"حبس العفاريت ورؤية عبد الناصر".. ذكريات جمال الغيطاني في رمضان
فى كتاباته الأدبية المتعددة منها "متتاليات رمضانية" كتب الصحفي والأديب جمال الغيطاني عن ذكرياته الرمضانية قال فيها:
"لكل إنسان محطات بل علامات خاصة فى حياته يوم مولده، يوم إتمامه الدراسة، وبالنسبة لى يعد شهر رمضان من العلامات الفارقة البارزة منذ أن وعيت به وبما يرتبط به من مباهج، لذلك بقدر ابتهاجى بقدوم العيد وما يعنيه ذلك من فرح وانتظار ملابس جديدة، وانطلاق بقدر ما يكون شجنى لفراق رمضان.
فى طفولتي كنت أنتظر قدوم أول أيامه، كما أنتظر حلول ضيف عزيز يصحب معه كل جميل، تصورته بخيالى شيخًا مهيبًا، كل ما يمت إليه أبيض وحتى الآن ما زال له فى مخيلتي شيء مهيب.. ويرجع ذلك إلى اتساع المخيلة وانطلاقها، ولأن أسماء الشهور الهجرية منتشرة فى مسمعى كلها، ربما أكون فى طفولتى المبكرة رأيت شيخا مهيبًا جليلًا مهذبا اسمه الشيخ رمضان، ومن ملامحه تكون تصورى هذا، هذا الشيخ الجليل يجيء بعلامات معينة، منها الإعلان عن أول أيام الصيام، وبعدها تبدأ ملامح الواقع فى التغير.
حبس العفاريت
ويحكى جمال الغيطانى قائلا: أول شيء يراودنى ذلك الشعور العميق بالاطمئنان، فطبقا لما يقوله أبى ويؤكده أن العفاريت تحبس فى رمضان.. وبذلك يمكن لنا نحن الأطفال أن يمتد لعبنا ومرحنا فى الحارة إلى ساعة متأخرة من الليل.. كنا نسكن حارة عتيقة من حارات القاهرة القديمة اسمها "درب الطبلاوى"، وكانت حارة سد.. الغرباء الذين يدخلون إليها على امتداد اليوم معروفون محددون، معظمهم باعة خضر وصحف ولوازم البيوت.
الحرية والانطلاق فى الحارة
وبرغم ذلك كان الأهل يطلبون منا العودة قبل الغروب، فالظلام مخيف والعفاريت تظهر بين الحين والحين، خاصة عند الفرن الذى يغلق أبوابه بعد العصر وناحية قصر المسافرخانة المهجور، لأن العفاريت تفقد حريتها فى رمضان، فهذا يعنى الحرية والانطلاق واللعب مع الأقران إلى ما بعد منتصف الليل بسرعة أيضا تبدأ ملامح الحياة فى التغير, باعة الفول لكل منهم موقع معلوم، ويبدأ طواف باعة الزبادى هو من لوازم السحور، يحمل كل منهم طاولة خشبية مستديرة فوق رأسه، كان الزبادى يباع وقتئذ فى أوان صغيرة من الفخار، اسم الواحدة (سلطانية) مازلت أذكر مذاقه.
لمة الأسرة فى رمضان
ويتذكر جمال الغيطانى لحظة لكة الأسرة فى رمضان، قائلا: أيضا أجلس إلى جوار أمى وأبى وأشقائى ذلك الشعور بالجمع، باللمة لا يكون إلا فى شهر رمضان ، كنت وأنا صغير أتمسك بعدم الإفطار حتى الظهر، ولكن بعد السابعة كنت أصر وأواصل الصيام.. كان ذلك يشعرنى بالمساواة مع الكبار، وعند الغروب يكتسب الإفطار مذاقا خاصا فى الإفطار فلا يخلو يوم من مرق وخضار ولحم، أما الحلوى فتتحول من طبق استثنائى إلى ثابت، إما كنافة أو قطائف بالمكسرات.
انطلاق المدفع
ويضف جمال الغيطانى: كنا ننتظرأن ينطلق المدفع فوق هضبة المقطم حتى منتصف الخمسينيات.. كان ممكنا للمدينة كلها أن تصغى إليه وترتفع صيحة جماعية (هيه).. ثم يسود صمت بعد انتهاء أذان المغرب.
