سيد القمني : أولاد فرج فودة يرفضون تنفيذ وصيتي بدفني إلى جواره دون أسباب واشتريت مدفنًا خاصا في بلبيس ( حوار )
الإلحاد أفضل كثيرًا من العنف والتطرف .. و"التجلي الأعظم" فكرتي من 20 سنة
إبعاد الآيات القرآنية والأحاديث النبوية من المناهج التعليمية نقلة حضارية
"منتصر" و"ناعوت" لم ينحدرا عن الصف العلماني الوسطي وأقول لهما : استمرا
ماكرون لم يخطيء بحق الإسلام والمسلمين..والسعودية تسير في طريق التنوير الصحيح
الإخوان والسلفيون أسوأ سفراء الإسلام على الإطلاق..وتعدد الزوجات مرفوض
أطالب بإلغاء وزارة للأوقاف وإحالة أملاكها للدولة من أجل استثمارها ولا جدوى من بقائها"
ترحيب بعض النساء بـ"التعدد" وعدم الممانعة أن يتزوج أزواجهن غيرهن مثنى وثلاث ورباع هو ترويج لأفكار شاذة وموبوءة
بصري صار ضعيفًا جدًا وأكاد لا أري من يقف أمامي ولا أستطيع أن اقرأ كتبًا
سواء ظهر أو اختفى، يبقي سيد القمنى مفكرًا مثيرًا للجدل والصخب والضجيج من طراز فريد، بسبب ما يطرحه من رؤى وأفكار، يراها كثيرون أقرب للشطط والجنون، ويراها غيرهم دون ذلك.
وفيما يعتبره قليلون مؤسسًا لمدرسة فكرية بحثية عملاقة منذ تأليفه كتاب : "الحزب الهاشمى.. وتأسيس الدولة الإسلامية"، وتسليطه الضوء على نصوص التراث والعمل على إعادة تفكيكه، فإن هناك على الشاطيء الآخر من النهر فريقًا ثانيًا يرمونه بكل نقيصة ويصمونه بكل دنيئة، ولكن الرجل بقي على موقفه لم يتزحزح وهو يسبح في عامه الخامس والسبعين، وهذا يُحسبُ له.
لم يتخلَّ "القمني" عن آرائه الأولى التي جلبت عليه الغضب، لا سيما ذات الصلة بالمؤسسات الدينية، وفى العمق منها الأزهر الشريف وإمامه الأكبر وعلماؤه وأساتذته وخريجوه، فضلاَ عن قناعاته المتعلقة بالجماعات والتيارات الإسلامية وفى القلب منها: الإخوان والسلفيون.
بعد فترة بيات طويلة، غاب فيها عن المشهد الثقافي طوعًا أو كرهًا.. التقت "فيتو" الباحث والمفكر سيد القمني، وحاورته حيث تحدث بتلقائيته المعهودة وصراحته المشهودة، وإن بدا فاقدًا كثيرًا من لياقته وألقه، سواء بسبب السن أو المرض أو التدخين الشره، حتى أنه لم يتوقف عن إشعال سجائره غير مرة أثناء الحوار الذي استغرق أدنى من نصف الساعة.
"قضية الإلحاد".. بتفاصيلها وأسبابها وأبعادها تصدرت نقاشنا، حيث أقر "القمني" واعترف بتزايد وتيرة الإلحاد في مصر، مستدلًا على ذلك بما يملأ الفضاء الإلكتروني من صفحات مبشرة بالإلحاد ومدافعة عنه.
الإلحاد
يعزي "القمني" تفاقُم ظاهرة الإلحاد في مصر إلى ما يعتبره جمود الخطاب الديني وكلاسيكيته المفرطة وعدم مواكبته مستجدات الحياة، وضعف المؤسسات الدينية وقدرتها على تقديم خطاب عصري حداثي مختلف، وعنف وجاهلية التيارات والتظيمات الدينية مثل: الإخوان والسلفيين، حيث يعتبرهم السفراء الأسوأ للإسلام.
