جنازة السيد قط
في جنازة السيد قط
ببلدة صغيرة بأحد أركان الكون، اتخذت الفئران موقعا محايدا، لم تقف في الصدارة لتلقي
العزاء فيه، ولم تتوارى في الخلف فلا يراها أحد. وفي سرادق العزاء، كانت الفئران منتظمة
في صفوف يتقدمها كبيرهم، والذي بدا كقائد جوقة موسيقية، إذا انتحب انتحبوا وإذا بكى
سقطت دمعاتهم من عيونهم وإذا رثاه بكلمات مديح وثناء وترحم أعادوا ما قاله دون زيادة
أو نقصان.
أحد المعزين، وكان رجلا في الثلاثين من عمره، أبدى اندهاشه من وجود الفئران في العزاء، بل وتأثرهم بهذا الشكل، خاصة وأنه رأى بعينه كيف كان القط يتعامل مع الفئران، فقد كان للمرحوم نصيب من صغار الفئران التي كانت تقدمها هذه القوارض الصغيرة طواعية إليه، بناء على اتفاقية صلح عقدها الطرفان قبل عشرات الأعوام.
اتفاقية القطط والفئران
قال الرجل إنه توقع أن تفرح الفئران لموت القط، لا أن تأتي لتعزي فيه وتمطر جثته بوابل من المديح والشكر والعرفان. وهنا قفز من بين الحضور طاعن في السن، وقال إنه شاهد على العصر، وراح يحكي قصصا ومغامرات خاضها السيد قط في شبابه، كان يتلاعب خلالها بالفئران الكبيرة والصغيرة دون تمييز، إلى أن اجتمعت الفئران وعرضت على القط عرضا لا يمكن رفضه، يقضي بأن تقدم الفئران بعضا من صغارها له ليسد بها جوعه، فوافق القط.
لم يكد الرجل العجوز ينتهي من حكايته، حتى تقدم كبير الفئران إلى منصة في آخر السرادق، وأمسك الميكرفون بيديه ثم راح يتحدث في تأثر: «رحم الله السيد قط، فقد كان نبيلا وعادلا، لم يخرق يوما الاتفاقية الموقعة بيننا، وقد قررنا نحن المجلس الأعلى للقطط أن نواصل الالتزام ببنود الاتفاقية رغم رحيل القط، وعليه فإننا نهيب بالسادة القطط أن ينتخبوا فيما بينهم قطا جديدا ليخلف الرحال».
على الجانب الآخر، كانت جموع القطط تجلس لتتلقى العزاء، وحين سمعت ما قاله كبير الفئران، تبادلت القطط النظرات، ثم اقتربوا من بعضهم البعض وراحوا يتهامسون، ثم بدأ الصوت يعلو شيئا فشيئا. قال قط في المنتصف: «أنا كبيركم»، وهتف آخر «بل أنا»، ثم توالت الأصوات: «أنا، بل أنا، لا أنا.. أنا».
تطور الأمر، فتحول الحوار إلى خناق ثم تشابك بالأيدي والمخالب، انتهى إلى أن القطط جميعها قتلت بعضها البعض. تولى الناس دفن القطط النافقة في مقبرة جماعية، زرفت على أعتابها الفئران الكثير من الدموع، وقال كبيرهم: «رحم الله السيد قط.. أما هؤلاء فلا رحمهم الله.. إن أحدا منهم لم يتعلم منه شيء».
مصارعة الفئران
في السرادق الجديد الذي أقيم لتلقي العزاء في القطط التي قتلت بعضها البعض، وقف كبير الفئران مكررا كلامه عن تلك الفئران الصغيرة التي لديه استعداد لأن يقدمها لمن يرغب، استمرارا لتفعيل اتفاقيته مع كبير القطط الراحل، وهنا تبادل الناس النظرات فيما بينهم، وقال أحدهم وكان شابا وسيما «ما رأيكم نأخذ نحن صغار الفئران، فامتعض الحضور وأبدوا شعورهم بالقرف، ثم انصرفوا.
أخذ الشاب يفكر ويفكر، ثم صاح «أنا سأخلف القط»، ففرحت الفئران وتعهدت توريد صغارها إليه كما كانوا يفعلون مع القط الراحل. يوما بعد آخر، بات لدى الشاب عددا كبيرا من الفئران، إذ تعهد رعايتها وتغذيتها، فصارت عظيمة الحجم، وبات الواحد منها في حجم ثلاثة فئران من الأخرى.
جلس الشاب صاحب جيش الفئران الصغيرة، كبيرة الحجم، يفكر في مصير هذه المخلوقات وكيف يستفيد منها، وأخيرا خطرت له فكرة بأن يجعل من الأمر لعبة كي تسلى بها وهي تنظيم مباريات للمصارعة بين الفئران الصغيرة والفئران الكبيرة، وبالفعل أقيمت بعض هذه المباريات التي تفوقت فيها الفئران الصغيرة العفية، ثم سرعان ما تحول الأمر من تسلية إلى فرصة لعقد الرهانات، وانتهى الأمر إلى موت جميع الفئران الكبيرة.
مرت أعوام والفئران الصغيرة باتت كبيرة، عظيمة الحجم، حتى أن الواحد منها أصبح في حجم الإنسان. وذات مرة نشب خلاف بين فأر وإنسان، فأكل الحيوان خصمه، ثم سرعان ما انتشر النار في الهشيم، حيث نشبت حرب بين البشر والفئران، حسمت لصالح تلك القوارض المخيفة.