أجلس أمام المائدة أمد يدى إلى كوب قمر الدين، لكن أبى ينهرنى (أنتظر حتى يقول المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله..).. وحتى الخمسينيات لم يكن التلفزيون قد بدأ بعد، وكانت الإذاعة بمفردها، تقدم القراء للقرآن الكريم، ومسلسل ألف ليلة وليلة".
الكنافة والقطائف
ويشير جمال الغيطانى فى حديثه قائلا: "يلى الإفطار انطلاقنا الى الحارة واللعب آمنين من شر العفاريت، ثم نعود إلى البيت حيث الكنافة والقطائف والمكسرات، أغالب النوم حتى أستمع إلى المسحراتى.. كان يحفظ أسماء السكان ويعرف الأبناء والأحفاد، ويستخدم طبلة صغيرة وعصا ويقول من ضمن الأسماء: (اصحى يابو جمال وحد الله..).
صلاة الفجر فى الحسين
عند الفجر يتجمع الرجال بعد الوضوء للذهاب إلى مسجد سيدنا الحسين لأداء صلاة الفجر، وعندما صحبت الوالد الى المسجد أول مرة، وينهى المسحراتى نداءه.
وفى العشر الأواخر نبدأ شراء ملابس العيد، وبعد التمام تتبدل بواعث السرور، فيجيء العيد يعنى بهجة أخرى، ولعبة يحرص الوالد على شرائها لكل منا، واستعدادات تبدأها أمى منذ فترة مبكرة لإعداد الكعك والبسكويت والغريبة.
ومع ثبوت الرؤية نستعد لصلاة العيد والتى تعنى بهجة خاصة لرؤية عبد الناصر الذى اعتاد صلاة العيدين فى مسجد سيدنا الحسين، كنا نفضل الصلاة فى الجامع الأزهر حتى نحتل موقعا متميزا على الطريق الذى سيمر به الموكب، وكان لظهور عبد الناصر تأثير قوى ونافذ على الناس، وكان الموكب بسيطا هادئا.. يتقدمه راكب دراجة بخارية ضخم الجسم، يتبعه ثلاثة، ثم عربة جيب تتبعها عربة المصورين، ظهورهم يعنى أن العربة التالية لجمال عبد الناصر.. كانت له هلة وطلة".
جدير بالذكر أن اليوم يمر 6 سنوات على رحيل الكاتب والروائى والصحفى جمال الدين الغيطاني الذى رحل فى 9 مايو 2015.
"لكل إنسان محطات بل علامات خاصة فى حياته يوم مولده، يوم إتمامه الدراسة، وبالنسبة لى يعد شهر رمضان من العلامات الفارقة البارزة منذ أن وعيت به وبما يرتبط به من مباهج، لذلك بقدر ابتهاجى بقدوم العيد وما يعنيه ذلك من فرح وانتظار ملابس جديدة، وانطلاق بقدر ما يكون شجنى لفراق رمضان.
فى طفولتي كنت أنتظر قدوم أول أيامه، كما أنتظر حلول ضيف عزيز يصحب معه كل جميل، تصورته بخيالى شيخًا مهيبًا، كل ما يمت إليه أبيض وحتى الآن ما زال له فى مخيلتي شيء مهيب.. ويرجع ذلك إلى اتساع المخيلة وانطلاقها، ولأن أسماء الشهور الهجرية منتشرة فى مسمعى كلها، ربما أكون فى طفولتى المبكرة رأيت شيخا مهيبًا جليلًا مهذبا اسمه الشيخ رمضان، ومن ملامحه تكون تصورى هذا، هذا الشيخ الجليل يجيء بعلامات معينة، منها الإعلان عن أول أيام الصيام، وبعدها تبدأ ملامح الواقع فى التغير.
حبس العفاريت
ويحكى جمال الغيطانى قائلا: أول شيء يراودنى ذلك الشعور العميق بالاطمئنان، فطبقا لما يقوله أبى ويؤكده أن العفاريت تحبس فى رمضان.. وبذلك يمكن لنا نحن الأطفال أن يمتد لعبنا ومرحنا فى الحارة إلى ساعة متأخرة من الليل.. كنا نسكن حارة عتيقة من حارات القاهرة القديمة اسمها "درب الطبلاوى"، وكانت حارة سد.. الغرباء الذين يدخلون إليها على امتداد اليوم معروفون محددون، معظمهم باعة خضر وصحف ولوازم البيوت.