يريد "القمني" أن يدلل على طبيعة الحالة الإلحادية في مصر، فيقول بلغة حاسمة قاطعة وبعبارات دالة يعرف مغزاها: "الإلحاد أقرب للشباب من حبل الوريد".
ليس من أجل الإجابة ولكن من أجل رد الفعل، سألتُ "القمني": وكيف تحمي أولادك من الإلحاد؟ فأجاب ساخرًا: "إذا كان الإلحاد يعني أن يرتدى ابنى حزامًا ناسفًا ويحمل رشاشًا، ففي هذه اللحظة فقط سأحاول منعه "، مُردفًا:" اللي بيخرج من خمَّارة بيخرج مبسوط، وبالتالي لا بيقتل ولا بيدبح إنما اللي بيقتل هم أبناء التيارات الدينية ومن شبوا في حظائر العنف الديني"!
واستطرد صاحب كتاب "الحزب الهاشمي": " ليس لديَّ أزمة مع الملحد، ولكن أزمتنا جميعًا مع من يخططون لقتلنا وإزهاق أرواحنا ونشر قيم الخوف والفوضى والعنف والتشدد من أجل دخول الجنة ومضاجعة الحور العين"، مُختتمًا هذا المحور بتأكيده على أن فترة حكم الإخوان مصر هي السبب الرئيس في تفاعل ظاهرة الإلحاد وتفاقمها في السنوات الأخيرة، على نحو غير مسبوق!
المناهج التعليمية
ولأنه كان في صدارة المنادين بإلغاء مادة الدين أو استبعاد الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة من المناهج التعليمية، فكان لا بد من سؤاله عن رأيه فيما تم تداوله مؤخرًا بشأن تحقيق هذا المطلب، بحسبما دار في أروقة البرلمان أو ما تم نشره إعلاميًا وصحفيًا، حيث بدا مبتهجًا مسرورًا، واصفًا هذه الخطوة – إن تمت- بأنها "شيء ممتاز"، ونقلة حضارية تأخرت كثيرًا، ولكن أن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي!
وأردف: أنه كان يحزن عندما يُضطر الأطفال المسيحيون إلى دراسة وحفظ الآيات القرآنية والأحاديث، ونادي مرارًا وتكرارًا بإعفائهم منها، وهي الدعوة التي كانت تتم مواجهتها بهجوم عنيف، متابعًا: مادة الأخلاق والقيم سوف تكون سبيلا جيدًا لإصلاح ما أفسده التعليم النمطي خلال العقود الماضية. لكل الأطفال بعيدا عن الديانة.
ولأنه كان أول من طرح فكرته قبل 20 عامًا، سألناه عن رأيه في مشروع "التجلى الأعظم" الذي أعلنت الدولة المصرية مؤخرًا عن إنشائه ليكون مزارا دينيًا عالميًا، واصل "القمني" سعادته قائلًا: يشهد أرشيف الصحف المصرية أنني طرحتُ هذه الفكرة قبل أكثر من عقدين، منوهًا إلى أن فكرته كانت تتمثل في إنشاء كنيس يهودي وكنيسة للاقباط وقرية تستقبل الزوار من جميع الأديان، متوقعًا أن يكون "التجلي الأعظم" معلمًا سياحيًا ودينيًا عالميًا بامتياز، وسوف يدر أرباحًا ومكاسب كبيرة على مصر!
المؤسسات الدينية
ولأنه من أوائل الباحثين الذين أعلنوا عداءهم للمؤسسات الدينية ورفضهم وجودها من الأساس؛ بداعي أنه لا كهنوت في الإسلام، والإسلام ليس في حاجة إلى مؤسسات تفرض وصايتها عليه وتحتكر الحديث باسمه.. يقول "القمني" إنه لا يزال عند رأيه في المؤسسات الدينية، وأنها لا تزال تجسد عبئًا ثقيلًا على الأمة المصرية.
