عاطف فاروق يكتب: لائحة البريد تغتصب اختصاص القضاء
كشفت تقرير قضائي صادر عن النيابة الإدارية النقاب عن وقائع فساد إداري من العيار الثقيل داخل الهيئة القومية للبريد ارتكبها رئيسا قطاع شئون وخدمات العاملين السابقة والحالي، وبعرض أوراق القضية على المستشار عصام المنشاوي، رئيس هيئة النيابة الإدارية وافق على إحالتهما للمحاكمة العاجلة بعد ثبوت قيامهما باغتصاب اختصاص المحكمة التأديبية، وتسببا في الإضرار بأموال الهيئة جهة عملهما.
أكدت تحقيقات المستشار إيهاب بشرى، الوكيل العام الأول بإشراف المستشار طارق سعودي، نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية أن خالد إبراهيم السيد، رئيس قطاع شئون وخدمات العاملين وسها حسين محمد، رئيس القطاع السابقة عرضا على رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للبريد المذكرة المتضمنة طلب إحالة أشرف محمد مجاهد إلى لجنة المخالفات الجسيمة رغم أن الواقعة المنسوبة إلى المذكور لا تعد من بين المخالفات الجسيمة طبقاً للائحة الجزاءات بالهيئة، ولا تستوجب العرض على هذه اللجنة.
لغز مكافآت المأموريات الوهمية في الفنون الشعبية والاستعراضية
وتضمنت أوراق القضية رقم 3 لسنة 63 قضائية عليا أن المحالة الثانية وافقت منفردة على ما تضمنه محضر لجنة المخالفات الجسيمة رقم 264 والمتضمن مجازاة الشاكي بالإحالة إلى المعاش بالمخالفة لأحكام القانون ولائحة نظام العاملين بالهيئة، مما ترتب عليه صدور قرار بمجازاته بتلك العقوبة، ثم صدور حكمين بإلغاء هذا القرار وإلزام الهيئة بأن تؤدي إليه 50 ألف جنيه كتعويض.
وكان أشرف محمد مجاهد، كبير أخصائيين بالهيئة القومية للبريد تقدم بشكوى يتضرر فيها من صدور القرار رقم 2527 بتاريخ 1/8/2017 بمجازاته بإحالته للمعاش إعتباراً من 14/6/2017 غصباً لسلطة المحكمة التأديبية، وأنه قام بالطعن على القرار أمام المحكمة التأديبية وقضي فيه بإلغاء قرار إحالته إلى المعاش مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وبسؤال عصام الصغير، رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للبريد قرر أن المحالين عرضا مذكرة بشأن إحالة الشاكي إلى لجنة المخالفات الجسيمة للنظر في مجازاته على المستشار القانوني للهيئة وهو المستشار إبراهيم عبد الغني، نائب رئيس مجلس الدولة الذى أشر على المذكرة بالموافقة على الرأي فقام باعتماد هذه المذكرة وعرضت على لجنة المخالفات الجسيمة بالهيئة والتى تضم فى تشكيلها المستشار القانوني للهيئة ورئيس قطاع الشئون القانونية ورئيس قطاع خدمات شئون العاملين وأن هؤلاء الثلاثة هم المعنيون بالنظر في صحة القرار الذى تم اتخاذه بشأن مجازاة الشاكي بالإحالة للمعاش وأضاف أن دوره يقتصر فقط على اعتماد هذا الرأي.
وبشأن ما نُسب للمخالفين من عرضهما على رئيس مجلس إدارة الهيئة المتضمنة طلب إحالة الشاكي إلى لجنة المخالفات الجسيمة بالهيئة رغم ان المنسوب إليه لا يعد من بين المخالفات الجسيمة طبقا للائحة جزاءات الهيئة، فذلك ثابت قبلهما باعترافهما وهو ما تأيد من القرار رقم 188 بشأن تشكيل لجنة المخالفات الجسيمة والتى تختص بالنظر في حالات العاملين الذين يرتكبون مخالفات جسيمة تمس الشرف والأمانة، فى حين أن المذكرة المقدمة منهما والخاصة بطلب إحالة الشاكي إلى تلك اللجنة انطوت على بيان بحصر الشكاوى المقدمة منه ضد الهيئة دون بيان المخالفات الجسيمة التي تمس الشرف والأمانة، فضلاً أنه لم يتم إجراء أي تحقيق معه قبل إحالته لتلك اللجنة، وعليه فإن ما اقترفه المذكوران من طلب عرض الشاكي على هذه اللجنة لم يكن له سند قانوني وترتب عليه تطبيق عقوبة غير قانونية وتحَميل الهيئة بمبلغ خمسين ألف جنيه مصري كتعويض.
