الدكتور أسامة الأزهرى : الملحدون 4 شرائح .. وأدعو العلماء للكياسة وسعة الصدر فى التعامل معهم .. وظاهرة الإلحاد عالمية (حوار)
منهج القبول والرفض المطلق للتراث خطأ .. والمسلمون توقفوا عن تجديد نموذجهم المعرفى منذ 4 قرون
أصحاب النفوس المحتقنة والحالات الثأرية لا يصلحان لقراءة التراث وتنقيحه
شيخ الأزهر يحمل حملًا كبيرًا على كتفيه ويقود سفينة الأزهر بمنتهى التجرد والأمانة
نحتاج إلى إعادة بناء المنهجية العلمية المنضبطة فى كل المجالات واحترام التفرقة بين المصادر
كل يوم يخرج علينا تيار من التيارات المتطرفة بكارثة من الكوارث التى تحتاج إلى ملاحقة شديدة للرد والتفنيد
الخلط الذى يحدث بين النص الثابت والمتغير يرجع إلى اختلال منهجية العلم والتعليم
إسكندرية لها مكانة خاصة فى نفسى... ووالدى كان رجلًا صالحًا وكان ناظرًا لإحدى المدارس
الدكتورة عبلة الكحلاوى كانت أمى بعد أمى.. وبرحيلها «شمس من العلم والولاية انطفأت»
«علم غزير واحترام للجميع».. صفتان اشتهر بهما الدكتور أسامة الأزهرى، المستشار الدينى لرئيس الجمهورية، إلى جانب صفات أخرى أبرزها أنه طوال السنوات الماضية لم يجنح – مثل غيره – إلى «إغراء التريند» أو الزج بنفسه فى «سفسطفة دينية» لا طائل منها، وهو ما جعله يتمتع بعلاقات طيبة تربطه بجميع المؤسسات الدينية الرسمية، إلى جانب شعبية متزنة فى الشارع المصرى.
«د. أسامة» .. ابن الأزهر الشريف الذى يفتخر به دائما، كما تستعين به وزارة الأوقاف فى تدريب الأئمة، اختاره الدكتور علي جمعة، ليكون خليفته فى خطبة الجمعة فى مسجد السلطان حسن، وكان عمره آنذاك لا يتجاوز الـ 35 عامًا، ارتفعت أسهمه بشدة بعد ثورة 30 يونيو، وحمل لقب مستشار الرئيس للشئون الدينية، وأوكل إليه وضع إستراتيجية تجديد الخطاب الدينى.
كما يعد الدكتور أسامة الأزهرى، أحد أبرز العلماء الشباب الذين ينظر إليهم بعين الاحترام من الجميع، وأصبح ظهوره على الفضائيات والمحافل العلمية المختلفة محل اهتمام وإعجاب من قبل فئة عريضة من الجماهير خاصة الشباب منهم، الذين رأوا فيه نموذجًا يمكن الاعتماد عليه فى تقديم صورة الإسلام الوسطية والتى تحارب الأفكار المتطرف المتطرفة وترد عليها وتناقشها وتفندها وتمحو أصلها.
«فيتو» التقت الدكتور أسامة الأزهرى وحاورته وفتحت معه نقاشا واسعًا حول كافة الملفات المطروحة على الساحة الدينية، بداية من نشأته فى الإسكندرية ثم محافظات صعيد مصر، مرورًا بملف تجديد الخطاب الدينى وغيرها من الملفات المهمة.. وكان الحوار التالى :
*بداية.. كيف كانت سنوات النشأة التي انقسمت ما بين عروس البحر المتوسط «الإسكندرية» ومحافظة سوهاج فى جنوب مصر؟
فى النفس هوى عميق للإسكندرية، ولدت وعشت فيها مع الأسرة مدة 7 سنوات، وتبقى ذكريات الطفولة فيها محفورة فى الذهن، والدى كان رجلًا صالحًا وكان ناظرًا لإحدى المدارس، ثم قرر الوالد أن يعود بالأسرة لسوهاج، وعشت هناك جو القرية المصرية الذى توارثته جيلًا وراء جيل من طرق المبانى والري فى الزراعة، وعشنا فى القرية مع أبناء العم والخال.
واعتنى والدى بتعليمنا وحفظنا القرآن الكريم، وكان حريصًا جدًّا على أن نتعلم فى الكُتّاب، وأدخلنى الأزهر الشريف من بين أشقائى، وكانت عنده مكتبة كبيرة، وكان يشجعنى على حب العلم وحفظ القرآن وكان يدعو لى كثيرًا، وحفر فى حياتى أشياء كثيرة، فيمكن القول إن حياتى مجموعة من التنقلات، ولدت فى الإسكندرية ثم عدنا لسوهاج، ثم فى أسيوط كانت دراستى الجامعية، ثم تركت الصعيد وانتقلت إلى القاهرة.
*متى اكتشفت تعلقك وموهبتك فى التبحر فى العلوم؟
كنت أسمع الأعمام والأقارب يقرأون القرآن فكان يحدث عندى شغف بمعانى الآيات التى يقرأونها، وذات مرة كان يقرأ أبى قوله تعالى: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 1، 2]، فكنت أسأله ما معنى {الم}؟ وما معنى {غُلِبَتِ الرُّومُ}؟ وألح عليه وأطلب منه أن يشرح لى معنى الآيات، فكان يجلس معى ويفهمنى، ومع كل سنة وأخرى كنت حريصًا على الاطلاع فى كتبه.