مردفًا: القائمون على تلك المؤسسات والعاملون بها لا يشغلهم دين ولا عقيدة، ولكنهم مهمومون بمصالحهم الشخصية ومنافعهم الضيقة؛ لذا فإن بقاء تلك المؤسسات لا يفيد الإسلام والمسلمين شيئًا مذكورًا!
ويعتقد "القمني" أن المؤسسات الدينية تتعامل بشكل برجماتي بحت، حيث تتبنى في الخارج خطابًا عصريًا ليبراليًا منفتحًا، يؤمن بالحريات وإعمال العقل وعدم الركون إلى كل التراث، فيظهرها كأنها كيانات عقلانية منفتحة، ولكن في الداخل تبقى على جمودها ورجعيتها وسلفيتها الأولى!
الحديث عن المؤسسات الدينية وجدواها قادنا إلى الحديث عن المساجد والزوايا، حيث يرى "القمني" أن كثرة أعدادها في كل شارع وزقاق وحارة وفى الصحاري ليس دليلًا على تدين المسلمين ولا رفعة أخلاقهم، ولا أنهم مجتمع متدين بالفطرة، مشيرًا إلى تراجع أخلاق المصريين بشكل رهيب وصل إلى حد تفشى القتل والسرقة والاغتصاب والتحرش والتنمر وغيرها من الأوبئة الأخلاقية المستجدة على المصريين!
التدين الشكلي
وأردف صاحب الخمسة والسبعين عامًا: التدين الشكلي شر كبير يجتاح المصريين وسبب رئيس في جميع ما يحل بهم من مصائب وكوارث، موضحًا: بعضهم ينشئ الزوايا من أجل الحصول على مكتسبات مادية سخية بشكل غير قانوني!
الحديث عن المؤسسات الدينية ومن بعدها المساجد والزوايا أغرانا لنسأله عن رأيه في أداء وزارة الأوقاف لا سيما أنه يلقى تأييدًا وإشادة من أطراف وفئات شتي، فجاء رد "القمني" مفاجئًا وغاضبًا: "معرفش حاجة عن الوزارة ولا الوزير، ومش عاوز أعرف ولا حابب أتكلم عنه"، مستطردًا "أنا رافض لوجود وزارة الأوقاف في مصر من الأساس"، وطالبتُ كثيرًا بإلغائها وإحالة أملاكها للدولة؛ من أجل استثمارها، فأنا لا أرى إنجازًا علميًا ولا عمليًا لوزارة الأوقاف ولا جدوى من بقائها"!
تعدد الزوجات
ولأنه من الرافضين لفكرة "تعدد الزوجات"، فإنه بدا غاضبًا عندما تطرقنا إلى بعض المجموعات الإلكترونية التي تروج من خلالها بعض النساء لترحيبهن بـ"التعدد" وعدم الممانعة أن يتزوج أزواجهن غيرهن مثنى وثلاث ورباع، حيث نعت "القمني" هذه النساء ببعض الأوصاف والألفاظ الخادشة، أقلها: أنهن يروجن أفكارًا شاذة وموبوءة، زاعمًا أنهن مدفوعات من جهات لم يُسمها!
لا يبدو "القمني" غاضبًا من الأحداث التي شهدتها فرنسا مؤخرًا بشأن الإسلام والمسلمين، مؤكدًا أن الرئيس الفرنسي "ماكرون" لم يقترف خطأ واحدًا في حق المسلمين، ومن حقه التعبير عن استيائه من أي مظاهر عنف تستهدف بلاده ورعاياه.
