التوقعات المادية لقانون الأحوال الشخصية
يبدو أن توقعاتنا
صدقت بشأن توجهات الحكومة نحو صياغة مشروعها لقانون الأحوال الشخصية، وقد ركزت على
الإبقاء على ثغرات به تسمح بدوام صراع مجتمعي، مع احتفاظها بعائد مادي كبير منه. هكذا الأمر فى شأن
جهات استحدثت لها أدوارا فى قانون الشهر العقاري فأفسدته ليعلق الرئيس العمل به ويعيده
للبرلمان، وهكذا ثارت فئات مضارة من قانون الأحوال الشخصية الحالي حينما طالعت نسخة
منه، نشرت واختفت خلال ساعات زوبعة رسوم تسجيل العقارات، وأظن أن قانون الأحوال الشخصية
سيطلب الشعب فيه تدخل الرئيس أيضا لوأد فتن محتملة ناتجة عنه مستقبلا.
وبعيدا عن توقعاتنا بأن القانون خرج من وزارة مختصة بعد حوار مع بعض نسويات بمجالس ومنظمات فى حضور رجال من هذه الوزارة بدورات "تثقيفية"، فإن غاية أي تشريع يقبله الناس هو زوال الأزمة وتحقيق العدالة، وليس تعميق الصراع والاستفادة منه، هكذا يبدو الأمر طبيعيا مع قانون يضبط الحقوق ويصونها ويضمنها لدى كل طرف.
ولأن ذاكرة سمكية يتمتع بها قائمون على أمر كثير من شئوننا، أجدني فى اتجاه لإعادة الحديث عن حاجة المشرع إلى أمرين، أولهما تبني فلسفة تشريعية واضحة والثاني استدعاء مصدر تشريعي موحد لا لبس فيه، "مرجعية".
حلول علمية لقضية أطفال الطلاق
هنا يقول الدستور إن الشريعة ومبادئها المصدر الرئيسي للتشريع، فلا تطغى عليها أفكار مذاهب اجتهد أصحابها لزمانهم، وأقول إن المشرع يستطيع تملك فلسفة واضحة لصياغة القانون لا لبس فيها، تعتمد أمرا ثابتا وهو وأن الزواج مشروع اجتماعي يتحمله طرفاه وحدهما، ودعمهما معا يعني تدارك تداعيات انهياره على الدولة ذاتها وحماية مستقبلها فى صورة الطفل ذاته.
على هذا الأساس يمكن أن ننطلق نحو ثوابت متفق عليها وأهمها أن أية شروط بعقد الزواج المستند إلى هذه المرجعية مثلا، لا مشكلة منها طالما أيدت حقا يتفق عليه طرفا العقد، فلا تتدخل فيه جهة ثالثة، أو أن ثوابت بعينها تحل فيه الدولة بالتشريع مدافعا عن "مستقبلها-الطفل" عبر ممثلها فى العقد، وهو "الموثق"، وفقط.
وعلى ذلك من تطبيقات الكثير، كألا يتشدد المشرع تجاه حق أصيل لأحد طرفي عقد الزواج فى رعاية الطفل بعد الطلاق، فلو تنازل بنفسه عن هذا الحق يكون بموافقته فى عقد الزواج ذاته منذ البداية، رغم أن حق الرعاية هو للطفل ذاته لو أدرك المشرع ذلك وإهماله تترتب عليه عقوبة واجبة.
وهكذا الأمر بشأن المهر والعصمة والنفقة المبدئية وأمور أخرى كعوائد الدخل المشترك للزوجين وأوجه إنفاقها أو امتناع طرف عن مساهمته بها فى احتياجات الحياة، أو استكمال أحدهما مسيرة علمية أو تحديد مستوى التعليم الممنوح للطفل فى حدود سعتهما أو سعة الولي منفردا، وآلية تسيير علاقة الزواج فى بدايتها عند الخطبة وما إلى ذلك.