وعندما كنت فى الصف الخامس الابتدائى أهدانى والدى كتابًا، وتعلقت به جدًّا كان اسمه كتاب «بدائع الزهور فى وقائع الدهور»، وهو كتاب ممتع ولا أمل منه، ونقلنى هذا الكتاب لكتاب آخر، وبدأت الالتفات للقراءة، ووجدت شغفى فى مكتبة والدى، وبدأت أتطلع صغيرًا فى البلدة إلى من معه كتب ومقتنيات وأقرأها، وبدأ يتملكنى الشغف فى التفتيش عن الكتب القديمة فى قريتى.
*ماذا عن تفاصيل جولاتك الخارجية التى قمت بها خلال الفترة الماضية؟
سافرت لبلاد كثيرة من مختلف أنحاء العالم شرقًا وغربًا من طوكيو إلى النيجر، كينيا، السودان، الجزائر، المغرب، الأردن، اليمن، السعودية، ألمانيا، بريطانيا، سويسرا، باريس، موسكو، الهند، إندونيسيا، أذربيجان، وكثير من دول العالم، قابلتُ الملوك والرؤساء والوزراء والأمراء والفقراء والبسطاء والسائلين والمحتاجين.
وتشرفت بمقابلة ملك المغرب وملك الأردن ورئيس دولة الإمارات والرئيس الإندونيسى وسلطان ماليزيا وغيرهم، وأى بلد أنزله ولو لمهمة علمية، أطلب من الناس أصحاب الدعوة النزول للبلاد لرؤية أساليب ونمط المعيشة وطرق المواصلات العامة والأكلات، شكل الحياة وشكل الملابس والعملات والمكتبات، وغرائب العادات وزيارة الصالحين والعلماء الموجودين فى البيوت.
*ألفت مؤخرًا أكبر موسوعة علمية فى العصر الحديث وهى «جمهرة أعلام الأزهر الشريف».. ما هى أبرز كواليس هذا العمل؟
«الجمهرة» توثيق ودراسة لتراجم علماء الأزهر فى القرنين الرابع عشر والخامس عشر الهجريين، مرتبين على سنوات الوفيات، من وفيات سنة 1300 هجريًّا الموافق 1882 ميلاديًّا، إلى وفيات العام الهجرى الماضى 1439هـ، والموسوعة هدية إلى الأزهر الشريف، وإلى مصر العظيمة، وإلى كل أزهرى عظيم كان نموذجا مشرفا لدينه ووطنه.
*كم استغرق العمل فى هذه الموسوعة؟
استغرق العمل فيها 16 سنة صنع وتبلور ونضج هذا الكتاب، عشر سنوات منها كانت جمعًا للمادة العلمية، وست سنوات كان عكوفًا وانقطاعا وانكبابا على التنفيذ والتدوين والتحرير والصياغة، وتضم مئات، بل ألوف من الشخصيات الأزهرية، من المصريين وغير المصريين، ممن وفدوا إلى الأزهر الشريف فنهلوا من العلم، واستنارت عقولهم به، ورجعوا إلى بلادهم شاهدين لمصر بالعظمة والسبق العلمى، فصاروا فى بلادهم دعاة علم وتمدن، يطفئون نيران الحروب، ويعمرون مدارس العلم ومعاهده.
كما أنها تناولت المنهج الأزهرى، وذلك ببيان ماهيته وأصوله ومكوناته ومعالمه وغايته والفرق بين المنهج الأزهرى وبين الكتب والمقررات الدراسية، وبيان سمات وخصائص الشخصية الأزهرية، ومن هو الأزهرى بالمعنى المطابق.
*وما القيمة التى تمثلها المجموعة للأجيال المقبلة؟
الموسوعة نداء إلى الأجيال المقبلة أن يكونوا على هذا المنوال الذى صنع علماء أمثال حسن العطار، والأمير الكبير، واللقانى، والباجورى، ورفاعة الطهطاوى، والشمس الأنبابى، والصبان، والملوى، وعليش، والخضرى، وبخيت المطيعى، ومحمد عبده، والمراغى، والدجوى، ومحمد عبد الله دراز، والشعراوى، وعبد الحليم محمود، وصالح الجعفرى، وصالح شرف، والألوف من الرموز الحكيمة.
*بعد السنوات الطويلة السابقة من العمل فى ملف تجديد الخطاب الدينى.. كيف تقيم أداء المؤسسات الدينية؟
نثمن ونقدر جهود المؤسسات الدينية لكن ما زال هناك فراغ، هناك ملفات لا تزال فى حاجة إلى عمل كبير، فهناك مستوى من التجديد يكاد يشبه عمل رجل الإطفاء، فكل يوم يخرج علينا تيار من التيارات المتطرفة بكارثة من الكوارث التى تحتاج إلى ملاحقة شديدة للرد والتفنيد، وأغلب الجهود المبذولة من المؤسسات إلى الآن فى هذا الطور.
وبعد مرحلة ملاحقة الكوارث الفكرية التى تثيرها التيارات المتطرفة وتفنيدها يأتى مستوى آخر فى إعادة صناعة الفقه الملائم لهذا الزمن، والذى يملأ العقول مناعة من الفكر المتطرف، ثم يأتى المستوى الثالث، الذى لم يتم التطرق إليه حتى الآن، وهو إعادة صناعة النموذج المعرفى للمسلمين وإعادة صناعة الطرح الدينى والفكرى والعقلى.