وبشأن تحركات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأوهام الخلافة التي تحاصره في منامه ويقظته، قال "القمني": "تركيا في الأصل علمانية منذ زمن مصطفى كمال أتاتورك، وظلت علمانية منذ جاء أردوغان بنزعته العثمانية، ولكنه انتهز فرصة الجهل المتفشي في المنطقة، وعمل على التدخل في شئون الدول العربية مثل: العراق وسوريا وليبيا، تحت وهم الخلافة، الرجل يبحث عن مصالح بلاده، ومصلحته الشخصية، ولكن بطريقة انتهازية مكشوفة ومفضوحة، ولن تثمر إلا مزيدًا من الأزمات والمشكلات".
ورغم أنه كان أبرز المهاجمين للمملكة العربية السعودية وحكامها؛ بداعي أنها مفرخة الوهابية وجميع التيارات المتشددة التي غزت المنطقة العربية والإسلامية في العقود الماضية، وما استتبعها من نشوء إسلام متشدد يؤمن بالعنف ويدافع عن التطرف، إلا إن "القمني" تخلى عن هذه القناعة القديمة مؤخرًا، وطلقها ثلاثًا، واصفًا المملكة بأنها تمضي قُدمًا وبُخطى ثابتة وراسخة في كسر أصنام الماضي وأفكاره البالية، وتتجه نحو التنوير والانفتاح على العالم، ومسايرة كل مستجدات العصر ومستحدثاته، مستدلًا على ذلك بالسماح بإقامة الحفلات الفنية وإطلاق حرية المرأة في الملبس وقيادة السيارة!
مستقبل العلمانية
الكلمات الأخيرة بدت مبررًا منطقيًا لسؤاله عن مستقبل العلمانية في مصر، فأردف بلهجة قاطعة وحاسمة: "العلمانية قادمة لا محالة، ومصر سوف تصبح علمانية.. كل ما في الأمر مسألة وقت"، مستطردًا: "قد لا يحالفني الحظ في معاصرة هذه اللحظة، ولكن أولادي وأحفادي سوف يكونوا شاهدين عليها، وهذا يسعدني".
وعن مفهوم الدولة العلمانية من وجهة نظره، أجاب "القمني": هي الدولة التي تأخذ بالأسباب العلمية وليس الأسباب اللاهوتية، وتقف على مسافة واحدة من جميع الأديان، ولا وجود أو تأثير فيها لرجال الدين من قريب أو من بعيد.
وعن وصيته بالدفن إلى جوار صديقه الراحل فرج فودة، شدد "القمني" على أنه كان يحلم بذلك، ولكن أولاد "فودة" أعلنوا رفضهم تنفيذ الوصية، دون إبداء أسباب، موضحًا أنه اشترى مدفنًا خاصًا في بلبيس.
وأعرب "القمني" عن تقديره لـ"فودة" كاتبًا ومفكرًا وباحثًا، لافتًا إلى أن كل انتصار يحققه يهديه إلى روح الراحل فرج فودة الذي اغتاله التطرف الديني.
وعارض "القمني" من يقولون بعدم ظهور عقول مستنيرة ومفكرين أكابر بعد رحيل "فودة"، مشددًا على ظهور أسماء لامعة وعقول مبهرة مثل: الشيخ خليل عبد الكريم والمستشار سعيد العشماوي وخالد منتصر وفاطمة ناعوت وغيرهم.
الحديث بإكبار وتقدير عن "منتصر" و"ناعوت"، دفعنا إلى سؤاله عن رأيه ورؤيته لأفكارهما وكتاباتهما، فأوضح "القمني" أنه يُكنُّ لهما كل الاحترام؛ لأنهما لم ينحدرا عن الصف العلماني الوسطي، ويمارسان دورهما التنويري باحترافية شديدة، وأقول لهما: "استمرا.. منتطرون منكم أفضل".
وفي المحطة الأخيرة من الحوار..سألناه عن السبب وراء غيابه كاتبًا ومؤلفًا، فأجاب "القمني": "توقفتُ لظروف صحية، فبصري صار ضعيفًا جدًا، وأكاد لا أري من يقف أمامي، ومن ثمَّ لا أستطيع أن اقرأ كتبًا وأكتفي بمتابعة السوشيال ميديا".
