قبل حبل المشنقة!
سفاح الجيزة ليس الأول ولن يكون الأخير.. السلسلة بدأت
بسيدتين، قادتا عصابة للقتل.. هما "ريا وسكينة" استهلتا مسلسل
السفاحين منذ بداية القرن العشرين تلاهما العديد من سفاكي الدماء، بطرق مختلفة..
لكن تجمع بينهم سمة واحدة، وهي عشق الدم، وإدمان الجريمة.. لا يجدون راحتهم إلا في
رؤية الضحايا ينزفون، ويلفظون أنفاسهم الأخيرة!
التاريخ يكرر نفسه، والكارثة لا تنتهي بإحالة أوراق القتلة إلى فضيلة المفتي، إذا تمكنت الشرطة من القبض عليهم وتلك حالات نادرة، أو نجح رجال الأمن في قتل هؤلاء الجناة، فيبدو أن هناك أسبابًا مجهولة تنتهي بتحول شخص ما إلى مجرم عتيد. ربما يكون الإنسان الذي يتحول إلى سفاح، أو بلغة أهل الصعيد، "خط".. يحمل في جيناته بذور الشر والعنف، كيف نفهم المسألة وكيف نضمن عدم تكرار المأساة، تلك هي القضية.
في عشرينيات القرن الماضي، شغلت قضية ريا وسكينة المجتمع، وصارتا من أشهر الشخصيات في التاريخ المصري، رغم تضارب الآراء حولهما.. فهناك من اعتبرهما سفاحتين كانتا تستدرجان النساء لقتلهن وسرقة ذهبهن، وهناك من عدّهما بطلتين قتلتا عددا كبيرا من الجنود الإنجليز.
مدرسة الإذاعة
بدأت القصة عام 1920 في حيّ اللبان وهو أحد أفقر الأحياء في الإسكندرية، حيث قامت ريا وسكينة علي همام بمساعدة زوجيهما وآخرين، باختطاف وقتل 17 امرأة ودفنهن في منزلهما. حضرت ريا وسكينة من الصعيد إلى الإسكندرية وعملتا فيها لثلاث سنوات، حيث تزوّجت ريا من شخص يُدعى حسب الله سعيد مرعي، بينما عملت شقيقتها سكينة في بيت دعارة حتى وقعت في حب أحدهم.
عندها بدأ الأربعة بمساعدة اثنين آخرين، هما عرابي حسان وعبد الرازق يوسف، باستدراج النساء من الأماكن التي تشهد إقبالاً كثيراً مثل سوق "زنقة الستات" الواقع بالقرب من ميدان المنشية. وفي 16 مايو 1921، صدر الحكم على ريا وسكينة وزوجيهما واثنين من البلطجية اللذين شاركا في أعمال القتل بالإعدام كما حكم على حسن علي، وهو الصائغ الذي كان يشتري مجوهرات الضحايا بالسجن لخمس سنوات، لتكون ريا وسكينة أول امرأتين يصدر بحقهما الحكم بالإعدام، بعدما كان الدستور يمنع إعدام النساء.
"نوفل".. "نشأت عيضة".. "عزت حنفى".. أسماء لمجرمين ظهروا على مدار الأعوام الماضية، انتهى مشوار بعضهم الإجرامي بالقتل على يد رجال الشرطة، فيما ألقي القبض على البعض الآخر. ذاع صيتتهم لارتكابهم جرائم القتل والعنف والسطو المسلح والخطف.. عاش هؤلاء في الكهوف الجبلية؛ هربا من مطاردة رجال الأمن.
ومن أخطر تلك الشخصيات محمد منصور أول من حمل لقب خط الصعيد حيث قتل 60 شخصا، وبدأت قصته عندما قتل أخذا بالثأر.. ثم هرب إلى الجبال وانضم إلى مطاريد الجبل، وأصبح واحداً منهم.. وخلال وقت قصير كون عصابة معظم أفرادها من المطاريد، وبدأوا ممارسة مجموعة من الأنشطة الإجرامية كالسلب والنهب والقتل لحساب الغير.. إلى أن انتهت تلك الأسطورة بمصرعه على يد الشرطة سنة 1947.
أما نوفل سعد الدين ربيع، من أبناء قرية "حمرا دوم" التابعة لمركز نجع حمادي، ساقه الثأر إلى سلوك طريق الإجرام بعدما قُتل والده وشقيقه وعمه وأبناء عمه عام 1979، في خلافات مع عائلة أخرى من القرية التي نصبت كمينا لهم. بعدها قاد "نوفل" مجموعة مسلحة استهدفت خصومه بوابل من الأعيرة النارية وتمكن من قتل 2 منهم ليبدأ مشوار الدم من قتل وسرقة وعمليات سطو، كما ساعد الداخلية في القبض على عناصر إرهابية بعد قيام مجموعة من الارهابيين بتنفيذ حادث الدير البحري بمدينة الأقصر في تسعينيات القرن الماضي..