ونحن كمسلمين توقفنا عن تجديد نموذجنا المعرفى منذ 4 قرون من الزمان، والنموذج المعرفى هو النظرية الكلية التى ينظر بها الإنسان إلى الكون وإلى الحياة وإلى الدين وإلى تعامله مع الحضارات بالأطر الكبرى.
*برأيك.. كيف يمكن إعادة بناء النموذج المعرفى للمسلمين؟
علينا إعادة النموذج المعرفى الذى كان موجودًا منذ 1000 عام، حين كنا صانعين للحضارة وعندما اختل هذا النموذج ابتلينا بما نجده الآن من سرطانات، وكنا فى السابق أصحاب إسهامات عظيمة فى الفيزياء والطب والتشريح والفلك وعلوم الحضارة المختلفة والعلوم الاجتماعية والعقلية والإنسانية والنفسية المختلفة، وإذا بدأنا نعمل فى هذا الاتجاه، يكون هذا التجديد فى أعمق صورة.
*ومن أين نأتى بالأطر الكبرى للتجديد؟
نأتى بها من المصادر الأصلية، ومن فهمنا الصحيح للقرآن الكريم والسنة المشرفة ولمقاصد الشريعة ولعلم القواعد الفقهية والتراث الواسع الشامل الذى يشمل الطب والفلك والتشريح وعلوم البحار وأدب الجغرافيا، وكل هذا العطاء الواسع الذى استمر على مدى ألف سنة بُنى على نموذج معرفى محكم متقن، وعندما اختل النموذج أدى مباشرة إلى التراجع.
*من واقع متابعتك وخبرتك المتراكمة على مدى السنوات الطويلة الماضية.. ما الذى يحتاجه الخطاب الدعوى الآن؟
نحتاج الآن إلى إعادة بناء المنهجية العلمية المنضبطة فى كل المجالات واحترام التفرقة بين المصادر- الكتاب والسنة والإجماع والقياس- وبين منهجية الفهم والاستنباط، وبين المواهب والملكات التى يتمايز ويختلف بها الناس، فنحن نريد بناء العقلية الفارقة التى تفرق بين القطعى والظنى، والتى تفرق بين النص وتفسير النص، والمحكم والمتشابه، وبين الثابت والمتغير، وتدريب العقل على فهم الفوارق التى تبدو متشابهة أول الأمر.
*«التراث».. واحد من الإشكاليات التى يثار حولها جدل متجدد.. من وجهة نظرك كيف يمكن التعامل مع التراث؟
يجب أن نتعامل مع التراث على أنه توجد (4) مناهج، هناك منهج القبول المطلق بكل ما هو مدون بالتراث، وهذا خطأ، لأن التراث اشتمل على مناهج علمية رصينة ومهمة واشتمل على معالجات ناسبت ظروف زمانها، فمضى عليها الزمن ولم تعد صالحة لزمن آخر، ولو أننا قبلنا بكل ما هو مدون بالتراث سنستفيد بمنهجية علمية رصينة.
ولكن مع معالجات زمنية لم تعد مهمة لزمننا، أما الرفض المطلق، فهو الذى يجعلنا نتلافى مسائل متعلقة بزمن مضى ونهدر بجانبها مسائل علمية رصينة، فالقبول المطلق والرفض المطلق غير مقبولين، والمنهج الثالث يحاول أن يدرك أن هناك خطأ فى القبول المطلق وخطأ فى الرفض المطلق، فيتحول إلى حالة الانتقاء العشوائى وهذا خطأ آخر، ويبقى المنهج الأخير الذى يحتاج إلى ورش عمل وإلى صناعة عملية متقنة للانتقاء الواعى.
*هل هناك جهة بعينها يقع على عاتقها «قراءة وتنقيح التراث»؟
لا بد أن نؤكد أن عملية قراءة التراث وتنقيحه لا تتوقف على أفراد أو جهات أو مؤسسات، بل متوقفة على معيار ومنهج، والمنهج يكون من خلال حوار علمى غير نابع من نفوس محتقنة أو حالات ثأرية يحاول كل طرف فيها أن ينتقم من الآخر ويلحق الإهانة بالآخر، وغير نابع من حالة متعجلة أو قراءة غير واعية.
بل ينبغى أن تكون قراءة عن منهج علمى يمكن أن تقوم به الجامعات والأكاديميات والباحثون فى الدراسات العليا والماجستير والدكتوراه فيمكن أن تتحول مشروعات كتابة الماجستير والدكتوراه إلى هذه القراءة النقدية وفق المعايير الأساسية المعمول بها فى كل جامعات العالم فى المجالات المختلفة.
*برأيك.. ما سبب تنامى وانتشار ظاهرة الإلحاد فى الفترة الأخيرة؟
قطاع الملحدين مكون من 4 شرائح، الشريحة الأولى «الملحد المطلق» الذى لا يعتقد فى وجود إله، والثانية هى «الملحد الربوبى» الذى يعتقد فى وجود قوى غيبية ولا يعتقد فى وجود شرائع أو رسل، والثالثة «الملحد اللا أدرى» الذى وصل إلى حالة لا يستطيع أن يثبت أنه يوجد إله أو ينفى فيقرر تجميد قضية الأديان كلها إلى أجل غير مسمى.
