر المتحدثين؛ أمسك الميكروفون وبدأ كلماته بالرد على ما دار من حديث، وجاء فيها "الإسلاميون منشغلون بتغيير الحكم أو الوصول إليه دون أن يعدوا أنفسهم لذلك"، مشيراً إلى ما قدمته بعض الجماعات المحسوبة على الاتجاه المؤيد للدولة الدينية، وما صدر عنها من أعمال عنف وسفك للدماء، مستشهداً بتجارب لدول دينية مجاورة على رأسها إيران قائلًا: "إذا كانت هذه هي البدايات، فبئس الخواتيم"، ثم قال للجميع "الفضل للدولة المدنية أنها سمحت لكم أن تناظرونا هنا، ثم تخرجون ورؤوسكم فوق أعناقكم؛ لكن دولا دينية قطعت أعناق من يعارضونها".

وتابع فودة في كلمته: "لا أحد يختلف على الإسلام الدين، ولكن المناظرة اليوم حول الدولة الدينية، وبين الإسلام الدين والإسلام الدولة، رؤية واجتهاداً وفقهاً، الإسلام الدين في أعلى عليين، أما الدولة فهي كيان سياسي وكيان اقتصادي واجتماعي يلزمه برنامج تفصيلي يحدد أسلوب الحكم". لينهي كلمته بالدعوة إلى الله أن يهتدي الجميع بهدي الإسلام، وأن يضعوه في مكانه العزيز، بعيدا عن الاختلاف والمطامع".


ترهيب فكري
بعد كلمات فودة، سرعان ما انطلقت صيحات الاستهجان، التي بدأت معها حملة التجييش الإعلامي ضد فكر الرجل وتصريحاته، حتى وصلت الرحلة إلى المحطة الأهم في الثالث من يونيو 1992، حين نشرت جريدة النور الإسلامية، التي كان بينها وبين فرج فودة قضية سب وقذف، بيانا من ندوة علماء الأزهر مُوقَّع من عدد من كبار الدعاة الإسلاميين في الدولة، يكفِّر فرج فودة ويدعو لجنة شؤون الأحزاب لعدم الموافقة على إنشاء حزبه (المستقبل).



لحظة الاغتيال
بعد خمسة أيام فقط من بيان جريدة النور، وتحديدا في الثامن من يونيو انتظر شابان من الجماعة الإسلامية على دراجة بخارية أمام جمعية التنوير المصري التي كان يرأسها فودة، بشارع أسماء فهمي بمصر الجديدة حيث مكتب فودة.

وفي الساعة السادسة والنصف مساء، وعند خروجه من الجمعية بصحبة ابنه أحمد وصديق، أطلقوا عليه الرصاص.

وبالتحقيق مع أحدهما أعلن أنه قتل فرج فودة بسبب فتوى دينية بقتل المرتد.

وحينما سأله المحقق، "لماذا قتلت فرج فودة؟، أجاب: لأنه ينشر كتباً تدعو إلى الكفر والإلحاد.

تابع المحقق: هل قرأت هذه الكتب؟، فأجاب القاتل: لا، أنا لا أقرأ ولا أكتب". وبسؤال القاتل عن اختيار موعد الاغتيال قبيل عيد الأضحى، أجاب "لنحرق قلب أهله عليه أكثر".

ا


شهادات مفكرين وعلماء أزهر

خلال مناقشات طويلة عقدتها المحكمة للتحقيق في مقتل فودة، طالت الاستجوابات عدداً من المفكرين وعلماء الأزهر على رأسهم الشيخ محمد الغزالي، والشيخ محمد الشعراوي وغيرهما.
  
وفي شهادته في محكمته، قال الشيخ محمد الغزالي، "إنهم قتلوا شخصاً مباح الدم ومرتداً، وهو مستحق للقتل، ففرج فودة بما قاله وفعله كان في حكم المرتد، والمرتد مهدور الدم، وولي الأمر هو المسؤول عن تطبيق الحد، وأن التهمة التي ينبغي أن يحاسب عليها الشباب الواقفون في القفص ليست هي القتل، وإنما هي الافتئات على السلطة في تطبيق الحد".

وتابع الغزالي "إن بقاء المرتد في المجتمع يكون بمثابة جرثومة تنفث سمومها بحض الناس على ترك الإسلام، فيجب على الحاكم أن يقتله، وإن لم يفعل يكون ذلك من واجب آحاد الناس".
الجريدة الرسمية