وهكذا اصبحت البلدة خالية، إلا من الفئران الضخمة، والتي لم تجد شيئا تفعله سوى أن تأكل بعضها البعض، حتى انتهت تماما، وبات المكان خاليا، من المخلوقات، فانسحبت منه الشمس، ولم يعد القمر يطل عليه في الليل، وغادره الهواء منطلقا إلى حيث تعيش المخلوقات، حتى أرض البلدة أكلت نفسها، ولم يعد هناك سوى فجوة كبيرة مظلمة تبتلع من يقترب منها.
أحد المعزين، وكان رجلا في الثلاثين من عمره، أبدى اندهاشه من وجود الفئران في العزاء، بل وتأثرهم بهذا الشكل، خاصة وأنه رأى بعينه كيف كان القط يتعامل مع الفئران، فقد كان للمرحوم نصيب من صغار الفئران التي كانت تقدمها هذه القوارض الصغيرة طواعية إليه، بناء على اتفاقية صلح عقدها الطرفان قبل عشرات الأعوام.
اتفاقية القطط والفئران
قال الرجل إنه توقع أن تفرح الفئران لموت القط، لا أن تأتي لتعزي فيه وتمطر جثته بوابل من المديح والشكر والعرفان. وهنا قفز من بين الحضور طاعن في السن، وقال إنه شاهد على العصر، وراح يحكي قصصا ومغامرات خاضها السيد قط في شبابه، كان يتلاعب خلالها بالفئران الكبيرة والصغيرة دون تمييز، إلى أن اجتمعت الفئران وعرضت على القط عرضا لا يمكن رفضه، يقضي بأن تقدم الفئران بعضا من صغارها له ليسد بها جوعه، فوافق القط.
لم يكد الرجل العجوز ينتهي من حكايته، حتى تقدم كبير الفئران إلى منصة في آخر السرادق، وأمسك الميكرفون بيديه ثم راح يتحدث في تأثر: «رحم الله السيد قط، فقد كان نبيلا وعادلا، لم يخرق يوما الاتفاقية الموقعة بيننا، وقد قررنا نحن المجلس الأعلى للقطط أن نواصل الالتزام ببنود الاتفاقية رغم رحيل القط، وعليه فإننا نهيب بالسادة القطط أن ينتخبوا فيما بينهم قطا جديدا ليخلف الرحال».
على الجانب الآخر، كانت جموع القطط تجلس لتتلقى العزاء، وحين سمعت ما قاله كبير الفئران، تبادلت القطط النظرات، ثم اقتربوا من بعضهم البعض وراحوا يتهامسون، ثم بدأ الصوت يعلو شيئا فشيئا. قال قط في المنتصف: «أنا كبيركم»، وهتف آخر «بل أنا»، ثم توالت الأصوات: «أنا، بل أنا، لا أنا.. أنا».
تطور الأمر، فتحول الحوار إلى خناق ثم تشابك بالأيدي والمخالب، انتهى إلى أن القطط جميعها قتلت بعضها البعض. تولى الناس دفن القطط النافقة في مقبرة جماعية، زرفت على أعتابها الفئران الكثير من الدموع، وقال كبيرهم: «رحم الله السيد قط.. أما هؤلاء فلا رحمهم الله.. إن أحدا منهم لم يتعلم منه شيء».
مصارعة الفئران
في السرادق الجديد الذي أقيم لتلقي العزاء في القطط التي قتلت بعضها البعض، وقف كبير الفئران مكررا كلامه عن تلك الفئران الصغيرة التي لديه استعداد لأن يقدمها لمن يرغب، استمرارا لتفعيل اتفاقيته مع كبير القطط الراحل، وهنا تبادل الناس النظرات فيما بينهم، وقال أحدهم وكان شابا وسيما «ما رأيكم نأخذ نحن صغار الفئران، فامتعض الحضور وأبدوا شعورهم بالقرف، ثم انصرفوا.
أخذ الشاب يفكر ويفكر، ثم صاح «أنا سأخلف القط»، ففرحت الفئران وتعهدت توريد صغارها إليه كما كانوا يفعلون مع القط الراحل. يوما بعد آخر، بات لدى الشاب عددا كبيرا من الفئران، إذ تعهد رعايتها وتغذيتها، فصارت عظيمة الحجم، وبات الواحد منها في حجم ثلاثة فئران من الأخرى.
جلس الشاب صاحب جيش الفئران الصغيرة، كبيرة الحجم، يفكر في مصير هذه المخلوقات وكيف يستفيد منها، وأخيرا خطرت له فكرة بأن يجعل من الأمر لعبة كي تسلى بها وهي تنظيم مباريات للمصارعة بين الفئران الصغيرة والفئران الكبيرة، وبالفعل أقيمت بعض هذه المباريات التي تفوقت فيها الفئران الصغيرة العفية، ثم سرعان ما تحول الأمر من تسلية إلى فرصة لعقد الرهانات، وانتهى الأمر إلى موت جميع الفئران الكبيرة.
مرت أعوام والفئران الصغيرة باتت كبيرة، عظيمة الحجم، حتى أن الواحد منها أصبح في حجم الإنسان. وذات مرة نشب خلاف بين فأر وإنسان، فأكل الحيوان خصمه، ثم سرعان ما انتشر النار في الهشيم، حيث نشبت حرب بين البشر والفئران، حسمت لصالح تلك القوارض المخيفة.
وهكذا اصبحت البلدة خالية، إلا من الفئران الضخمة، والتي لم تجد شيئا تفعله سوى أن تأكل بعضها البعض، حتى انتهت تماما، وبات المكان خاليا، من المخلوقات، فانسحبت منه الشمس، ولم يعد القمر يطل عليه في الليل، وغادره الهواء منطلقا إلى حيث تعيش المخلوقات، حتى أرض البلدة أكلت نفسها، ولم يعد هناك سوى فجوة كبيرة مظلمة تبتلع من يقترب منها.