أما الشريحة الرابعة فهى «المنفجر نفسيًّا» الذى تعرض لضغوط نفسية هائلة لعدة سنوات، وفاق قدر تحمله لها وطاقته ويرى دولًا تنهار وتيارات تمارس القتل باسم الدين، فوصل إلى حالة سوداوية مؤلمة تجعله يوشك على الانفجار نفسيا، ويبدأ فى طرح أسئلة من نوعية لماذا يوجد الشر فى الكون من الأساس؟
*وما أبرز سمات شريحة «الملحد المنفجر نفسيا»؟
الملحد المنفجر نفسيًا له (3) سمات نفسية، الأولى: الافتخار، والثانية: الانتشار، أما الثالثة فهى: الاستفزاز، بمعنى أنه حدث تحول كبير فى الطابع النفسى، فكان الإنسان فى فترة السبعينيات إذا وقع فى أي مخالفة يشعر بالخجل حتى التدخين، ويشعر بخجل كبير فى وجود أبيه أو أستاذه، فكانت طبيعة الإنسان توجب عليه التخفى إذا خالف المجتمع، أما الآن فالوضع مختلف، فالبعض يعلن على السوشيال ميديا إلحاده.
أما السمة الثانية وهى الانتشار فلا يكفيه أنه وقع فى قضية الإلحاد ويفتخر بها، بل قرر توسيع دائرة الملحدين فيمارس الدعوة إلى الإلحاد، أما عن الاستفزاز فهو يسلك مسلك الصدمات المؤلمة عند خوض أي خطاب فى المجال الدينى بغرض استفزاز المتحدث فى الخطاب الدينى بغرض الانتقال من الجدل العلمى إلى حالة من الغضب والنقاش.
*وكيف يمكن التعامل مع السمات الثلاث؟
ينبغي لنا أن نتعامل فى المقام الأول بمنطق علمى، بما يعنى أنه عند خوض أي نقاش مع شخص مال إلى قضية الإلحاد، فيجب عدم التوقف عند أي مظهر من مظاهر الاستهانة بالشعائر أو الخوض غير اللائق فى الذات الإلهية، بل ينبغي الخروج من كل تلك الإشكاليات أو كل تلك الصدمات إلى النقاش بمنطق علمي محدد وفى مسائل علمية معينة واللجوء إلى بحوث من علم الكلام وبحوث فى الفيزياء المعاصرة وإلى نقاش علمى دقيق فى كتاب «وهم الإله» لعالم الأحياء البريطانى «ريتشارد دوكنز».
،وإلى أطروحات «ستيفن هوكينج» حول الإلحاد، وأدعو كل الخطباء والعلماء والقائمين على الخطاب الدينى أن تكون لديهم الكياسة وسعة الصدر للتعامل، وألا يتوقف أحدهم عند أي مظهر من مظاهر الاستفزاز، وأن يحول القضية إلى نقاش علمى مؤصل فى مسائل علمية محددة ومحكمة، مع العمل على استيعاب الضغوط النفسية التى تعرض لها بعض هذه الشرائح التى تحتاج إلى قوله تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه: 44] وإلى الخلق النبوى الكريم.
وأريد الإشارة هنا إلى أن «الإلحاد» ليس قضية خاصة بمصر، بل هى ظاهرة منتشرة على مستوى العالم، ولم ننجح بعد فى رصد تضاريس هذه الظاهرة والقضايا التى يخوضون فيها والأطوار والسمات النفسية التى تحرك التصرفات عند هؤلاء، وأهم الكتب التى ألفها الداعون إلى فكرة الإلحاد.
ولا بد من وجود رؤية أعمق وأرحب صدرًا وأوسع أفقًا وأقرب إلى المنهجية العلمية المحكومة للتعامل مع الظاهرة باختلاف تفاصيلها.
*هل هناك طرق محددة لحماية الشباب من الانجراف وراء هذه الظاهرة؟
الأمر فى قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125]، وعلينا أيضا إعادة التأسيس للمنطلق الكلى والأكبر لقضية الدين وهو نابع فى المقام الأول من قضية الإيمان بالله، وتوثيق حب الله فى القلوب يحتاج إلى أن يدرك الإنسان كل ما حوله من فرائض وعبادات.
كما علينا أيضا إعادة بناء مفهوم الإيمان بالنفوس على نحو يجعل الإنسان يقبل على إقامة الشعائر وعلى المعاملة مع الله من باب الحب، فهذا هو المدخل الأكبر الذى يحتاج منا إلى جهود وعمل واسع الأفق لإعادة تثبيت منطق الإيمان وتعظيم شعائر الدين وإعادة شرح فلسفة الصلاة ومظهر الصلاة وحكمة الصلاة، والتأكيد على أن ذلك يزيد الصلة مع الله، فالكرة فى ملعبنا نحن القائمين على خدمة الخطاب الدينى.
*تأثرت كثيرًا برحيل الدكتورة عبلة الكحلاوى فما كان تأثيرها فى حياتك؟
برحيل الدكتورة عبلة الكحلاوى أقول إن شمسًا من العلم والولاية انطفأت، وكانت أمى بعد أمى.
