حكايات الست ماري (2)
في بيت الست ماري جارتي الكثير من الروبابيكيا والكراكيب، وقد نصحتها أكثر من مرة أن تتخلص منها، لتخلي
المساحة التي تشغلها في تلك الشقة الضيقة، حتى يمكن للعجوز أن تحيا وتتحرك على راحتها..
في كل مرة كنت أخبرها برأيي، المصحوب بنصيحتي الخالصة لوجه المحبة والجيرة، كانت تكتفي بابتسامة طيبة، ثم تقوم من على أريكتها، فتدخل المطبخ تجلب منه عدة القهوة، لتصنع لي فنجانا على السبرتاية..
هذه المرة حين كررت عليها نصيحتي، انسابت من عينيها دمعات لامعة، وراحت تقص علي حكايات عن تلك الزجاجة الفارغة والتي سقط منها ابنها كارلوس للمرة الأولى، وقالت إن أنفاسه مازالت داخلها، وكلما اشتاقت له منذ هاجر إلى استراليا، استنشقت ما بداخل الزجاجة لتملأ رئتيها بأنفاس ولدها الغائب..
وحكاية أخرى عن علبة كواليتي ستريت المعدنية، التي خضبها الزمن بسمرة ملحوظة، فقالت إن هذه العلبة التي قد تبدو فارغة هي في الحقيقة ممتلئة بأثر يد زوجها الراحل أريستارخوس، الذي كان يصالحها بقطعة شوكولاتة منها كلما ادعت بدلال أنه قد أغضبها. أما الدمية المحطمة تلك، فهي كل ما تبقى من مجموعة عرائس روسية أهداها لها جدها في آخر عيد ميلاد لها، قبل وفاته..
وإلى جانب الصناديق الكثيرة الفارغة، توجد قطعة من المعدن، غير واضحة المعالم، حتى الست ماري نفسها لا تتذكر ما هي ولا كيف كانت، لكنها تحتفظ بها لأنها تفرح كلما رأتها دون أن تعرف السبب..
ذكريات
أخذت تلك القطعة المعدنية ورحت أتفحصها بنظري الضعيف، والذي هو على كل حال أفضل من نظر ماري المتآكل، فلم أتبين سوى بعض الحروف اليونانية، وبالطبع لم أكن أعرف أنها يونانية لولا أنني رسمتها على ورقة فقرأتها ماريا بصعوبة وأكملت الحروف الناقصة منها، ونطقتها باتيراس (Πατέρας) ثم احتضنتها كطفلة، بملامح تمزج ما بين الفرح والحزن والحنين..
سألتها عن سر الكلمة، فأخبرتني أنها تعني (الأب) وهذه القطعة جزء من لوحة معدنية نقش عليها والدها قصيدة يونانية قديمة عن الحب والحياة، فأكلها الزمن ولم يتبق منها سوى هذه الكلمة، إذ اعتاد أن يستخدما الرجل كإمضاء على كل هدية يعطيها لابنته الصغيرة، التي باتت اليوم على مشارف السبعين من عمرها..
أخذت اتأمل ملامح الست ماري وهي تكمل قصصها، وتحتضن بحب كل قطعة من تلك الأشياء التي ظننتها مجرد روبابيكيا، بينما هي في الحقيقة حكايات مفعمة بالحياة، تشكل السيرة الذاتية لامرأة قد تبدو وحيدة، لكنها تعيش في صحبة من الذكريات التي أصبحت أجسادا بديلة تعيش داخلها أرواح من أحبتهم وأحبوها.
في كل مرة كنت أخبرها برأيي، المصحوب بنصيحتي الخالصة لوجه المحبة والجيرة، كانت تكتفي بابتسامة طيبة، ثم تقوم من على أريكتها، فتدخل المطبخ تجلب منه عدة القهوة، لتصنع لي فنجانا على السبرتاية..
هذه المرة حين كررت عليها نصيحتي، انسابت من عينيها دمعات لامعة، وراحت تقص علي حكايات عن تلك الزجاجة الفارغة والتي سقط منها ابنها كارلوس للمرة الأولى، وقالت إن أنفاسه مازالت داخلها، وكلما اشتاقت له منذ هاجر إلى استراليا، استنشقت ما بداخل الزجاجة لتملأ رئتيها بأنفاس ولدها الغائب..
وحكاية أخرى عن علبة كواليتي ستريت المعدنية، التي خضبها الزمن بسمرة ملحوظة، فقالت إن هذه العلبة التي قد تبدو فارغة هي في الحقيقة ممتلئة بأثر يد زوجها الراحل أريستارخوس، الذي كان يصالحها بقطعة شوكولاتة منها كلما ادعت بدلال أنه قد أغضبها. أما الدمية المحطمة تلك، فهي كل ما تبقى من مجموعة عرائس روسية أهداها لها جدها في آخر عيد ميلاد لها، قبل وفاته..
وإلى جانب الصناديق الكثيرة الفارغة، توجد قطعة من المعدن، غير واضحة المعالم، حتى الست ماري نفسها لا تتذكر ما هي ولا كيف كانت، لكنها تحتفظ بها لأنها تفرح كلما رأتها دون أن تعرف السبب..
ذكريات
أخذت تلك القطعة المعدنية ورحت أتفحصها بنظري الضعيف، والذي هو على كل حال أفضل من نظر ماري المتآكل، فلم أتبين سوى بعض الحروف اليونانية، وبالطبع لم أكن أعرف أنها يونانية لولا أنني رسمتها على ورقة فقرأتها ماريا بصعوبة وأكملت الحروف الناقصة منها، ونطقتها باتيراس (Πατέρας) ثم احتضنتها كطفلة، بملامح تمزج ما بين الفرح والحزن والحنين..
سألتها عن سر الكلمة، فأخبرتني أنها تعني (الأب) وهذه القطعة جزء من لوحة معدنية نقش عليها والدها قصيدة يونانية قديمة عن الحب والحياة، فأكلها الزمن ولم يتبق منها سوى هذه الكلمة، إذ اعتاد أن يستخدما الرجل كإمضاء على كل هدية يعطيها لابنته الصغيرة، التي باتت اليوم على مشارف السبعين من عمرها..
أخذت اتأمل ملامح الست ماري وهي تكمل قصصها، وتحتضن بحب كل قطعة من تلك الأشياء التي ظننتها مجرد روبابيكيا، بينما هي في الحقيقة حكايات مفعمة بالحياة، تشكل السيرة الذاتية لامرأة قد تبدو وحيدة، لكنها تعيش في صحبة من الذكريات التي أصبحت أجسادا بديلة تعيش داخلها أرواح من أحبتهم وأحبوها.