وما نسب إلى المحالة الثانية قبل إحالتها للمعاش بالموافقة على محضر لجنة المخالفات الجسيمة المتضمن مجازاة الشاكي بالإحالة للمعاش مما ترتب عليه صدور القرار بمجازاته بتلك العقوبة، فإن الواقعة ثابتة باعترافها تأسيسا على ما تبين من ان لائحة نظام العاملين بالهيئة أجازت توقيع عقوبة الاحالة للمعاش على العاملين حتى شاغلي الدرجة الثالثة فقط، في حين أن الشاكى كان بدرجة كبير أخصائيين.
ومن ناحية أخرى فإن المادة 61 من قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 حددت سلطات التأديب واختصاص كل منها فى توقيع الجزاء على العاملين، حيث أناط بالمحكمة التأديبية وحدها دون غيرها سلطة توقيع جزائي الاحالة للمعاش والفصل من الخدمة، ومن ثم فإن الهيئة القومية للبريد تكون قد اغتصبت الاختصاص المعقود للمحكمة التأديبية، وهو ما تأيد للنيابة من مطالعة أسباب الحكم فى الطعنين رقمي 8 لسنة 52 ق و 244 لسنة 52 ق، وهو الأمر الذى نرى معه توصية جهة الإدارة بتعديل أحكام لائحة العاملين بالهيئة المذكورة وبما يتفق مع أحكام قانون الخدمة المدنية.
وبشأن تحديد مسئولية كل من أحمد محمود، رئيس محور الأمانة العامة بالهيئة وعبده حسين، نائب رئيس مجلس الإدارة وأحمد عبد الحليم، مساعد رئيس مجلس الإدارة، وعصام الصغير، رئيس مجلس الإدارة، من التوقيع على محضر لجنة المخالفات الجسيمة والمتضمن مجازاة الشاكي بالإحالة للمعاش دون سند قانوني، فإنه ولئن كان الثابت أنهم رئيس وأعضاء لجنة المخالفات الجسيمة، إلا أن اختصاصاتهم تختلف عن الاعمال القانونية وشئون العاملين، سيما وأنه تم استطلاع رأي المستشار القانوني للهيئة وهو عضو قضائى وعضو اللجنة فلم يعترض على عرض الموضوع علي لجنة المخالفات الجسيمة أو الاعتراض على قرار اللجنة، بل أثبت رأيه مؤيدا لها، كما أنه كان من ضمن أعضاء اللجنة رئيس قطاع الشئون القانونية والذي اتى ذات المسلك للعضو القضائى وهو ما دعا المذكورين إلى مسايرة هؤلاء فى رأيهم استناداً إلى أنهم أصحاب الاختصاص، مما رأت معه النيابة حفظ ما نسب إليهم قطعياً لعدم المخالفة.
وبالنسبة لتحديد مسئولية إسماعيل عمر محمد، رئيس قطاع الشئون القانونية، فإنه بالنظر إلي أن المذكور من المخاطبين قانون الإدارات القانونية، فقررت النيابة إرسال صورة من المذكرة إلى مساعد وزير العدل لشئون الإدارات القانونية لاتخاذ شئونه قِبل المذكور.
ورغم أن ما تشكله الواقعة من جريمة عامة مؤثمة بنص المادة 116 مكررًا من قانون العقوبات وتنص على معاقبة كل من تسبب بخطئه فى إلحاق ضرر جسيم بأموال الجهة التى يعمل بها وهو المتوافر إذ ترتب على الواقعة صدور حكم بالتعويض ضد الهيئة للشاكي، مما كان يوجب إبلاغ النيابة العامة إلا أنه بالنظر لما فى المجال التأديبي وهو كاف مما إنتهت معه النيابة الإدارية الى صرف النظر عن إبلاغ النيابة العامة.