*كيف ترى مسيرة الأزهر الشريف تحت قيادة الدكتور أحمد الطيب؟
الحقيقة أن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، يحمل حملًا كبيرًا على كتفيه، ويقود سفينة الأزهر بمنتهى التجرد والأمانة، وهو أستاذنا ورمزنا الذى نتشرف ونعتز به وندعو الله له بمزيد من الصحة والعافية.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
أصحاب النفوس المحتقنة والحالات الثأرية لا يصلحان لقراءة التراث وتنقيحه
شيخ الأزهر يحمل حملًا كبيرًا على كتفيه ويقود سفينة الأزهر بمنتهى التجرد والأمانة
نحتاج إلى إعادة بناء المنهجية العلمية المنضبطة فى كل المجالات واحترام التفرقة بين المصادر
كل يوم يخرج علينا تيار من التيارات المتطرفة بكارثة من الكوارث التى تحتاج إلى ملاحقة شديدة للرد والتفنيد
الخلط الذى يحدث بين النص الثابت والمتغير يرجع إلى اختلال منهجية العلم والتعليم
إسكندرية لها مكانة خاصة فى نفسى... ووالدى كان رجلًا صالحًا وكان ناظرًا لإحدى المدارس
الدكتورة عبلة الكحلاوى كانت أمى بعد أمى.. وبرحيلها «شمس من العلم والولاية انطفأت»
«علم غزير واحترام للجميع».. صفتان اشتهر بهما الدكتور أسامة الأزهرى، المستشار الدينى لرئيس الجمهورية، إلى جانب صفات أخرى أبرزها أنه طوال السنوات الماضية لم يجنح – مثل غيره – إلى «إغراء التريند» أو الزج بنفسه فى «سفسطفة دينية» لا طائل منها، وهو ما جعله يتمتع بعلاقات طيبة تربطه بجميع المؤسسات الدينية الرسمية، إلى جانب شعبية متزنة فى الشارع المصرى.
«د. أسامة» .. ابن الأزهر الشريف الذى يفتخر به دائما، كما تستعين به وزارة الأوقاف فى تدريب الأئمة، اختاره الدكتور علي جمعة، ليكون خليفته فى خطبة الجمعة فى مسجد السلطان حسن، وكان عمره آنذاك لا يتجاوز الـ 35 عامًا، ارتفعت أسهمه بشدة بعد ثورة 30 يونيو، وحمل لقب مستشار الرئيس للشئون الدينية، وأوكل إليه وضع إستراتيجية تجديد الخطاب الدينى.
كما يعد الدكتور أسامة الأزهرى، أحد أبرز العلماء الشباب الذين ينظر إليهم بعين الاحترام من الجميع، وأصبح ظهوره على الفضائيات والمحافل العلمية المختلفة محل اهتمام وإعجاب من قبل فئة عريضة من الجماهير خاصة الشباب منهم، الذين رأوا فيه نموذجًا يمكن الاعتماد عليه فى تقديم صورة الإسلام الوسطية والتى تحارب الأفكار المتطرف المتطرفة وترد عليها وتناقشها وتفندها وتمحو أصلها.
«فيتو» التقت الدكتور أسامة الأزهرى وحاورته وفتحت معه نقاشا واسعًا حول كافة الملفات المطروحة على الساحة الدينية، بداية من نشأته فى الإسكندرية ثم محافظات صعيد مصر، مرورًا بملف تجديد الخطاب الدينى وغيرها من الملفات المهمة.. وكان الحوار التالى :
*بداية.. كيف كانت سنوات النشأة التي انقسمت ما بين عروس البحر المتوسط «الإسكندرية» ومحافظة سوهاج فى جنوب مصر؟
فى النفس هوى عميق للإسكندرية، ولدت وعشت فيها مع الأسرة مدة 7 سنوات، وتبقى ذكريات الطفولة فيها محفورة فى الذهن، والدى كان رجلًا صالحًا وكان ناظرًا لإحدى المدارس، ثم قرر الوالد أن يعود بالأسرة لسوهاج، وعشت هناك جو القرية المصرية الذى توارثته جيلًا وراء جيل من طرق المبانى والري فى الزراعة، وعشنا فى القرية مع أبناء العم والخال.
واعتنى والدى بتعليمنا وحفظنا القرآن الكريم، وكان حريصًا جدًّا على أن نتعلم فى الكُتّاب، وأدخلنى الأزهر الشريف من بين أشقائى، وكانت عنده مكتبة كبيرة، وكان يشجعنى على حب العلم وحفظ القرآن وكان يدعو لى كثيرًا، وحفر فى حياتى أشياء كثيرة، فيمكن القول إن حياتى مجموعة من التنقلات، ولدت فى الإسكندرية ثم عدنا لسوهاج، ثم فى أسيوط كانت دراستى الجامعية، ثم تركت الصعيد وانتقلت إلى القاهرة.
*متى اكتشفت تعلقك وموهبتك فى التبحر فى العلوم؟
كنت أسمع الأعمام والأقارب يقرأون القرآن فكان يحدث عندى شغف بمعانى الآيات التى يقرأونها، وذات مرة كان يقرأ أبى قوله تعالى: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 1، 2]، فكنت أسأله ما معنى {الم}؟ وما معنى {غُلِبَتِ الرُّومُ}؟ وألح عليه وأطلب منه أن يشرح لى معنى الآيات، فكان يجلس معى ويفهمنى، ومع كل سنة وأخرى كنت حريصًا على الاطلاع فى كتبه.
