رحلة في عقل "إخواني" (2)
يمثل حسن البنا بالنسبة
للإخوان رمزًا عظيمًا، فهو المؤسّس والمنظّر، والمُلهَم كما وصفه عمر التلمساني، والمُلهِم
أيضًا في نظرهم، ومنذ اليوم الأول لتأسيس جماعة الإخوان والبنا يغرس في قلوب أتباعه بشكل
دائم وفي كل مناسبة ما يُولّد لديهم شعورًا بالتميز والاختلاف عن الآخر، أي آخر! وهذا
ملاحظ بشدة لمن يطالع تراث البنا، ولا أدري هل كان يراهم هكذا حقًا؟ أم كان يقصد شحذ
همتهم، ورفع معنوياتهم، وإلهاب حماستهم؟
لكن المهم في الأمر هو أنه وصل إلى حد غير مقبول من التوصيف المبالغ فيه، والذي يصل بالمرء إلى حد من الغرور فيه مفسدة له ولمن حوله، بل وفي بعض الأحيان كان البنا يصف جماعة الإخوان بصفات لا تجوز من الأساس، والأهم أيضًا هو أن ذلك قد ترك أثرًا في نفوس الإخوان وفي عقلهم اللاواعي أزعم أنه أصبح جزءً من الشخصية الإخوانية بصورة شكلت حالة مرضية تحتاج إلى علاج، وهذا نتج عن أن الإخوان لم يتلقوا هذا التوصيف وهذه الكلمات على أنها تحفيز أو تشجيع ولم يروا فيها شيئًا من المبالغة، ولكنهم صدقوها وآمنوا بها واعتبروها من المُسَلّمات التي لا تقبل الشك وكأنها نصوص دينية مقدسة، ويعتقدون أن على الجميع أن يدركوا ذلك وأن يتعاملوا مع الجماعة على أساسه!
فبماذا وصف حسن البنا جماعته؟ سوف نستعرض هنا بعض نماذج من هذه السمات.
المنقذ للبشرية:
يرى البنا أن الإخوان إنما جاءوا لإنقاذ البشرية مما هي فيه من تأخر وانحطاط وعجز، وأنهم هم الذين بأيديهم الحل لذلك، فيقول "إن العالم حائرٌ يضطرب، وكل ما فيه من النظم قد عجز عن علاجه ولا دواء إلا الإسلام، فتقدموا باسم الله لإنقاذه"، كما يدعوا الناس جميعا إلى سرعة الانضمام لركب الإخوان حتى لا يصبحوا من الخاسرين "أيها الشباب أيها الهائم يبغي الحياة .. أيها التائق لنصر دين الله .. هنا الهداية والرشاد .. فلتُسارع إذن إلى الكتيبة الخرساء وتعمل تحت راية سيد الأنبياء وليضمك معسكر الإخوان المسلمين".
طريق واحد لا غير:
يجزم البنا بأن منهج الإخوان ورؤيتهم ومشروعهم ليس فقط صحيحًا أو صالحًا بل هو الطريق الوحيد الذي لا طريق غيره، وأن على من يريد الإصلاح والتغيير أن يتبع الإخوان ويسير في ركابهم "فمن تبعنا الآن فقد فاز بالسبق.. ومن رغب عن دعوتنا زهادةً أو سخريةً بها أو استصغارًا لها أو يأسًا من انتصارها، فستثبت الأيام له عظيم خطئه، وسيقذف الله بحقنا على باطله فيدمغه فإذا هو زاهق".
أصحاب رسول الله:
من صور الوصف المبالغ فيه بشدة الذي وصف به البنا جماعته هو تشبيههم بأنهم صحابة رسول الله، رغم أن مفهوم الصحابي معروف بأنه من شهد النبي صلى الله عليه، فهو مفهوم لا يجوز ادعاؤه، فقد قال "نحن أيها الناس - ولا فخر - أصحاب رسول الله، وحملة رايته من بعده ..".
