رئيس التحرير
عصام كامل

فتنة الحبس الاحتياطي.. كيف تدرج من 3 أشهر إلى مدد مفتوحة.. خبراء يكشفون أزمة المادة 143.. وطرق الخروج من النفق

الحبس الاحتياطي
الحبس الاحتياطي
هل تحول الحبس الاحتياطي في مصر من إجراء احترازي ينص عليه القانون وفق شروط ومدد محددة إلى عقوبة مفتوحة تخالف الدستور والقانون وحقوق الإنسان، بالشكل الذي أغرى عددًا من الجهات الأجنبية والمغرضة إلى المزايدة على مصر، والادعاء بأنها تخالف المواثيق الحقوقية الدولية؟


إشكالية الحبس الاحتياطي

وبعيدًا عن هذه المزايدة الرخيصة والوصاية المرفوضة، فإنه لا ينبغي أيضًا أن ندفن رؤوسنا في الرمال، ونقر ونعترف بأن هناك إشكالية جديرة بطرحها للنقاش الهاديء والموضوعي من جميع الأطراف ذات الصلة والاختصاص، ليس مسايرة لأية أصوات خارجية، مهما كانت دوافعها.





ولكن من منطلق وطني لا يقبل ريبًا أو شكًا، لا سيما أن هناك متهمين ذاقوا ويلات الحبس الاحتياطي، قبل أن تتم تبرئتهم، ويحكم لهم القضاء بتعويضهم.

اللافت أن المجلس القومي لحقوق الإنسان طالب في وقت سابق دون طائل أو مردود بإيجاد حلول لمشكلة تجديد الحبس الاحتياطي لمدد طويلة دون الإحالة للمحاكمة الجنائية، منوهًا خلال اجتماعه برئاسة محمد فائق إلى أن عديدا من القضايا تم توجيه اتهامات جديدة لم توجه للمتهمين فور القبض عليهم، ويعاد حبسهم احتياطيا بعد انتهاء المدة القانونية التي تستوجب الإفراج عنهم بقوة القانون.

وطالب المجلس بضرورة العمل على الإفراج عمن انتهت مدة الحبس الاحتياطي بقوة القانون حتى لا يتحول الحبس الاحتياطي لعقوبة بدون حكم قضائي، وهو ما لم يحدث، رغم مرور فترات طويلة على هذا الاجتماع.. التفاصيل في سطور هذا الملف..

الملف الشائك

ملف شائك يطرح بين الحين والآخر على طاولة الحكومات المتعاقبة، اضطرابات أمنية وسياسية شهدتها الدولة المصرية في لحظة استثنائية من عمرها، كان الحبس الاحتياطي أحد أبرز الإجراءات القانونية، لضبط المشهد الأمني والسياسي، حسبما أرتأى صناع القرار حينها.

تغيرات عدة طرأت على المادة الخاصة بمدة الحبس الاحتياطي، في قانون الإجراءات الجنائية، ففي عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، أصبح الحد الأقصى للحبس عامين في حالة المؤبد أو الإعدام.

المادة 143

ومع زوال حكم الإخوان وحالة الارتباك المؤقت التي شهدتها الدولة المصرية، وطول مدد المحاكمات لرجال مبارك، أصدر المستشار عدلي منصور، رئيس الجمهورية المؤقت آنذاك، قرارا ينص على: استبدال نص الفقرة الأخيرة من المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية بالنص الآتى": ومع ذلك فلمحكمة النقض ولمحكمة الإحالة إذا كان الحكم صادرا بالإعدام أو بالسجن المؤبد أن تأمر بحبس المتهم احتياطيا لمدة 45 يوما قابلة للتجديد دون التقيد بالمدد المنصوص عليها".

في هذا الإطار قال المستشار محمد نور الدين على، الفقيه القانوني، إن الحبس الاحتياطي هو أحد إجراءات الدعوى الجنائية، والتي تبدأ بالنيابة العامة، فيصدر الأمر بالحبس من خلالها، وذلك لمدة أقصاها أربعة أيام تالية للقبض على المتهم أو تسليمه للنيابة العامة إذا كان مقبوضًا عليه من قبل، لافتا إلى أنها أحد الإجراءات السالبة للحرية، فهي تمنع المتهم من الحق في التنقل، التي لا يجب أن يقيد إلا في الضرورة القصوى.

