رئيس التحرير
عصام كامل

إذا جاءوا سوف نقتلهم.. حرب «الأرض الخصبة» بين السودان وإثيوبيا

 حشود إثيوبية فى
حشود إثيوبية فى منطقة الفشقة
منذ العام 1992 شرعت ما كانت تسمى وقتها بـ"عصابات الشفتة"، غزو الأراضى السودانية مثل أسراب الجراد، بهدف السيطرة على أراضي الفشقة السودانية.

بدأت اعتداءات العصابة الإثيوبية المنظمة فى التوغل من خلال عناصرها داخل المساحات الزراعية السودانية، وبدأت بالسيطرة على مساحة 840 ألف فدان خلال الفترة من 1992 وحتى عام 2014 بواسطة 1659 مزارعا إثيوبيا.



2 مليون فدان 
استمر بعدها غزو عصابات الشفتة بحسب تحقيق استقصائى لصحيفة "السودانى"، فى غزو الأراضي السودانية حتى تمكنت من السيطرة على نحو 2 مليون فدان من الأراضي الزراعية الخصبة بمنطقة الفشقة.


وقال مزارع شاهد على الأحداث يدعى معاوية عثمان الزين، إنه في موسم حصاد 1995 داهمت "عصابات الشفتة" المعروفة حاليا بـ"المليشيات الإثيوبية" مشاريعهم الزراعية هو وأسرته، والتي تبلغ مساحتها 5 آلاف فدان وعاثت فيها شتى أنواع الفساد من نهب وحرق للآلات الزراعية، وترويع أصحاب الأرض، واستولت عليها تزامناً مع حصادها.

قصة الشفتة
وكلمة الشفتة هي مصطلح إثيوبي يطلق على المتمرد أو الخارج عن القانون الذي رفض الانصياع لأمر ما أو قانون ما، وهؤلاء يعيشون في مجموعات في مناطق يصعب وصول القوات النظامية إليها، كالغابات والأحراش التي تكون بعيدة عن المدن الرئيسية خاصة المناطق الحدودية التي تكون نقطة خلاف بين المدن والأقاليم الإثيوبية المختلفة.


ويعود ظهور الشفتة إلى عهد الأباطرة والأنظمة الإقطاعية في إثيوبيا، لكنها اشتهرت بالتواجد على الشريط الحدودي بين السودان وأثيوبيا في إقليمي أمهرا وتجراي على الجانب الإثيوبي وولاية القضارف السودانية التي تحاذي الإقليمين الإثيوبيين.


وغالبية أفراد تلك العصابات ممن تعرضوا لظلم مسؤولين كبار وبعضهم ملاحق بأحكام قضائية ما يدفعهم للفرار إلى مناطق نائية، وللشفتة قائد أول وفرسان وهم يتحركون في مجموعات كل حسب المنطقة التي يتواجد بها.


ومن بين أعضاء الشفتة شخصيات لعبت أدوارا تاريخية في إثيوبيا أمثال القائد "رأس الولا أبا نقا،" و"الإمبراطور تيدروس الثاني"، وغيرهم من كبار الشخصيات الأثيوبية التي تمردت علي حكومات الأباطرة الإثيوبين، وحققوا نصرا عليهم فضلا عن قادة عسكرين وأباطرة حكموا إثيوبيا لسنوات وسجلت أسمائهم في تاريخ البلاد.

ذراع طولى 
وعلى ما يبدو أن خصم الأمس بات ذراع طولى لتنفيذ العمليات القذرة، بهدف التخلص من وجودهم المزعج داخليا، وهذا ما أكده، رئيس مفوضية القومية للحدود بالسودان "معاذ تنقو" فى تصريحات له خلال يناير الماضى بقوله: أن الوجود الأثيوبى فى منطقة الفشقة، فى شرق السودان، كان بعصابات "الشفتة" أولا، ثم تطور إلى ميليشا، والآن دخل الجيش الإثيوبى نفسه فى هذه المنطقة، مشددا على أنه فى مختلف المفاوضات والمناقشات مع الجانب الإثيوبي، لم يتم أبدا بحث أى نزاع حدودى بين البلدين، فأرض الفشقة "سودانية مائة فى المائة".