إفهم القرآن تفهم الإخوان:
كيف يفهم الناس دعوة الإخوان؟ يقول البنا أن الأمر بسيط للغاية "فإن شاء القارئ أن يفهم دعوة الإخوان بشيء أوسع من كلمة الإسلامية، فليمسك بمصحفه وليجرد نفسه من الهوى والغاية، ثم يتفهم ما عليه القرآن فيرى في ذلك دعوة الإخوان"، هذا إدّعاء بأن منهج الإخوان وأفكارهم يعكس الفهم الصحيح للقرأن، وهو إدعاء يخالف طبيعة النص الديني الذي يحتمل تفسيرات عدة.
الإخوان لا مثيل لهم:
يرى البنا أن جماعته هي الأفضل بين الجماعات والتيارات الموجودة، فيقول "أحب أن تتبينوا جيدًا من أنتم في هذا العصر ...أنكم الغرباء الذين يصلحون عند فساد الناس، وأنكم العقل الجديد الذي يريد الله أن يفرق به للإنسانية بين الحق والباطل.. وأنكم دعاة الإسلام، وحملة القرآن، وصلة الأرض بالسماء، ورثة محمد صلى الله عليه وسلم، وخلفاء صحابته من بعده، وبهذا فضلت دعوتكم الدعوات، وسمت غايتكم على الغايات".
إيمانهم مختلف:
كما يرى أن الإخوان يملكون إيمانًا مختلفًا عمن سواهم، فهو إيمان حقيقي يتبعه عمل، وليس كإيمان الآخرين المزيف، فيقول "والفرق بيننا وبين قومنا بعد اتفاقنا في الإيمان بهذا المبدأ أنه عندهم إيمان مخدر نائم في نفوسهم لا يريدون أن ينزلوا على حكمه ولا أن يعملوا بمقتضاه، على حين أنه إيمان ملتهب مشتعل قوي يقظ في نفوس الإخوان المسلمين".
إنهم موعودون بالنصر:
من الطبيعي لدعوة ولجماعة هذه صفاتها أن يكون النصر حليفها دائمًا، هكذا يفكر الإخوان وهكذا يعتقدون، فهم دائمًا ما يرددون في كل وقت أن النصر هو النتيجة الحتمية التي ينتظرونها، ويستشهدون في أدبياتهم وأحاديثهم ببعض المواقف التي كان يبشّر فيها النبي أصحابه بنصر الإسلام، كمثل الموقف الذي قال فيه لأحد الصحابة أنه سوف يأتِ يوم يسير فيه الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، وكما وعد سراقة بسواري كسرى، ونسوا أن ما كان يقوله النبي وما ينطق عنه إن هو إلا وحي يوحى، فهل ينزل على الإخوان وحي!؟ وقد أكد لهم البنا هذا سابقًا فقال "إذكروا هذا جيدًا... لتعلموا أن الله قد كتب لدعوتكم من الإيمان والإخلاص والفهم والوحدة والتأييد والتضحية ما لم يكتبه لكثير من الدعوات".
جديرون بالاستعلاء:
نتيجة لكل هذا يرى الإخوان أنفسهم كما يقولون دومًا أنهم "أشرف من أنجبت مصر" و "أفضل من أنجبت مصر" وأنهم هم الجماعة الربانية، كيف لا؟ وهم من تتوافر فيهم كل هذه الصفات، وهم بذلك قد نفذوا رؤية البنا حين قال لهم "هذه منزلتكم فلا تصغروا في أنفسكم، فتقيسوا أنفسكم بغيركم، أو تسلكوا في دعوتكم غير سبيل المؤمنين، أو توازنوا بين دعوتكم التي تتخذ نورها من نور الله ومنهاجها من سنة رسوله بغيرها من الدعوات".
