رئيس التحرير
عصام كامل

دهاء «الخنافس البشرية» في المؤسسات الحكومية (1)

الخنافس أو ذوات الجناح الغمدي، كما سماها الفيلسوف اليوناني أرسطو وهي تسمية مُركَّبة، تعني أجنحة محمية بغطاء، وهي تصف رتبة من الحشرات، يُعتقد بأنها ذات سلف مشترك أُحادي العِرق، وتجمعها خاصية التطور، ولها أحجام متفاوتة، ويبدو أن أرسطو كان بعيد النظر حين اهتم بهذه الحشرة دون غيرها، فقد مكنتها خاصية التطور من الظهور في أشكال وأحجام مختلفة، إلى أن ظهرت مؤخرًا في صورة بشرية.


خنافس فى العمل
ونحن لا ندعي لأنفسنا اننا أصحاب مصطلح «الخنافس البشرية»، فقد عبر عنها ضمنيًا الأديب السوداني جعفر عباس حين قال: خنافس الأرض تجـري في أعِنَّتِها، وسـابحُ الخيل مربوطٌ إلى الوتـد.
ِولكننا نُحرك الماء الراكد في مجال العلوم الادارية؛ فما يمكن أن نقوله نحن اليوم قد لا يمكن ترجمته بشكل أكاديمي في مؤلفات الإدارة، ولكنه يجد مجال تطبيقه في المؤسسات والمنظمات الحكومية والخاصة، الهادفة للربح او الخدمية على حدٍ سواء مع تفاوت في نسب تواجدها وأحجامها في كل مؤسسة أو منظمة.

ويمكن رصد هذه الخنافس البشرية في قطاع العمل، ولكن كيف تظهر هذه الخنافس في المؤسسات الحكومية والخاصة، ومن أين تأتي؟، وكيف تعيش في أوساط العمل؟، هل تُعد هذه الخنافس المتطورة كائنات ذكية أم خسيسة؟

من هي الخنافس البشرية؟
ونعيش اليوم مع إجابات هذه التساؤلات، وغيرها من الأسئلة، وأول سؤال يستحق البحث عن إجابة هو: ما هي طبيعة هذه الكائنات؟ والحقيقة أنهم أشخاص يظهرون في مجال العمل اليومي، أقرب للحشرات في سلوكياتهم من البشر، ولعل ذلك التعريف على بساطته يكشف مدى خسة تلك الكائنات.

وتأتي هذه الكائنات من الأماكن القذرة، فهم يعرفون طبيعتهم الحشرية، وأنهم لا يستحقون مناصبهم التي وصلوا اليها، عبر النوافذ، عن طريق الفساد والرِشوة، وأغلب هذه الخنافس نشَّأت في رُبُوع الفساد، و دائمًا ما تحيا  بعقلية العقارب، لا يتمكنون من ضعيف إلا لدغوه، وتمارس أعمالها وفق مبادئ الثعالب، ويتذللون للرؤساء كالقطط المُدللة، ويتسللون في المؤسسات ليصلوا إلى الأماكن الهامة مثل السحالي والثعابين، ونرى في أعينهم دموع التماسيح.

والنموذج التقليدي للخنافس البشرية هو ذلك الموظف المُتمَسكِن الذي لا يعمل الا القدر الذي يُنجيه من العقاب، وسر بقائهم في الوظيفة، ووصولهم للأماكن المؤثرة في جهات عملهم هو صفة لا تتحقق الا في الخنافس، وهي أنك حين تضغط عليه بحذائك، تظن أنه مات، ولكن هيهات.. فالخنافس لا تدهسها الأرجل، بل تقوم مرة أخرى وكأن شيئًا لم يكن.

شبكة فساد
ونجد كذلك النموذج غير التقليدي الذي ينتمي إلى الخنافس البشرية فهو لا يخجل حين يُواجهه الرؤساء، بالسرقة أو الرِشوة، ولا يُنكِرها، بل يُطالب بإحالة الواقعة للتحقيق، ويتحدى أن تثبت عليه التهمة، ولأن الرؤساء المحترمين لديهم حسن نية فإنهم يُشكلون اللجان لفحص المخالفات وهنا يبدأ ذلك الكائن القذر في ممارسة مهاراته في الغش والتدليس والتلاعب بنصوص القانون، وصولا إلى المراهنة على مضي الوقت، وضياع ملامح الجريمة.

وينشغل هذا الكائن الحاقد على المؤسسة بتكوين شبكة فساد داخل المؤسسة وأخرى خارجها، تجمعهم صفات الخنافس، يتعاونون على الفساد، ويدعمون الفاسدين ولو كان ذلك بدون عائد عليهم، لأن قوة الشبكة تدعم قوة المنتمين اليها، ولا بد لمن انشأ شبكة الفساد أن ينشغل أيضًا بإزاحة المحترمين من وجهه، ولو لم يُهددوا استقراره في المؤسسة، وتتكالب شبكة الفاسدين لإنتاج رأي عام موحد يدعم خططهم الدنيئة.. وللحديث بقية
الجريدة الرسمية