ولو أننا راجعنا أزمات طرفي الزواج مع القانون عند الشقاق لوجدناها كارثية، وأعظمها أن تدفع امرأة أتعابا لمحامين فى قضايا نفقات صغارها من أبيهم، أو يلجأ أحد الأبوين "غير الحاضن" للقضاء ليسمح له برؤية أطفاله، وليست رعايتهم، وفى الحالة الأولى لا منطقية تستند فكرة تجاوزها على إمكانية أن تحرك النيابة العامة الدعوى بنفسها ضد الولي الممتنع عن الإنفاق، فيما يترك المشرع التقاضي حقا للمرأة فى أمر حقوقها الخاصة وحدها لا حقوق أطفالها.
تشريع عقابي يؤجج الصراع الأسري
وفى الثانية لا يمكن الحديث عن تجاهل حق الأطفال أيضا فى رعاية الأبوين معا طبقا لمفهوم الرعاية المشتركة والمعايشة الذي تلزمنا به آيات القرآن الكريم وتنطق به مواد الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، هنا تعود علاقات المجتمع وحالته النفسية متزنة وتعود قدرة الفرد على الإنتاج، ونتفادى الظنون بعوائد مادية تترقبها حكومات من الصراع العائلي المبني على تشريعات قاصرة فى حماية الحقوق وضبطها.
حينما نطرح حديثا عن تكلفة دخول المصريين محاكم الأسرة سنعرف وقتها لماذا فكرت حكومة فى تطبيق غرامة على المتزوج بأخرى دون إخطار الأولى وحبسه، بينما المتضررة "المحتملة" هنا هى الزوجة الأولى وربما لا تعرف أسبابا لهذا الزواج قد تجعله بلا ضرر على الأسرة ذاتها فى بعض الحالات، لكن حكومة فكرت فى الأمر بفلسفة مماثلة لما توجهت بها إلى صياغة قانون الشهر العقاري، تعتمد تعظيم الاستفادة المادية من أي إجراء ولو كان لا يعنيها.
أكثر القانونيين تشددا عند الحديث عن أزمات القانون الحالي للأحوال الشخصية سيقف عند تساؤل مهم مفاده "لماذا تتدخل الحكومة فى عقود زواج وطلاق الناس"؟ ولو أن إجابة نموذجية خرجت على ألسنة غير الناشطات والناشطين لأجل خراب البيوت لكانت "الصمت".
وبعيدا عن توقعاتنا بأن القانون خرج من وزارة مختصة بعد حوار مع بعض نسويات بمجالس ومنظمات فى حضور رجال من هذه الوزارة بدورات "تثقيفية"، فإن غاية أي تشريع يقبله الناس هو زوال الأزمة وتحقيق العدالة، وليس تعميق الصراع والاستفادة منه، هكذا يبدو الأمر طبيعيا مع قانون يضبط الحقوق ويصونها ويضمنها لدى كل طرف.
ولأن ذاكرة سمكية يتمتع بها قائمون على أمر كثير من شئوننا، أجدني فى اتجاه لإعادة الحديث عن حاجة المشرع إلى أمرين، أولهما تبني فلسفة تشريعية واضحة والثاني استدعاء مصدر تشريعي موحد لا لبس فيه، "مرجعية".
حلول علمية لقضية أطفال الطلاق
هنا يقول الدستور إن الشريعة ومبادئها المصدر الرئيسي للتشريع، فلا تطغى عليها أفكار مذاهب اجتهد أصحابها لزمانهم، وأقول إن المشرع يستطيع تملك فلسفة واضحة لصياغة القانون لا لبس فيها، تعتمد أمرا ثابتا وهو وأن الزواج مشروع اجتماعي يتحمله طرفاه وحدهما، ودعمهما معا يعني تدارك تداعيات انهياره على الدولة ذاتها وحماية مستقبلها فى صورة الطفل ذاته.