وعندما كنت فى الصف الخامس الابتدائى أهدانى والدى كتابًا، وتعلقت به جدًّا كان اسمه كتاب «بدائع الزهور فى وقائع الدهور»، وهو كتاب ممتع ولا أمل منه، ونقلنى هذا الكتاب لكتاب آخر، وبدأت الالتفات للقراءة، ووجدت شغفى فى مكتبة والدى، وبدأت أتطلع صغيرًا فى البلدة إلى من معه كتب ومقتنيات وأقرأها، وبدأ يتملكنى الشغف فى التفتيش عن الكتب القديمة فى قريتى.
*ماذا عن تفاصيل جولاتك الخارجية التى قمت بها خلال الفترة الماضية؟
سافرت لبلاد كثيرة من مختلف أنحاء العالم شرقًا وغربًا من طوكيو إلى النيجر، كينيا، السودان، الجزائر، المغرب، الأردن، اليمن، السعودية، ألمانيا، بريطانيا، سويسرا، باريس، موسكو، الهند، إندونيسيا، أذربيجان، وكثير من دول العالم، قابلتُ الملوك والرؤساء والوزراء والأمراء والفقراء والبسطاء والسائلين والمحتاجين.
وتشرفت بمقابلة ملك المغرب وملك الأردن ورئيس دولة الإمارات والرئيس الإندونيسى وسلطان ماليزيا وغيرهم، وأى بلد أنزله ولو لمهمة علمية، أطلب من الناس أصحاب الدعوة النزول للبلاد لرؤية أساليب ونمط المعيشة وطرق المواصلات العامة والأكلات، شكل الحياة وشكل الملابس والعملات والمكتبات، وغرائب العادات وزيارة الصالحين والعلماء الموجودين فى البيوت.
*ألفت مؤخرًا أكبر موسوعة علمية فى العصر الحديث وهى «جمهرة أعلام الأزهر الشريف».. ما هى أبرز كواليس هذا العمل؟
«الجمهرة» توثيق ودراسة لتراجم علماء الأزهر فى القرنين الرابع عشر والخامس عشر الهجريين، مرتبين على سنوات الوفيات، من وفيات سنة 1300 هجريًّا الموافق 1882 ميلاديًّا، إلى وفيات العام الهجرى الماضى 1439هـ، والموسوعة هدية إلى الأزهر الشريف، وإلى مصر العظيمة، وإلى كل أزهرى عظيم كان نموذجا مشرفا لدينه ووطنه.
*كم استغرق العمل فى هذه الموسوعة؟
استغرق العمل فيها 16 سنة صنع وتبلور ونضج هذا الكتاب، عشر سنوات منها كانت جمعًا للمادة العلمية، وست سنوات كان عكوفًا وانقطاعا وانكبابا على التنفيذ والتدوين والتحرير والصياغة، وتضم مئات، بل ألوف من الشخصيات الأزهرية، من المصريين وغير المصريين، ممن وفدوا إلى الأزهر الشريف فنهلوا من العلم، واستنارت عقولهم به، ورجعوا إلى بلادهم شاهدين لمصر بالعظمة والسبق العلمى، فصاروا فى بلادهم دعاة علم وتمدن، يطفئون نيران الحروب، ويعمرون مدارس العلم ومعاهده.
كما أنها تناولت المنهج الأزهرى، وذلك ببيان ماهيته وأصوله ومكوناته ومعالمه وغايته والفرق بين المنهج الأزهرى وبين الكتب والمقررات الدراسية، وبيان سمات وخصائص الشخصية الأزهرية، ومن هو الأزهرى بالمعنى المطابق.
*وما القيمة التى تمثلها المجموعة للأجيال المقبلة؟
الموسوعة نداء إلى الأجيال المقبلة أن يكونوا على هذا المنوال الذى صنع علماء أمثال حسن العطار، والأمير الكبير، واللقانى، والباجورى، ورفاعة الطهطاوى، والشمس الأنبابى، والصبان، والملوى، وعليش، والخضرى، وبخيت المطيعى، ومحمد عبده، والمراغى، والدجوى، ومحمد عبد الله دراز، والشعراوى، وعبد الحليم محمود، وصالح الجعفرى، وصالح شرف، والألوف من الرموز الحكيمة.
*بعد السنوات الطويلة السابقة من العمل فى ملف تجديد الخطاب الدينى.. كيف تقيم أداء المؤسسات الدينية؟
نثمن ونقدر جهود المؤسسات الدينية لكن ما زال هناك فراغ، هناك ملفات لا تزال فى حاجة إلى عمل كبير، فهناك مستوى من التجديد يكاد يشبه عمل رجل الإطفاء، فكل يوم يخرج علينا تيار من التيارات المتطرفة بكارثة من الكوارث التى تحتاج إلى ملاحقة شديدة للرد والتفنيد، وأغلب الجهود المبذولة من المؤسسات إلى الآن فى هذا الطور.
وبعد مرحلة ملاحقة الكوارث الفكرية التى تثيرها التيارات المتطرفة وتفنيدها يأتى مستوى آخر فى إعادة صناعة الفقه الملائم لهذا الزمن، والذى يملأ العقول مناعة من الفكر المتطرف، ثم يأتى المستوى الثالث، الذى لم يتم التطرق إليه حتى الآن، وهو إعادة صناعة النموذج المعرفى للمسلمين وإعادة صناعة الطرح الدينى والفكرى والعقلى.
