رئيس التحرير
عصام كامل

في عيد الإذاعة الـ87.. ثورة المشايخ بسبب تلاوة امرأة القرآن في أول أسبوع بث

الإذاعة المصرية
الإذاعة المصرية
تحل اليوم الإثنين 31 مايو الذكرى الـ 87 لانطلاق أول إذاعة مصرية تحت مظلة الحكومة في عام 1934 بعد فترة من انتشار الإذاعات الأهلية التي فطنت الدولة آنذاك إلى خطورتها على المجتمع لتقرر إيقافها جميعا والعمل على إنشاء محطة مصرية تتولى الحكومة إدارتها وقد كان ذلك في 31 مايو من العام 1934.


ذكريات عديدة يتناقلها الإذاعيون جيلا بعد جيل عن إطلاق شارة البث الأولى ولعل أهمها أن مقر الإذاعة الأصلي عكس ماهو شائع لدى الكثيرين انه في مبنى الشريفين بوسط البلد بل الحقيقة الغائبة عن الملايين أن الإذاعة انطلق بثها بعبارة "هنا القاهرة" من داخل شارع علوي بوسط البلد، حيث كانت هناك شقة يتم البث منها ولاتزال تلك الشقة واحدة من أملاك الإذاعة المصرية وتم منذ سنوات عديدة تخصيصها ناديا اجتماعيا للإذاعة يتردد عليها بعض الإذاعيون الكبار والحاليين لتبادل الأحاديث والاستمتاع بالجلوس فيها للتناقش.

ومن الذكريات الأولى لإنشاء الإذاعة عام 1934 ما شهده الأسبوع الأول من بثها وتمثل في ثورة عارمة قادها القارئ الشيخ محمد رفعت ضد أحد الأصوات النسائية التي تم اعتمادها لتلاوة القرآن في البرنامج اليومي للمحطة الوليدة قبل أن يتم الاحتكام فيها إلى رأي الأزهر الشريف والذي أجاز تلاوة تلك السيدة.

أيضا السيدة أم كلثوم وفور انطلاق البث الإذاعي تعاقدت على تقديم حفل شهري بمقابل 20 جنيها زاد بعد فترة إلى 25 جنيها مشترطة انه لايتم مساواة أحدا من المطربين أو المطربات بذلك الأجر نهائيا. 

أيضا من الذكريات التي يتوارثها الإذاعيون عن تاريخ للميكرفون الحكومي أن أول رئيس لها كان باشا وهو سعيد باشا لطفي مايعكس أهمية المحطة وقت إنشائها وضرورة أن يكون القائم عليها ذو حيثية ورونق اجتماعي يتناسب معها كوسيلة هامة للغاية في ذلك العصر الذي ولدت فيه حيث ظل البث للمحطة الجديدة من شارع علوي حتى خمسينيات القرن الماضي والذي شهد انتقال الإذاعة بمقرها في شارع الشريفين والذي لا يزال موجودا حتى اليوم وبه عدد من الاستديوهات يتم من خلالها بث إذاعة القاهرة الكبرى حاليا قبل أن تنتقل الإذاعة المصرية بمحطات عديدة فيها إلى مبنى ماسبيرو اعتبارا من عام 1960.  

بيان ثورة يوليو
ولعل من أبرز الأحداث التي شهدتها الإذاعة المصرية في شارع علوي هو بث بيان ثورة يوليو بصوت الرئيس الأسبق محمد أنور السادات أحد الضباط الأحرار في وقت البيان وكان مذيع الاستديو الإذاعي القدير فهمي عمر والذي حكي  فى أوراقه قائلا: كنت مسئولا عن إذاعة الأخبار وتقديم البرامج فى ذلك اليوم أبلغنى السادات أن هناك بعض التعديلات فى برامج الإذاعة وهناك بيان مطلوب إذاعته، ومع الحراسة العسكرية المشددة تقبلت الأمر، وبعد المارش العسكرى تمهيدا لإذاعة البيان توقف الإرسال فى محطة أبى زعبل وأبلغ السادات القيادة بما حدث من القيادات الموالية للملك.. إلا أنه بعد ثلثى ساعة عاد الإرسال فى السابعة و13 دقيقة صباحا، ثم قطع الإرسال ثانية وهذه المرة من مصلحة التليفونات، وثار السادات وبعد عشر دقائق عاد الإرسال من جديد وفى السابعة والنصف تمكن السادات من إلقاء البيان بدون أن يذكر اسمه واكتفى باسم مندوب القيادة واستمر البيان دقيقتين ونصف وبتوقيع اللواء محمد نجيب.

وقال فى البيان: "من اللواء محمد نجيب إلى الشعب المصرى: اجتازت مصر فترة عصيبة فى تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير على الجيش وتسبب المرتشون والمغرضون فى هزيمتنا فى حرب فلسطين، وأما فترة ما بعد الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد وتآمر الخونة على الجيش وتولى أمرهم إما جاهل أو خائن أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها، وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا، وتولى أمرنا فى داخل الجيش رجال نثق فى قدرتهم وفى خلقهم وفى وطنيتهم، ولا بد أن مصر كلها ستلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب، أما بالنسبة لاعتقال بعض أفراد الجيش السابقين فهؤلاء لن ينالهم ضرر وسيطلق سراحهم فى الوقت المناسب وأؤكد أن الجيش المصرى كله يعمل لصالح الوطن فى ظل الدستور مجرد من أية غاية".

بيان السادات
وأضاف السادات فى البيان: أطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بأن يلجأ لأعمال التخريب أو العنف لأن هذا ليس فى صالح مصر وأن أى عمل من هذا القبيل سيواجه بشدة لم يسبق لها مثيل وسيلقى فاعله جزاء الخائن فى الحال وإنى أطمئن إخواننا الأجانب على مصالحهم وأرواحهم وأموالهم وأن الجيش نفسه مسئول عنهم والله ولى التوفيق.

لم يتم تسجيل البيان فى الإذاعة عند إلقائه بصوت السادات الذى ترك الإذاعة عائدا إلى مبنى رئاسة الجيش، وكان محيى الدين عبد الرحمن قائد سرية المشاة قد احتل دار الإذاعة ومعه مجموعة من الضباط.

وصل مهندس التسجيل أحمد عواد إلى مبنى الإذاعة، وانهالت الطلبات لإعادة إذاعة البيان الذى ألقاه ثانية الصاغ محيى الدين عبد الرحمن على الهواء مباشرة وتم تسجيله هذه المرة ونظرا للأخطاء اللُّغوية التى وقع فيها الصاغ عبد الرحمن أوقفت القيادة إذاعة البيان، وأوكلت القيادة المذيع صلاح زكى لإلقاء البيان بصوته، ثم أذاعه المذيع جلال معوض فى نشرة الثامنة والنصف مساء، وأعيد تسجيل البيان بصوت السادات فى العيد الأول للثورة.

من الذكريات الطريقة أيضا عن الإذاعة أنه في خمسينيات القرن الماضي كان هناك حديث يشبه السهرة اليومية للكاتب إحسان عبدالقدوس والذي كان يختم دائما حديثه للمستمعين بعبارة تصبحون على حب ما استدعى غضب العديد من المشايخ آنذاك واعتبروا في تلك الجملة تلميحات غير مهذبة حسب آرائهم آنذاك وهو جعل المسئولون في دار الإذاعة بذلك الوقت يطلبون من عبدالقدوس تغيير تلك الجملة ومنع إذاعتها نهائيا ليستبدل الكاتب ختام برنامجه بجملة تصبحون على خير انصياعا لحالة الاعتراض التي شهدها حديثه السابق. 
الجريدة الرسمية