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
إبعاد الآيات القرآنية والأحاديث النبوية من المناهج التعليمية نقلة حضارية
"منتصر" و"ناعوت" لم ينحدرا عن الصف العلماني الوسطي وأقول لهما : استمرا
ماكرون لم يخطيء بحق الإسلام والمسلمين..والسعودية تسير في طريق التنوير الصحيح
الإخوان والسلفيون أسوأ سفراء الإسلام على الإطلاق..وتعدد الزوجات مرفوض
أطالب بإلغاء وزارة للأوقاف وإحالة أملاكها للدولة من أجل استثمارها ولا جدوى من بقائها"
ترحيب بعض النساء بـ"التعدد" وعدم الممانعة أن يتزوج أزواجهن غيرهن مثنى وثلاث ورباع هو ترويج لأفكار شاذة وموبوءة
بصري صار ضعيفًا جدًا وأكاد لا أري من يقف أمامي ولا أستطيع أن اقرأ كتبًا
سواء ظهر أو اختفى، يبقي سيد القمنى مفكرًا مثيرًا للجدل والصخب والضجيج من طراز فريد، بسبب ما يطرحه من رؤى وأفكار، يراها كثيرون أقرب للشطط والجنون، ويراها غيرهم دون ذلك.
وفيما يعتبره قليلون مؤسسًا لمدرسة فكرية بحثية عملاقة منذ تأليفه كتاب : "الحزب الهاشمى.. وتأسيس الدولة الإسلامية"، وتسليطه الضوء على نصوص التراث والعمل على إعادة تفكيكه، فإن هناك على الشاطيء الآخر من النهر فريقًا ثانيًا يرمونه بكل نقيصة ويصمونه بكل دنيئة، ولكن الرجل بقي على موقفه لم يتزحزح وهو يسبح في عامه الخامس والسبعين، وهذا يُحسبُ له.
لم يتخلَّ "القمني" عن آرائه الأولى التي جلبت عليه الغضب، لا سيما ذات الصلة بالمؤسسات الدينية، وفى العمق منها الأزهر الشريف وإمامه الأكبر وعلماؤه وأساتذته وخريجوه، فضلاَ عن قناعاته المتعلقة بالجماعات والتيارات الإسلامية وفى القلب منها: الإخوان والسلفيون.
بعد فترة بيات طويلة، غاب فيها عن المشهد الثقافي طوعًا أو كرهًا.. التقت "فيتو" الباحث والمفكر سيد القمني، وحاورته حيث تحدث بتلقائيته المعهودة وصراحته المشهودة، وإن بدا فاقدًا كثيرًا من لياقته وألقه، سواء بسبب السن أو المرض أو التدخين الشره، حتى أنه لم يتوقف عن إشعال سجائره غير مرة أثناء الحوار الذي استغرق أدنى من نصف الساعة.
"قضية الإلحاد".. بتفاصيلها وأسبابها وأبعادها تصدرت نقاشنا، حيث أقر "القمني" واعترف بتزايد وتيرة الإلحاد في مصر، مستدلًا على ذلك بما يملأ الفضاء الإلكتروني من صفحات مبشرة بالإلحاد ومدافعة عنه.
الإلحاد
يعزي "القمني" تفاقُم ظاهرة الإلحاد في مصر إلى ما يعتبره جمود الخطاب الديني وكلاسيكيته المفرطة وعدم مواكبته مستجدات الحياة، وضعف المؤسسات الدينية وقدرتها على تقديم خطاب عصري حداثي مختلف، وعنف وجاهلية التيارات والتظيمات الدينية مثل: الإخوان والسلفيين، حيث يعتبرهم السفراء الأسوأ للإسلام.