ونحن كمسلمين توقفنا عن تجديد نموذجنا المعرفى منذ 4 قرون من الزمان، والنموذج المعرفى هو النظرية الكلية التى ينظر بها الإنسان إلى الكون وإلى الحياة وإلى الدين وإلى تعامله مع الحضارات بالأطر الكبرى.
*برأيك.. كيف يمكن إعادة بناء النموذج المعرفى للمسلمين؟
علينا إعادة النموذج المعرفى الذى كان موجودًا منذ 1000 عام، حين كنا صانعين للحضارة وعندما اختل هذا النموذج ابتلينا بما نجده الآن من سرطانات، وكنا فى السابق أصحاب إسهامات عظيمة فى الفيزياء والطب والتشريح والفلك وعلوم الحضارة المختلفة والعلوم الاجتماعية والعقلية والإنسانية والنفسية المختلفة، وإذا بدأنا نعمل فى هذا الاتجاه، يكون هذا التجديد فى أعمق صورة.
*ومن أين نأتى بالأطر الكبرى للتجديد؟
نأتى بها من المصادر الأصلية، ومن فهمنا الصحيح للقرآن الكريم والسنة المشرفة ولمقاصد الشريعة ولعلم القواعد الفقهية والتراث الواسع الشامل الذى يشمل الطب والفلك والتشريح وعلوم البحار وأدب الجغرافيا، وكل هذا العطاء الواسع الذى استمر على مدى ألف سنة بُنى على نموذج معرفى محكم متقن، وعندما اختل النموذج أدى مباشرة إلى التراجع.
*من واقع متابعتك وخبرتك المتراكمة على مدى السنوات الطويلة الماضية.. ما الذى يحتاجه الخطاب الدعوى الآن؟
نحتاج الآن إلى إعادة بناء المنهجية العلمية المنضبطة فى كل المجالات واحترام التفرقة بين المصادر- الكتاب والسنة والإجماع والقياس- وبين منهجية الفهم والاستنباط، وبين المواهب والملكات التى يتمايز ويختلف بها الناس، فنحن نريد بناء العقلية الفارقة التى تفرق بين القطعى والظنى، والتى تفرق بين النص وتفسير النص، والمحكم والمتشابه، وبين الثابت والمتغير، وتدريب العقل على فهم الفوارق التى تبدو متشابهة أول الأمر.
*«التراث».. واحد من الإشكاليات التى يثار حولها جدل متجدد.. من وجهة نظرك كيف يمكن التعامل مع التراث؟
يجب أن نتعامل مع التراث على أنه توجد (4) مناهج، هناك منهج القبول المطلق بكل ما هو مدون بالتراث، وهذا خطأ، لأن التراث اشتمل على مناهج علمية رصينة ومهمة واشتمل على معالجات ناسبت ظروف زمانها، فمضى عليها الزمن ولم تعد صالحة لزمن آخر، ولو أننا قبلنا بكل ما هو مدون بالتراث سنستفيد بمنهجية علمية رصينة.
ولكن مع معالجات زمنية لم تعد مهمة لزمننا، أما الرفض المطلق، فهو الذى يجعلنا نتلافى مسائل متعلقة بزمن مضى ونهدر بجانبها مسائل علمية رصينة، فالقبول المطلق والرفض المطلق غير مقبولين، والمنهج الثالث يحاول أن يدرك أن هناك خطأ فى القبول المطلق وخطأ فى الرفض المطلق، فيتحول إلى حالة الانتقاء العشوائى وهذا خطأ آخر، ويبقى المنهج الأخير الذى يحتاج إلى ورش عمل وإلى صناعة عملية متقنة للانتقاء الواعى.
*هل هناك جهة بعينها يقع على عاتقها «قراءة وتنقيح التراث»؟
لا بد أن نؤكد أن عملية قراءة التراث وتنقيحه لا تتوقف على أفراد أو جهات أو مؤسسات، بل متوقفة على معيار ومنهج، والمنهج يكون من خلال حوار علمى غير نابع من نفوس محتقنة أو حالات ثأرية يحاول كل طرف فيها أن ينتقم من الآخر ويلحق الإهانة بالآخر، وغير نابع من حالة متعجلة أو قراءة غير واعية.
بل ينبغى أن تكون قراءة عن منهج علمى يمكن أن تقوم به الجامعات والأكاديميات والباحثون فى الدراسات العليا والماجستير والدكتوراه فيمكن أن تتحول مشروعات كتابة الماجستير والدكتوراه إلى هذه القراءة النقدية وفق المعايير الأساسية المعمول بها فى كل جامعات العالم فى المجالات المختلفة.
*برأيك.. ما سبب تنامى وانتشار ظاهرة الإلحاد فى الفترة الأخيرة؟
قطاع الملحدين مكون من 4 شرائح، الشريحة الأولى «الملحد المطلق» الذى لا يعتقد فى وجود إله، والثانية هى «الملحد الربوبى» الذى يعتقد فى وجود قوى غيبية ولا يعتقد فى وجود شرائع أو رسل، والثالثة «الملحد اللا أدرى» الذى وصل إلى حالة لا يستطيع أن يثبت أنه يوجد إله أو ينفى فيقرر تجميد قضية الأديان كلها إلى أجل غير مسمى.