وأشار «نور الدين» إلى أن تاريخ الحبس الاحتياطي تغير في مصر، فكان غير محدد المدة، ثم في 2007 ومع اتجاه الدولة للاهتمام بالحريات العامة، واحترام التزاماتها الدولية، حدد المدد القانونية للحبس الاحتياطي، بحيث أصبح 3 أشهر للجنح كحد أقصى، و6 أشهر للجناية، وعامين للمؤبد والإعدام كحد أقصى.

وأوضح أنه في ظل الظروف التي شهدتها البلاد عقب زوال حكم الإخوان وطول فترة محاكمات رجال مبارك، أصدر المستشار عدلي منصور، رئيس الجمهورية للمرحلة الانتقالية آنذاك، قرارا جمهوريا، بإلغاء مدد الحبس الاحتياطي، مؤكدًا أنه في ظل الظروف الاسثتنائية لا مانع أن تتخد الدولة عددا من الإجراءات الاستثنائية أيضا، مادام الأمر يتعلق بالحفاظ على الدولة ووجودها.

وحينها تتنحى الحقوق الحريات قليلا لفترة مؤقتة، فإذا ضاعت الدولة متى وأين سيحصل المواطن على الحقوق، ولكن الآن وبعد أن انتهت الدولة من تثبيت دعائمها، وأصبح الجميع حريصا على توطيد علاقاته بمصر، وبدخولنا لمرحلة الدولة الدستورية يجب إعادة النظر في مدد الحبس الاحتياطي من جديد.

الشروط

وأكد الفقيه القانوني، أن المشرع حدد مجموعة من الضمانات للحبس الاحتياطي، وفقًا للمادة 134 من قانون الإجراءات الجنائية، والتي تنص على:" يجوز لقاضي التحقيق، بعد استجواب المتهم أو في حالة هربه، إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة معاقبا عليها بالحبس لمدة لا تقل عن سنة، والدلائل عليها كافية، أن يصدر أمرًا بحبس المتهم احتياطيًا وذلك إذا توافرت إحدى الحالات أو الدواعى الآتية: إذا كانت الجريمة في حالة تلبس، ويجب تنفيذ الحكم فيها فور صدوره، أو الخشية من هروب المتهم.

خشية الإضرار بمصلحة التحقيق سواء بالتأثير على المجني عليه أو الشهود، أو بالعبث في الأدلة أو القرائن المادية، أو بإجراء اتفاقات مع باقى الجناة لتغيير الحقيقة أو طمس معالمها، أو الوقاية من الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام الذي قد يترتب على جسامة الجريمة. يجوز حبس المتهم احتياطيًا إذا لم يكن له محل إقامة ثابت معروف في مصر، وكانت الجريمة جناية أو جنحة معاقبًا عليها بالحبس”.

وشدد على أن هناك التزاما دستوريا على السلطة التشريعية، متمثلا في المادة 54 من الدستور والتي تنص على " الحرية الشخصية حق طبيعى، وهى مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأى قيد إلا بأمر قضائى مسبب يستلزمه التحقيق.

وتنص المادة الدستورية أيضًا على" أنه يجب أن يُبلغ فورًا كل من تقيد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابة، ويُمكٌن من الاتصال بذويه وبمحاميه فورا، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته. ولا يبدأ التحقيق معه إلا في حضور محاميه، فإن لم يكن له محام، نُدب له محام، مع توفير المساعدة اللازمة لذوى الإعاقة، وفقًا للإجراءات المقررة في القانون.

التظلمات

ولكل من تقيد حريته، ولغيره، حق التظلم أمام القضاء من ذلك الإجراء، والفصل فيه خلال أسبوع من ذلك الإجراء، وإلا وجب الإفراج عنه فورًا. وينظم القانون أحكام الحبس الاحتياطي، ومدته، وأسبابه، وحالات استحقاق التعويض الذي تلتزم الدولة بأدائه عن الحبس الاحتياطي، أو عن تنفيذ عقوبة صدر حكم بات بإلغاء الحكم المنفذة بموجبه. وفى جميع الأحوال لايجوز محاكمة المتهم في الجرائم التي يجوز الحبس فيها إلا بحضور محام موكل أو مٌنتدب".

وقال إن هناك عدة بدائل للحبس الاحتياطي يسهل تطبيقها في ظل التحول الرقمي التي تشهده مؤسسات الدولة، من بينها:" إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه، وإلزامه بأن يقدم نفسه لمقر الشرطة في أوقات محددة، حظر المتهم من أماكن محددة، فإذا خالف المتهم الالتزامات التي يفرضها التدبير، جاز حبسه احتياطيا، وغيرها الكثير من التدابير".

نقلًا عن العدد الورقي...،
الجريدة الرسمية