حكاية الليبي الذى طردته أمه بسبب فيلم "الرسالة" مقالات مختارة
ثم تمرد على الشرطة، وفي مايو 2007، شنت قوات الأمن حملة أمنية لإستهدافه وحدث تبادل لإطلاق النيران مع الشرطة أمام منزله بالقرية لينتهي الأمر بمقتله.
وورث نشأت عيضة الإجرام بعد مقتل "نوفل" على يد الشرطة فى قرية حمرا دوم، بعد 5 سنوات، حيث تورط فى الاتجار بالمواد المخدرة، وحيازته أسلحة نارية وذخيرة بدون ترخيص، وأصبح كبير مطاريد الجبل الهاربين من تنفيذ الأحكام. وارتكب "نشأت" عشرات الجرائم، إلا أنه كان ينجح في الهرب من قوات الشرطة، حتى وصلت الأحكام القضائية الصادرة ضده إلى 60 حكما غيابيا، بإجمالي 269 سنة سجن.
وتمكنت الأجهزة الأمنية بالإسكندرية بالتعاون مع أمن القاهرة وقنا، من إلقاء القبض على "نشأت" في سبتمبر من عام 2015، في أعقاب كشف غموض العثور على جثة شاب ملقاة بالطريق العام بدائرة قسم شرطة ثاني العامرية، وكان مقيد اليدين ومصابا بطلقات نارية.. وغطت شهرة الأسطورة عزت حنفي، حاكم جزيرة النخيلة بأسيوط، الآفاق، والذي ألقت الداخلية القبض عليه، بعد معركة رهيبة، وأعدمته مع كبار معاونيه، تنفيذا للحكم القضائي الصادر ضده.
هذه بعض أقاصيص وحكاوى سفاحين عاشوا في بر مصر، وأسقطوا الكثير من الضحايا، بعضهم أبرياء، ودوخوا الشرطة طويلا، واستنزفوا الكثير من الأموال والجهد في محاولات السيطرة عليهم أو تخليص الناس من شرورهم.
غالبا نحن لا نكلف أنفسنا عناء فحص سير حيوات السفاحين، قبل أن ترسلهم المحاكم إلى حبل المشنقة.. لكن علينا قبل أن يلاقوا مصيرهم المحتوم من قتل أو إعدام أن نبحث جيدا في مسيرتهم، وعلاقاتهم مع أسرهم وأقاربهم، والأجواء والظروف والبيئات التي نشأوا فيها، وأودت بهم إلى سفك الدماء وإزهاق الأرواح.
على كل الأطراف؛ مؤسسات مجتمع مدني.. قانونيين.. خبراء علم نفس واجتماع.. اقتصاديين.. سياسيين.. وغيرهم، إجراء دراسات متعمقة، للتوصل إلى وضع حلول وضمانات لعدم تكرار تلك الملاحم الدامية.. ولنبدأ الآن ب"سفاح الجيزة"، الذي بدأت خطواته نحو حبل المشنقة!
التاريخ يكرر نفسه، والكارثة لا تنتهي بإحالة أوراق القتلة إلى فضيلة المفتي، إذا تمكنت الشرطة من القبض عليهم وتلك حالات نادرة، أو نجح رجال الأمن في قتل هؤلاء الجناة، فيبدو أن هناك أسبابًا مجهولة تنتهي بتحول شخص ما إلى مجرم عتيد. ربما يكون الإنسان الذي يتحول إلى سفاح، أو بلغة أهل الصعيد، "خط".. يحمل في جيناته بذور الشر والعنف، كيف نفهم المسألة وكيف نضمن عدم تكرار المأساة، تلك هي القضية.
في عشرينيات القرن الماضي، شغلت قضية ريا وسكينة المجتمع، وصارتا من أشهر الشخصيات في التاريخ المصري، رغم تضارب الآراء حولهما.. فهناك من اعتبرهما سفاحتين كانتا تستدرجان النساء لقتلهن وسرقة ذهبهن، وهناك من عدّهما بطلتين قتلتا عددا كبيرا من الجنود الإنجليز.
مدرسة الإذاعة
بدأت القصة عام 1920 في حيّ اللبان وهو أحد أفقر الأحياء في الإسكندرية، حيث قامت ريا وسكينة علي همام بمساعدة زوجيهما وآخرين، باختطاف وقتل 17 امرأة ودفنهن في منزلهما. حضرت ريا وسكينة من الصعيد إلى الإسكندرية وعملتا فيها لثلاث سنوات، حيث تزوّجت ريا من شخص يُدعى حسب الله سعيد مرعي، بينما عملت شقيقتها سكينة في بيت دعارة حتى وقعت في حب أحدهم.
عندها بدأ الأربعة بمساعدة اثنين آخرين، هما عرابي حسان وعبد الرازق يوسف، باستدراج النساء من الأماكن التي تشهد إقبالاً كثيراً مثل سوق "زنقة الستات" الواقع بالقرب من ميدان المنشية. وفي 16 مايو 1921، صدر الحكم على ريا وسكينة وزوجيهما واثنين من البلطجية اللذين شاركا في أعمال القتل بالإعدام كما حكم على حسن علي، وهو الصائغ الذي كان يشتري مجوهرات الضحايا بالسجن لخمس سنوات، لتكون ريا وسكينة أول امرأتين يصدر بحقهما الحكم بالإعدام، بعدما كان الدستور يمنع إعدام النساء.