يريد "القمني" أن يدلل على طبيعة الحالة الإلحادية في مصر، فيقول بلغة حاسمة قاطعة وبعبارات دالة يعرف مغزاها: "الإلحاد أقرب للشباب من حبل الوريد".
ليس من أجل الإجابة ولكن من أجل رد الفعل، سألتُ "القمني": وكيف تحمي أولادك من الإلحاد؟ فأجاب ساخرًا: "إذا كان الإلحاد يعني أن يرتدى ابنى حزامًا ناسفًا ويحمل رشاشًا، ففي هذه اللحظة فقط سأحاول منعه "، مُردفًا:" اللي بيخرج من خمَّارة بيخرج مبسوط، وبالتالي لا بيقتل ولا بيدبح إنما اللي بيقتل هم أبناء التيارات الدينية ومن شبوا في حظائر العنف الديني"!
واستطرد صاحب كتاب "الحزب الهاشمي": " ليس لديَّ أزمة مع الملحد، ولكن أزمتنا جميعًا مع من يخططون لقتلنا وإزهاق أرواحنا ونشر قيم الخوف والفوضى والعنف والتشدد من أجل دخول الجنة ومضاجعة الحور العين"، مُختتمًا هذا المحور بتأكيده على أن فترة حكم الإخوان مصر هي السبب الرئيس في تفاعل ظاهرة الإلحاد وتفاقمها في السنوات الأخيرة، على نحو غير مسبوق!
المناهج التعليمية
ولأنه كان في صدارة المنادين بإلغاء مادة الدين أو استبعاد الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة من المناهج التعليمية، فكان لا بد من سؤاله عن رأيه فيما تم تداوله مؤخرًا بشأن تحقيق هذا المطلب، بحسبما دار في أروقة البرلمان أو ما تم نشره إعلاميًا وصحفيًا، حيث بدا مبتهجًا مسرورًا، واصفًا هذه الخطوة – إن تمت- بأنها "شيء ممتاز"، ونقلة حضارية تأخرت كثيرًا، ولكن أن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي!
وأردف: أنه كان يحزن عندما يُضطر الأطفال المسيحيون إلى دراسة وحفظ الآيات القرآنية والأحاديث، ونادي مرارًا وتكرارًا بإعفائهم منها، وهي الدعوة التي كانت تتم مواجهتها بهجوم عنيف، متابعًا: مادة الأخلاق والقيم سوف تكون سبيلا جيدًا لإصلاح ما أفسده التعليم النمطي خلال العقود الماضية. لكل الأطفال بعيدا عن الديانة.
ولأنه كان أول من طرح فكرته قبل 20 عامًا، سألناه عن رأيه في مشروع "التجلى الأعظم" الذي أعلنت الدولة المصرية مؤخرًا عن إنشائه ليكون مزارا دينيًا عالميًا، واصل "القمني" سعادته قائلًا: يشهد أرشيف الصحف المصرية أنني طرحتُ هذه الفكرة قبل أكثر من عقدين، منوهًا إلى أن فكرته كانت تتمثل في إنشاء كنيس يهودي وكنيسة للاقباط وقرية تستقبل الزوار من جميع الأديان، متوقعًا أن يكون "التجلي الأعظم" معلمًا سياحيًا ودينيًا عالميًا بامتياز، وسوف يدر أرباحًا ومكاسب كبيرة على مصر!
المؤسسات الدينية
ولأنه من أوائل الباحثين الذين أعلنوا عداءهم للمؤسسات الدينية ورفضهم وجودها من الأساس؛ بداعي أنه لا كهنوت في الإسلام، والإسلام ليس في حاجة إلى مؤسسات تفرض وصايتها عليه وتحتكر الحديث باسمه.. يقول "القمني" إنه لا يزال عند رأيه في المؤسسات الدينية، وأنها لا تزال تجسد عبئًا ثقيلًا على الأمة المصرية.