هل أدركت الآن لماذا يتعامل الإخوان مع الآخرين بغرور وتعالٍ، ولماذا يرفضهم وينفر منهم كثير من الناس، ولماذا يرى الإخوان حتى اللحظة أنهم لم يخسروا الحكم، بل الحكم هو الذي خسرهم، وخسر معه الشعب الذي لم يُقدّر تلك النعمة والمنحة التي هبطت عليه من السماء عندما تولى الإخوان المسلمين حكم مصر!
لكن المهم في الأمر هو أنه وصل إلى حد غير مقبول من التوصيف المبالغ فيه، والذي يصل بالمرء إلى حد من الغرور فيه مفسدة له ولمن حوله، بل وفي بعض الأحيان كان البنا يصف جماعة الإخوان بصفات لا تجوز من الأساس، والأهم أيضًا هو أن ذلك قد ترك أثرًا في نفوس الإخوان وفي عقلهم اللاواعي أزعم أنه أصبح جزءً من الشخصية الإخوانية بصورة شكلت حالة مرضية تحتاج إلى علاج، وهذا نتج عن أن الإخوان لم يتلقوا هذا التوصيف وهذه الكلمات على أنها تحفيز أو تشجيع ولم يروا فيها شيئًا من المبالغة، ولكنهم صدقوها وآمنوا بها واعتبروها من المُسَلّمات التي لا تقبل الشك وكأنها نصوص دينية مقدسة، ويعتقدون أن على الجميع أن يدركوا ذلك وأن يتعاملوا مع الجماعة على أساسه!
فبماذا وصف حسن البنا جماعته؟ سوف نستعرض هنا بعض نماذج من هذه السمات.
المنقذ للبشرية:
يرى البنا أن الإخوان إنما جاءوا لإنقاذ البشرية مما هي فيه من تأخر وانحطاط وعجز، وأنهم هم الذين بأيديهم الحل لذلك، فيقول "إن العالم حائرٌ يضطرب، وكل ما فيه من النظم قد عجز عن علاجه ولا دواء إلا الإسلام، فتقدموا باسم الله لإنقاذه"، كما يدعوا الناس جميعا إلى سرعة الانضمام لركب الإخوان حتى لا يصبحوا من الخاسرين "أيها الشباب أيها الهائم يبغي الحياة .. أيها التائق لنصر دين الله .. هنا الهداية والرشاد .. فلتُسارع إذن إلى الكتيبة الخرساء وتعمل تحت راية سيد الأنبياء وليضمك معسكر الإخوان المسلمين".
طريق واحد لا غير:
يجزم البنا بأن منهج الإخوان ورؤيتهم ومشروعهم ليس فقط صحيحًا أو صالحًا بل هو الطريق الوحيد الذي لا طريق غيره، وأن على من يريد الإصلاح والتغيير أن يتبع الإخوان ويسير في ركابهم "فمن تبعنا الآن فقد فاز بالسبق.. ومن رغب عن دعوتنا زهادةً أو سخريةً بها أو استصغارًا لها أو يأسًا من انتصارها، فستثبت الأيام له عظيم خطئه، وسيقذف الله بحقنا على باطله فيدمغه فإذا هو زاهق".
أصحاب رسول الله:
من صور الوصف المبالغ فيه بشدة الذي وصف به البنا جماعته هو تشبيههم بأنهم صحابة رسول الله، رغم أن مفهوم الصحابي معروف بأنه من شهد النبي صلى الله عليه، فهو مفهوم لا يجوز ادعاؤه، فقد قال "نحن أيها الناس - ولا فخر - أصحاب رسول الله، وحملة رايته من بعده ..".
إفهم القرآن تفهم الإخوان:
كيف يفهم الناس دعوة الإخوان؟ يقول البنا أن الأمر بسيط للغاية "فإن شاء القارئ أن يفهم دعوة الإخوان بشيء أوسع من كلمة الإسلامية، فليمسك بمصحفه وليجرد نفسه من الهوى والغاية، ثم يتفهم ما عليه القرآن فيرى في ذلك دعوة الإخوان"، هذا إدّعاء بأن منهج الإخوان وأفكارهم يعكس الفهم الصحيح للقرأن، وهو إدعاء يخالف طبيعة النص الديني الذي يحتمل تفسيرات عدة.