"نوفل".. "نشأت عيضة".. "عزت حنفى".. أسماء لمجرمين ظهروا على مدار الأعوام الماضية، انتهى مشوار بعضهم الإجرامي بالقتل على يد رجال الشرطة، فيما ألقي القبض على البعض الآخر. ذاع صيتتهم لارتكابهم جرائم القتل والعنف والسطو المسلح والخطف.. عاش هؤلاء في الكهوف الجبلية؛ هربا من مطاردة رجال الأمن.
ومن أخطر تلك الشخصيات محمد منصور أول من حمل لقب خط الصعيد حيث قتل 60 شخصا، وبدأت قصته عندما قتل أخذا بالثأر.. ثم هرب إلى الجبال وانضم إلى مطاريد الجبل، وأصبح واحداً منهم.. وخلال وقت قصير كون عصابة معظم أفرادها من المطاريد، وبدأوا ممارسة مجموعة من الأنشطة الإجرامية كالسلب والنهب والقتل لحساب الغير.. إلى أن انتهت تلك الأسطورة بمصرعه على يد الشرطة سنة 1947.
أما نوفل سعد الدين ربيع، من أبناء قرية "حمرا دوم" التابعة لمركز نجع حمادي، ساقه الثأر إلى سلوك طريق الإجرام بعدما قُتل والده وشقيقه وعمه وأبناء عمه عام 1979، في خلافات مع عائلة أخرى من القرية التي نصبت كمينا لهم. بعدها قاد "نوفل" مجموعة مسلحة استهدفت خصومه بوابل من الأعيرة النارية وتمكن من قتل 2 منهم ليبدأ مشوار الدم من قتل وسرقة وعمليات سطو، كما ساعد الداخلية في القبض على عناصر إرهابية بعد قيام مجموعة من الارهابيين بتنفيذ حادث الدير البحري بمدينة الأقصر في تسعينيات القرن الماضي..
حكاية الليبي الذى طردته أمه بسبب فيلم "الرسالة" مقالات مختارة
ثم تمرد على الشرطة، وفي مايو 2007، شنت قوات الأمن حملة أمنية لإستهدافه وحدث تبادل لإطلاق النيران مع الشرطة أمام منزله بالقرية لينتهي الأمر بمقتله.
وورث نشأت عيضة الإجرام بعد مقتل "نوفل" على يد الشرطة فى قرية حمرا دوم، بعد 5 سنوات، حيث تورط فى الاتجار بالمواد المخدرة، وحيازته أسلحة نارية وذخيرة بدون ترخيص، وأصبح كبير مطاريد الجبل الهاربين من تنفيذ الأحكام. وارتكب "نشأت" عشرات الجرائم، إلا أنه كان ينجح في الهرب من قوات الشرطة، حتى وصلت الأحكام القضائية الصادرة ضده إلى 60 حكما غيابيا، بإجمالي 269 سنة سجن.
وتمكنت الأجهزة الأمنية بالإسكندرية بالتعاون مع أمن القاهرة وقنا، من إلقاء القبض على "نشأت" في سبتمبر من عام 2015، في أعقاب كشف غموض العثور على جثة شاب ملقاة بالطريق العام بدائرة قسم شرطة ثاني العامرية، وكان مقيد اليدين ومصابا بطلقات نارية.. وغطت شهرة الأسطورة عزت حنفي، حاكم جزيرة النخيلة بأسيوط، الآفاق، والذي ألقت الداخلية القبض عليه، بعد معركة رهيبة، وأعدمته مع كبار معاونيه، تنفيذا للحكم القضائي الصادر ضده.
هذه بعض أقاصيص وحكاوى سفاحين عاشوا في بر مصر، وأسقطوا الكثير من الضحايا، بعضهم أبرياء، ودوخوا الشرطة طويلا، واستنزفوا الكثير من الأموال والجهد في محاولات السيطرة عليهم أو تخليص الناس من شرورهم.
غالبا نحن لا نكلف أنفسنا عناء فحص سير حيوات السفاحين، قبل أن ترسلهم المحاكم إلى حبل المشنقة.. لكن علينا قبل أن يلاقوا مصيرهم المحتوم من قتل أو إعدام أن نبحث جيدا في مسيرتهم، وعلاقاتهم مع أسرهم وأقاربهم، والأجواء والظروف والبيئات التي نشأوا فيها، وأودت بهم إلى سفك الدماء وإزهاق الأرواح.
على كل الأطراف؛ مؤسسات مجتمع مدني.. قانونيين.. خبراء علم نفس واجتماع.. اقتصاديين.. سياسيين.. وغيرهم، إجراء دراسات متعمقة، للتوصل إلى وضع حلول وضمانات لعدم تكرار تلك الملاحم الدامية.. ولنبدأ الآن ب"سفاح الجيزة"، الذي بدأت خطواته نحو حبل المشنقة!