رئيس التحرير
عصام كامل

كيف كانت بداية مرحلة الأغانى السرية بين الشيخ إمام وفؤاد نجم؟

الشيخ إمام وأحمد
الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم

إذا كانت علاقة الشيخ امام عيسى بالشيخ بالملحن الكبير زكريا أحمد، محطة فارقة فى حياته، حيث وضعت قدمه على أعتاب الموسيقى والغناء، فإن علاقته بالشاعر أحمد فؤاد نجم تعتبر المحطة الفاصلة في حياته.


بدأت هذه المحطة عام 1962 م، عندما التقى الشيخ إمام عيسى بالشاعر أحمد فؤاد نجم رفيق دربه وصديق أيامه التاريخي، حيث شكل الاثنان ثنائيا خصبا فى تاريخ الغناء السياسى.




تعرف الشيخ إمام مصادفة على نجم عن طريق صديق مشترك هو سعد الموجى، واعجب نجم بصوته حتى أنه أصابه ما يشبه اللوثة، كيف يدفن هذا الفنان نفسه فى هذا الحوش الكئيب، وطلب منه أن يلحن لنفسه ويخرج بأغانيه خارج حوش قدم.


ورد امام بأنه لم يجد الكلام الذى يغنيه ولم يجد من يكتب له، وخلال دقائق كان نجم قد كتب كلمات اغنية عاطفية ليغنيها الشيخ تقول: "أنا أتوب عن حبك.. أنا لى فى بعدك هنا.. أنا باترجاك الله يجازيك.. ياشاغلنى معاك".


وجاءت بعد ذلك أغنيات عشق الصبايا، ساعة العصارى وهى الأغانى التى صنعت أولى خطواتهما على طيق الشهرة لتتسع فرقتهم بعد ذلك لتضم عازف الإيقاع جار الشيخ إمام، محمد علي، وقرر نجم أن يقيم معه فى حجرته المتواضعة التى يقيم فيها فى بيت عازف الايقاع، وأصبح الثلاثة فرقة للتأليف والتلحين والغناء. 



وعلى كلمات نجم ولدت الاغنية السرية السياسية فى مصر، وبدأ الثنائى الخروج من نطاق الاغانى العاطفية الى الأغانى التى تنتقد الاوضاع وتتحدث عن الوطن وهمومه، فكانت البداية مع اغنية تقول كلماتها: "ياغربة روحى روحى.. لا تحطى على سطوحى، وسطوحى يطلع فدان.. والفدان لابس فستان". 





ولم تقتصر أغاني الشيخ إمام على كلمات الفاجومي ـ الاسم الذى اطلق على شعر احمد فؤاد نجم ـ فقط، بل قام بالغناء لمجموعة من أبرز شعراء عصره، منهم: فؤاد قاعود، وسيد حجاب ونجيب سرور، وتوفيق زياد، ونجيب شهاب الدين، وزين العابدين فؤاد، وآدم فتحى، وفرغلى العربي، وغيرهم.

وحتى عام 1968 لم تكن الأغاني ذات عائد على المغني أو الشاعر لأنهما اتفقا منذ البداية على أن يكون لهما دور انتقادي وعدم المتاجرة بالكلمة التي نقولها واللحن الذي نغنيه، فأوقعهما هذا الهدف في متاعب مادية إلى أن نظمت لهما مجلة "الكواكب" برئاسة تحرير الناقد رجاء النقاش حفلا في نقابة الصحفيين كان أول لقاء لهما مع الجمهور العريض في مكان عام بعد أن كانت الأغاني تسجل في بيوت الأصدقاء في جلسات محدودة. وقال النقاد إن هذا الحفل نقل هذا الثنائي إلى حيز الوجود كحقيقة لا يمكن تجاهلها. 

وقال الكاتب عبد الرحمن الخميسي: لألحان الشيخ إمام عذوبة، وقال كامل زهيري نقيب الصحفيين الأسبق: إن فيها قسوة وفكاهة وروحا مصرية ذكية، وإنها أقرب إلى ألحان الشعب، وكلمات نجم صريحة وقاسية ومليئة بالمفارقات وطازجة وهذا ما نحتاجه.

يفرد الشيخ إمام فى مذكراته التى نشر جزءا منها عبده جبير فى كتابه "النغم الشارد" صفحات طويلة عن أحمد فؤاد نجم. فيقول:

سنة 1962 التقيت بنجم وكان لقاؤنا بداية جديدة لى وله معا، سألنى عندما التقينا وبعد أن استمع إليّ: لماذا لا تلحن؟ فقلت مداريا خجلى من الفكرة: لأننى لا أجد الكلمات. فقال لى على الفور: اسمع هذا النموذج وقدم لى أغنية عاطفية لحنتها على الفور. وحين بدأت فى التلحين اكتشفت إلى أى حد يمكن لمقرئ القرآن الذى حفظه جيدا وأتقن لغته وأساليب تجويده أن يكون ملحنا.. بل أن يكون سيد الملحنين لو كان يستمتع بقدر من الموهبة، فالقرآن كنز لا ينتهي".

 وأضاف: إنه تحمل إهانات نجم منذ عام 1962، لأنهما كان شيئا واحدا أمام الجمهور لكن كان لا بد لهذه الخلافات أن تنفجر بعد أن انتهت سنوات الصدام مع السلطة.


يتهم الشيخ إمام فؤاد نجم بأنه يحب الزعامة والرئاسة، وأنه حاول احتكاره وكان يستفز إذا غنى لشعراء آخرين وهذه كانت اهم خلافاته معه.


وكانت نكسة 67 منحنى خطيرا ومهما فى حياة الشيخ ونجم بعد ان اصاب الجميع اليأس والألم فغنى الشيخ من كلمات نجم "إيه يعنى فى العقبة جرينا.. والاخر فى سينا.. هى الهزيمة تنسينا اننا أحرار".

ثم غنى لنجم بعد النصر الاغنية التى غنتها سعاد حسنى بعده: "دولا مين، ودولا مين.. دولا عساكر مصريين".

استاءت السلطة من اشعار نجم وحفلات امام حتى اصبحا مصدرا لإزعاج السلطات، وتعرض الثنائى لمزيد من الاعتقالات فى أواخر عهد عبد الناصر ثم افرج عنهما بعد اغتيال السادات، وبسبب الهجوم على الانفتاح تعرضا للاعتقال مرة اخرى حتى حدثت الوقيعة بين نجم وإمام ولم يلتقيا إلا قبل رحيل الشيخ بوقت قصير.
الجريدة الرسمية