مردفًا: القائمون على تلك المؤسسات والعاملون بها لا يشغلهم دين ولا عقيدة، ولكنهم مهمومون بمصالحهم الشخصية ومنافعهم الضيقة؛ لذا فإن بقاء تلك المؤسسات لا يفيد الإسلام والمسلمين شيئًا مذكورًا!
ويعتقد "القمني" أن المؤسسات الدينية تتعامل بشكل برجماتي بحت، حيث تتبنى في الخارج خطابًا عصريًا ليبراليًا منفتحًا، يؤمن بالحريات وإعمال العقل وعدم الركون إلى كل التراث، فيظهرها كأنها كيانات عقلانية منفتحة، ولكن في الداخل تبقى على جمودها ورجعيتها وسلفيتها الأولى!
الحديث عن المؤسسات الدينية وجدواها قادنا إلى الحديث عن المساجد والزوايا، حيث يرى "القمني" أن كثرة أعدادها في كل شارع وزقاق وحارة وفى الصحاري ليس دليلًا على تدين المسلمين ولا رفعة أخلاقهم، ولا أنهم مجتمع متدين بالفطرة، مشيرًا إلى تراجع أخلاق المصريين بشكل رهيب وصل إلى حد تفشى القتل والسرقة والاغتصاب والتحرش والتنمر وغيرها من الأوبئة الأخلاقية المستجدة على المصريين!
التدين الشكلي
وأردف صاحب الخمسة والسبعين عامًا: التدين الشكلي شر كبير يجتاح المصريين وسبب رئيس في جميع ما يحل بهم من مصائب وكوارث، موضحًا: بعضهم ينشئ الزوايا من أجل الحصول على مكتسبات مادية سخية بشكل غير قانوني!
الحديث عن المؤسسات الدينية ومن بعدها المساجد والزوايا أغرانا لنسأله عن رأيه في أداء وزارة الأوقاف لا سيما أنه يلقى تأييدًا وإشادة من أطراف وفئات شتي، فجاء رد "القمني" مفاجئًا وغاضبًا: "معرفش حاجة عن الوزارة ولا الوزير، ومش عاوز أعرف ولا حابب أتكلم عنه"، مستطردًا "أنا رافض لوجود وزارة الأوقاف في مصر من الأساس"، وطالبتُ كثيرًا بإلغائها وإحالة أملاكها للدولة؛ من أجل استثمارها، فأنا لا أرى إنجازًا علميًا ولا عمليًا لوزارة الأوقاف ولا جدوى من بقائها"!
تعدد الزوجات
ولأنه من الرافضين لفكرة "تعدد الزوجات"، فإنه بدا غاضبًا عندما تطرقنا إلى بعض المجموعات الإلكترونية التي تروج من خلالها بعض النساء لترحيبهن بـ"التعدد" وعدم الممانعة أن يتزوج أزواجهن غيرهن مثنى وثلاث ورباع، حيث نعت "القمني" هذه النساء ببعض الأوصاف والألفاظ الخادشة، أقلها: أنهن يروجن أفكارًا شاذة وموبوءة، زاعمًا أنهن مدفوعات من جهات لم يُسمها!
لا يبدو "القمني" غاضبًا من الأحداث التي شهدتها فرنسا مؤخرًا بشأن الإسلام والمسلمين، مؤكدًا أن الرئيس الفرنسي "ماكرون" لم يقترف خطأ واحدًا في حق المسلمين، ومن حقه التعبير عن استيائه من أي مظاهر عنف تستهدف بلاده ورعاياه.
وبشأن تحركات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأوهام الخلافة التي تحاصره في منامه ويقظته، قال "القمني": "تركيا في الأصل علمانية منذ زمن مصطفى كمال أتاتورك، وظلت علمانية منذ جاء أردوغان بنزعته العثمانية، ولكنه انتهز فرصة الجهل المتفشي في المنطقة، وعمل على التدخل في شئون الدول العربية مثل: العراق وسوريا وليبيا، تحت وهم الخلافة، الرجل يبحث عن مصالح بلاده، ومصلحته الشخصية، ولكن بطريقة انتهازية مكشوفة ومفضوحة، ولن تثمر إلا مزيدًا من الأزمات والمشكلات".