أما الشريحة الرابعة فهى «المنفجر نفسيًّا» الذى تعرض لضغوط نفسية هائلة لعدة سنوات، وفاق قدر تحمله لها وطاقته ويرى دولًا تنهار وتيارات تمارس القتل باسم الدين، فوصل إلى حالة سوداوية مؤلمة تجعله يوشك على الانفجار نفسيا، ويبدأ فى طرح أسئلة من نوعية لماذا يوجد الشر فى الكون من الأساس؟
*وما أبرز سمات شريحة «الملحد المنفجر نفسيا»؟
الملحد المنفجر نفسيًا له (3) سمات نفسية، الأولى: الافتخار، والثانية: الانتشار، أما الثالثة فهى: الاستفزاز، بمعنى أنه حدث تحول كبير فى الطابع النفسى، فكان الإنسان فى فترة السبعينيات إذا وقع فى أي مخالفة يشعر بالخجل حتى التدخين، ويشعر بخجل كبير فى وجود أبيه أو أستاذه، فكانت طبيعة الإنسان توجب عليه التخفى إذا خالف المجتمع، أما الآن فالوضع مختلف، فالبعض يعلن على السوشيال ميديا إلحاده.
أما السمة الثانية وهى الانتشار فلا يكفيه أنه وقع فى قضية الإلحاد ويفتخر بها، بل قرر توسيع دائرة الملحدين فيمارس الدعوة إلى الإلحاد، أما عن الاستفزاز فهو يسلك مسلك الصدمات المؤلمة عند خوض أي خطاب فى المجال الدينى بغرض استفزاز المتحدث فى الخطاب الدينى بغرض الانتقال من الجدل العلمى إلى حالة من الغضب والنقاش.
*وكيف يمكن التعامل مع السمات الثلاث؟
ينبغي لنا أن نتعامل فى المقام الأول بمنطق علمى، بما يعنى أنه عند خوض أي نقاش مع شخص مال إلى قضية الإلحاد، فيجب عدم التوقف عند أي مظهر من مظاهر الاستهانة بالشعائر أو الخوض غير اللائق فى الذات الإلهية، بل ينبغي الخروج من كل تلك الإشكاليات أو كل تلك الصدمات إلى النقاش بمنطق علمي محدد وفى مسائل علمية معينة واللجوء إلى بحوث من علم الكلام وبحوث فى الفيزياء المعاصرة وإلى نقاش علمى دقيق فى كتاب «وهم الإله» لعالم الأحياء البريطانى «ريتشارد دوكنز».
،وإلى أطروحات «ستيفن هوكينج» حول الإلحاد، وأدعو كل الخطباء والعلماء والقائمين على الخطاب الدينى أن تكون لديهم الكياسة وسعة الصدر للتعامل، وألا يتوقف أحدهم عند أي مظهر من مظاهر الاستفزاز، وأن يحول القضية إلى نقاش علمى مؤصل فى مسائل علمية محددة ومحكمة، مع العمل على استيعاب الضغوط النفسية التى تعرض لها بعض هذه الشرائح التى تحتاج إلى قوله تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه: 44] وإلى الخلق النبوى الكريم.
وأريد الإشارة هنا إلى أن «الإلحاد» ليس قضية خاصة بمصر، بل هى ظاهرة منتشرة على مستوى العالم، ولم ننجح بعد فى رصد تضاريس هذه الظاهرة والقضايا التى يخوضون فيها والأطوار والسمات النفسية التى تحرك التصرفات عند هؤلاء، وأهم الكتب التى ألفها الداعون إلى فكرة الإلحاد.
ولا بد من وجود رؤية أعمق وأرحب صدرًا وأوسع أفقًا وأقرب إلى المنهجية العلمية المحكومة للتعامل مع الظاهرة باختلاف تفاصيلها.
*هل هناك طرق محددة لحماية الشباب من الانجراف وراء هذه الظاهرة؟
الأمر فى قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125]، وعلينا أيضا إعادة التأسيس للمنطلق الكلى والأكبر لقضية الدين وهو نابع فى المقام الأول من قضية الإيمان بالله، وتوثيق حب الله فى القلوب يحتاج إلى أن يدرك الإنسان كل ما حوله من فرائض وعبادات.
كما علينا أيضا إعادة بناء مفهوم الإيمان بالنفوس على نحو يجعل الإنسان يقبل على إقامة الشعائر وعلى المعاملة مع الله من باب الحب، فهذا هو المدخل الأكبر الذى يحتاج منا إلى جهود وعمل واسع الأفق لإعادة تثبيت منطق الإيمان وتعظيم شعائر الدين وإعادة شرح فلسفة الصلاة ومظهر الصلاة وحكمة الصلاة، والتأكيد على أن ذلك يزيد الصلة مع الله، فالكرة فى ملعبنا نحن القائمين على خدمة الخطاب الدينى.
*تأثرت كثيرًا برحيل الدكتورة عبلة الكحلاوى فما كان تأثيرها فى حياتك؟
برحيل الدكتورة عبلة الكحلاوى أقول إن شمسًا من العلم والولاية انطفأت، وكانت أمى بعد أمى.
*كيف ترى مسيرة الأزهر الشريف تحت قيادة الدكتور أحمد الطيب؟
الحقيقة أن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، يحمل حملًا كبيرًا على كتفيه، ويقود سفينة الأزهر بمنتهى التجرد والأمانة، وهو أستاذنا ورمزنا الذى نتشرف ونعتز به وندعو الله له بمزيد من الصحة والعافية.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"