الحرية والانطلاق فى الحارة
وبرغم ذلك كان الأهل يطلبون منا العودة قبل الغروب، فالظلام مخيف والعفاريت تظهر بين الحين والحين، خاصة عند الفرن الذى يغلق أبوابه بعد العصر وناحية قصر المسافرخانة المهجور، لأن العفاريت تفقد حريتها فى رمضان، فهذا يعنى الحرية والانطلاق واللعب مع الأقران إلى ما بعد منتصف الليل بسرعة أيضا تبدأ ملامح الحياة فى التغير, باعة الفول لكل منهم موقع معلوم، ويبدأ طواف باعة الزبادى هو من لوازم السحور، يحمل كل منهم طاولة خشبية مستديرة فوق رأسه، كان الزبادى يباع وقتئذ فى أوان صغيرة من الفخار، اسم الواحدة (سلطانية) مازلت أذكر مذاقه.
لمة الأسرة فى رمضان
ويتذكر جمال الغيطانى لحظة لكة الأسرة فى رمضان، قائلا: أيضا أجلس إلى جوار أمى وأبى وأشقائى ذلك الشعور بالجمع، باللمة لا يكون إلا فى شهر رمضان ، كنت وأنا صغير أتمسك بعدم الإفطار حتى الظهر، ولكن بعد السابعة كنت أصر وأواصل الصيام.. كان ذلك يشعرنى بالمساواة مع الكبار، وعند الغروب يكتسب الإفطار مذاقا خاصا فى الإفطار فلا يخلو يوم من مرق وخضار ولحم، أما الحلوى فتتحول من طبق استثنائى إلى ثابت، إما كنافة أو قطائف بالمكسرات.
انطلاق المدفع
ويضف جمال الغيطانى: كنا ننتظرأن ينطلق المدفع فوق هضبة المقطم حتى منتصف الخمسينيات.. كان ممكنا للمدينة كلها أن تصغى إليه وترتفع صيحة جماعية (هيه).. ثم يسود صمت بعد انتهاء أذان المغرب.
أجلس أمام المائدة أمد يدى إلى كوب قمر الدين، لكن أبى ينهرنى (أنتظر حتى يقول المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله..).. وحتى الخمسينيات لم يكن التلفزيون قد بدأ بعد، وكانت الإذاعة بمفردها، تقدم القراء للقرآن الكريم، ومسلسل ألف ليلة وليلة".
الكنافة والقطائف
ويشير جمال الغيطانى فى حديثه قائلا: "يلى الإفطار انطلاقنا الى الحارة واللعب آمنين من شر العفاريت، ثم نعود إلى البيت حيث الكنافة والقطائف والمكسرات، أغالب النوم حتى أستمع إلى المسحراتى.. كان يحفظ أسماء السكان ويعرف الأبناء والأحفاد، ويستخدم طبلة صغيرة وعصا ويقول من ضمن الأسماء: (اصحى يابو جمال وحد الله..).
صلاة الفجر فى الحسين
عند الفجر يتجمع الرجال بعد الوضوء للذهاب إلى مسجد سيدنا الحسين لأداء صلاة الفجر، وعندما صحبت الوالد الى المسجد أول مرة، وينهى المسحراتى نداءه.
وفى العشر الأواخر نبدأ شراء ملابس العيد، وبعد التمام تتبدل بواعث السرور، فيجيء العيد يعنى بهجة أخرى، ولعبة يحرص الوالد على شرائها لكل منا، واستعدادات تبدأها أمى منذ فترة مبكرة لإعداد الكعك والبسكويت والغريبة.
ومع ثبوت الرؤية نستعد لصلاة العيد والتى تعنى بهجة خاصة لرؤية عبد الناصر الذى اعتاد صلاة العيدين فى مسجد سيدنا الحسين، كنا نفضل الصلاة فى الجامع الأزهر حتى نحتل موقعا متميزا على الطريق الذى سيمر به الموكب، وكان لظهور عبد الناصر تأثير قوى ونافذ على الناس، وكان الموكب بسيطا هادئا.. يتقدمه راكب دراجة بخارية ضخم الجسم، يتبعه ثلاثة، ثم عربة جيب تتبعها عربة المصورين، ظهورهم يعنى أن العربة التالية لجمال عبد الناصر.. كانت له هلة وطلة".
جدير بالذكر أن اليوم يمر 6 سنوات على رحيل الكاتب والروائى والصحفى جمال الدين الغيطاني الذى رحل فى 9 مايو 2015.