ورغم أنه كان أبرز المهاجمين للمملكة العربية السعودية وحكامها؛ بداعي أنها مفرخة الوهابية وجميع التيارات المتشددة التي غزت المنطقة العربية والإسلامية في العقود الماضية، وما استتبعها من نشوء إسلام متشدد يؤمن بالعنف ويدافع عن التطرف، إلا إن "القمني" تخلى عن هذه القناعة القديمة مؤخرًا، وطلقها ثلاثًا، واصفًا المملكة بأنها تمضي قُدمًا وبُخطى ثابتة وراسخة في كسر أصنام الماضي وأفكاره البالية، وتتجه نحو التنوير والانفتاح على العالم، ومسايرة كل مستجدات العصر ومستحدثاته، مستدلًا على ذلك بالسماح بإقامة الحفلات الفنية وإطلاق حرية المرأة في الملبس وقيادة السيارة!
مستقبل العلمانية
الكلمات الأخيرة بدت مبررًا منطقيًا لسؤاله عن مستقبل العلمانية في مصر، فأردف بلهجة قاطعة وحاسمة: "العلمانية قادمة لا محالة، ومصر سوف تصبح علمانية.. كل ما في الأمر مسألة وقت"، مستطردًا: "قد لا يحالفني الحظ في معاصرة هذه اللحظة، ولكن أولادي وأحفادي سوف يكونوا شاهدين عليها، وهذا يسعدني".
وعن مفهوم الدولة العلمانية من وجهة نظره، أجاب "القمني": هي الدولة التي تأخذ بالأسباب العلمية وليس الأسباب اللاهوتية، وتقف على مسافة واحدة من جميع الأديان، ولا وجود أو تأثير فيها لرجال الدين من قريب أو من بعيد.
وعن وصيته بالدفن إلى جوار صديقه الراحل فرج فودة، شدد "القمني" على أنه كان يحلم بذلك، ولكن أولاد "فودة" أعلنوا رفضهم تنفيذ الوصية، دون إبداء أسباب، موضحًا أنه اشترى مدفنًا خاصًا في بلبيس.
وأعرب "القمني" عن تقديره لـ"فودة" كاتبًا ومفكرًا وباحثًا، لافتًا إلى أن كل انتصار يحققه يهديه إلى روح الراحل فرج فودة الذي اغتاله التطرف الديني.
وعارض "القمني" من يقولون بعدم ظهور عقول مستنيرة ومفكرين أكابر بعد رحيل "فودة"، مشددًا على ظهور أسماء لامعة وعقول مبهرة مثل: الشيخ خليل عبد الكريم والمستشار سعيد العشماوي وخالد منتصر وفاطمة ناعوت وغيرهم.
الحديث بإكبار وتقدير عن "منتصر" و"ناعوت"، دفعنا إلى سؤاله عن رأيه ورؤيته لأفكارهما وكتاباتهما، فأوضح "القمني" أنه يُكنُّ لهما كل الاحترام؛ لأنهما لم ينحدرا عن الصف العلماني الوسطي، ويمارسان دورهما التنويري باحترافية شديدة، وأقول لهما: "استمرا.. منتطرون منكم أفضل".
وفي المحطة الأخيرة من الحوار..سألناه عن السبب وراء غيابه كاتبًا ومؤلفًا، فأجاب "القمني": "توقفتُ لظروف صحية، فبصري صار ضعيفًا جدًا، وأكاد لا أري من يقف أمامي، ومن ثمَّ لا أستطيع أن اقرأ كتبًا وأكتفي بمتابعة السوشيال ميديا".
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"