الإخوان لا مثيل لهم:
يرى البنا أن جماعته هي الأفضل بين الجماعات والتيارات الموجودة، فيقول "أحب أن تتبينوا جيدًا من أنتم في هذا العصر ...أنكم الغرباء الذين يصلحون عند فساد الناس، وأنكم العقل الجديد الذي يريد الله أن يفرق به للإنسانية بين الحق والباطل.. وأنكم دعاة الإسلام، وحملة القرآن، وصلة الأرض بالسماء، ورثة محمد صلى الله عليه وسلم، وخلفاء صحابته من بعده، وبهذا فضلت دعوتكم الدعوات، وسمت غايتكم على الغايات".
إيمانهم مختلف:
كما يرى أن الإخوان يملكون إيمانًا مختلفًا عمن سواهم، فهو إيمان حقيقي يتبعه عمل، وليس كإيمان الآخرين المزيف، فيقول "والفرق بيننا وبين قومنا بعد اتفاقنا في الإيمان بهذا المبدأ أنه عندهم إيمان مخدر نائم في نفوسهم لا يريدون أن ينزلوا على حكمه ولا أن يعملوا بمقتضاه، على حين أنه إيمان ملتهب مشتعل قوي يقظ في نفوس الإخوان المسلمين".
إنهم موعودون بالنصر:
من الطبيعي لدعوة ولجماعة هذه صفاتها أن يكون النصر حليفها دائمًا، هكذا يفكر الإخوان وهكذا يعتقدون، فهم دائمًا ما يرددون في كل وقت أن النصر هو النتيجة الحتمية التي ينتظرونها، ويستشهدون في أدبياتهم وأحاديثهم ببعض المواقف التي كان يبشّر فيها النبي أصحابه بنصر الإسلام، كمثل الموقف الذي قال فيه لأحد الصحابة أنه سوف يأتِ يوم يسير فيه الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، وكما وعد سراقة بسواري كسرى، ونسوا أن ما كان يقوله النبي وما ينطق عنه إن هو إلا وحي يوحى، فهل ينزل على الإخوان وحي!؟ وقد أكد لهم البنا هذا سابقًا فقال "إذكروا هذا جيدًا... لتعلموا أن الله قد كتب لدعوتكم من الإيمان والإخلاص والفهم والوحدة والتأييد والتضحية ما لم يكتبه لكثير من الدعوات".
جديرون بالاستعلاء:
نتيجة لكل هذا يرى الإخوان أنفسهم كما يقولون دومًا أنهم "أشرف من أنجبت مصر" و "أفضل من أنجبت مصر" وأنهم هم الجماعة الربانية، كيف لا؟ وهم من تتوافر فيهم كل هذه الصفات، وهم بذلك قد نفذوا رؤية البنا حين قال لهم "هذه منزلتكم فلا تصغروا في أنفسكم، فتقيسوا أنفسكم بغيركم، أو تسلكوا في دعوتكم غير سبيل المؤمنين، أو توازنوا بين دعوتكم التي تتخذ نورها من نور الله ومنهاجها من سنة رسوله بغيرها من الدعوات".
هل أدركت الآن لماذا يتعامل الإخوان مع الآخرين بغرور وتعالٍ، ولماذا يرفضهم وينفر منهم كثير من الناس، ولماذا يرى الإخوان حتى اللحظة أنهم لم يخسروا الحكم، بل الحكم هو الذي خسرهم، وخسر معه الشعب الذي لم يُقدّر تلك النعمة والمنحة التي هبطت عليه من السماء عندما تولى الإخوان المسلمين حكم مصر!