على هذا الأساس يمكن أن ننطلق نحو ثوابت متفق عليها وأهمها أن أية شروط بعقد الزواج المستند إلى هذه المرجعية مثلا، لا مشكلة منها طالما أيدت حقا يتفق عليه طرفا العقد، فلا تتدخل فيه جهة ثالثة، أو أن ثوابت بعينها تحل فيه الدولة بالتشريع مدافعا عن "مستقبلها-الطفل" عبر ممثلها فى العقد، وهو "الموثق"، وفقط.
وعلى ذلك من تطبيقات الكثير، كألا يتشدد المشرع تجاه حق أصيل لأحد طرفي عقد الزواج فى رعاية الطفل بعد الطلاق، فلو تنازل بنفسه عن هذا الحق يكون بموافقته فى عقد الزواج ذاته منذ البداية، رغم أن حق الرعاية هو للطفل ذاته لو أدرك المشرع ذلك وإهماله تترتب عليه عقوبة واجبة.
وهكذا الأمر بشأن المهر والعصمة والنفقة المبدئية وأمور أخرى كعوائد الدخل المشترك للزوجين وأوجه إنفاقها أو امتناع طرف عن مساهمته بها فى احتياجات الحياة، أو استكمال أحدهما مسيرة علمية أو تحديد مستوى التعليم الممنوح للطفل فى حدود سعتهما أو سعة الولي منفردا، وآلية تسيير علاقة الزواج فى بدايتها عند الخطبة وما إلى ذلك.
ولو أننا راجعنا أزمات طرفي الزواج مع القانون عند الشقاق لوجدناها كارثية، وأعظمها أن تدفع امرأة أتعابا لمحامين فى قضايا نفقات صغارها من أبيهم، أو يلجأ أحد الأبوين "غير الحاضن" للقضاء ليسمح له برؤية أطفاله، وليست رعايتهم، وفى الحالة الأولى لا منطقية تستند فكرة تجاوزها على إمكانية أن تحرك النيابة العامة الدعوى بنفسها ضد الولي الممتنع عن الإنفاق، فيما يترك المشرع التقاضي حقا للمرأة فى أمر حقوقها الخاصة وحدها لا حقوق أطفالها.
تشريع عقابي يؤجج الصراع الأسري
وفى الثانية لا يمكن الحديث عن تجاهل حق الأطفال أيضا فى رعاية الأبوين معا طبقا لمفهوم الرعاية المشتركة والمعايشة الذي تلزمنا به آيات القرآن الكريم وتنطق به مواد الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، هنا تعود علاقات المجتمع وحالته النفسية متزنة وتعود قدرة الفرد على الإنتاج، ونتفادى الظنون بعوائد مادية تترقبها حكومات من الصراع العائلي المبني على تشريعات قاصرة فى حماية الحقوق وضبطها.
حينما نطرح حديثا عن تكلفة دخول المصريين محاكم الأسرة سنعرف وقتها لماذا فكرت حكومة فى تطبيق غرامة على المتزوج بأخرى دون إخطار الأولى وحبسه، بينما المتضررة "المحتملة" هنا هى الزوجة الأولى وربما لا تعرف أسبابا لهذا الزواج قد تجعله بلا ضرر على الأسرة ذاتها فى بعض الحالات، لكن حكومة فكرت فى الأمر بفلسفة مماثلة لما توجهت بها إلى صياغة قانون الشهر العقاري، تعتمد تعظيم الاستفادة المادية من أي إجراء ولو كان لا يعنيها.
أكثر القانونيين تشددا عند الحديث عن أزمات القانون الحالي للأحوال الشخصية سيقف عند تساؤل مهم مفاده "لماذا تتدخل الحكومة فى عقود زواج وطلاق الناس"؟ ولو أن إجابة نموذجية خرجت على ألسنة غير الناشطات والناشطين لأجل خراب البيوت لكانت "الصمت".