وأضاف أنه حتى عام 1974 كان الاثيوبيون موجودين فى الفشق الكبرى فقط، ولم يكن لهم وجود فى الفشقة الصغرى، وبعد ذلك تم احتلال غالبية الحيازات الزراعية السودانية، بواسطة الإثيوبيين، حتى دخل الآن الجيش السودانى إلى هذه المناطق وعاد إلى معسكراته القديمة، والتى أنشأها السودان، فى عهد الديمقراطية الثانية، إبان حكم رئيس الوزراء الراحل الإمام الصادق المهدي.

وأضاف أنه بعد اعادة انتشار الجيش السودانى فى مناطق أخرى فى عام 1995، بدأ الإثيوبيون فى الدخول إلى المنطقة من خلال "الشفتة"، ثم الميليشيا، ثم الآن دخل الجيش الاثيوبى نفسه فى هذه المنطقة، مشددا على أنه أثناء عمل اللجان الميدانى فى عام 2010، لم يكن للجيش الإثيوبي أى وجود فى تلك المنطقة.

مؤامرة البشير
وعلى مدار العقود الماضية تعمد الرئيس السوداني المعزول، عمر البشير، غض الطرف عن توغل الإثيوبيين في الفشقة، بسبب وجود صراعات أخرى أشعلها فى جنوب السودان ودارفور، كما أنه لم يكن يريد أي توتر مع أديس أبابا التي وفرت له الدعم داخل الاتحاد الأفريقي.

وعقب ثورة شعبية إطاحة بنظام البشير بدأت السلطات الانتقالية في السودان، محادثات دبلوماسية مع إثيوبيا في محاولة لإجبار المزارعين الإثيوبيين على الانسحاب من الفشقة، ونارت أديس أبابا كعادتها، ورفض المزارعون الإثيوبيون من أقلية الأمهرة الداعمة للرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الانسحاب، وهاجموا القوات السودانية مما أدى إلى استشهاد العشرات من رجال الجيش السودانى.

سد النهضة 
وتطور الأمر لاحقا مع أزمة سد النهضة، وكشفت إثيوبيا الوجه القبيح فى صراع الحدود، وبدأت فى الدفع بتعزيزات عسكرية لهذه العصابات كما جلبت مقاتلين من إريتريا يرتدون الزي الرسمي للجيش الإثيوبي وتم الدفع بهم إلى مستوطنة بريخت.

حرب شاملة

ويوم أمس نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، مخاوف مسؤولون عسكريون ومراقبون من السودان وإثيوبيا عن قلقهم من إمكانية تطور النزاع الحالي بين البلدين حول منطقة الفشقة الحدودية، إلى حرب إقليمية شاملة.

وقال المحلل السياسي "نزار مانيك" للصحيفة، إن الأمهرة يضغطون مقابل توفير دعم لرئيس الوزاء أبي أحمد في تيغراي،  عبر رئيس المخابرات في حكومة أبي أحمد ووزير الخارجية، لعدم تقديم تنازلات والانتقام من القوات السودانية في الفشقة.

وقالت الصحيفة الأمريكية، إنه مع بدء العد التنازلي للملء الثاني لسد النهضة، وحشد قوات أثيوبية في الفشقة،، فإن فرص تطور التوتر إلى حرب مفتوحة يظل قائما.

كما أكد اللواء إبراهيم جابر، عضو مجلس السيادة السوداني، لـ"واشنطن بوست "، أن كل الخيارات على الطاولة لاستعادة أراضي الفشقة بالكامل، وأضاف مشددا: "إذا جاءوا إلى الفشقة سوف نقتلهم".
الجريدة الرسمية