هل يجوز قضاء السنن الرواتب مع الصلوات المفروضة؟.. مفتي الجمهورية يجيب
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه " قرأت في حديث شريف: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ»، وأنا أحرص قدر استطاعتي على أن أصلي الاثنتي عشرة ركعة، ولكني أحيانًا لا أستطيع أن أصليها في وقتها مع الصلوات المفروضة لانشغالي بواجباتي المنزلية، فأصلي الفرض فقط.
وأريد أن أعرف هل يجوز لي أن أقضيَ ما يفوتني من السنن الرواتب التي تكون مع الصلوات المفروضة؟"، ومن جانبه أجاب الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية على هذا السؤال كالتلي:
أخبرنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الإكثار من النوافل سبب لمحبة الله تعالى؛ روى الإمام البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ قَالَ: ... وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ».
كما رغَّب سيدنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم في المحافظة على اثنتي عشرة ركعة التي هي السنن الراتبة التابعة للصلوات المفروضة، وهي: أربع ركعات قبل صلاة الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد صلاة المغرب، وركعتان بعد صلاة العشاء، وركعتان قبل صلاة الفجر، وبيَّن أن في المحافظة عليها أجرًا عظيمًا؛ فقد روى الإمام الترمذي في "سننه" عن أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ: أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمغرب، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء، وَرَكْعَتَيْنِ قبل صَلَاة الْفَجْرِ»، وفي رواية الإمام مسلم أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي للهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلَّا بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ -أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ-».
قال العلامة الشيرازي الحنفي في "المفاتيح في شرح المصابيح" (3/ 137، ط. دار النوادر): [مثال المؤدي للفرائض والنوافل جميعًا كمن عليه دينٌ لأحد، فإذا أدَّى دينَه موفرًا كاملًا عن غير مطلٍ يحبُّه، ولو أدَّى دينه وزادَ عليه شيئًا من ماله غيرَ ما وجب عليه، لا شكَّ أن آخِذَ الدين أشدُّ حبًّا له بأخذ الدين والشيءِ الزائد من أخذ الدين، فكذلك مَنْ أدَّى فرائضَ الله تعالى يحبُّه الله، ومن أدَّى الفرائضَ والنوافلَ يزيدُ حبُّ الله له، فبقدرِ ما زاد من النوافل يزيدُ حبُّ الله له، حتى صار عبدًا مُخلصًا مُرْضِيًا لله تعالى] اهـ.
وقد خصَّ سيدنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بعضَ هذه الرواتب بالتأكيد والترغيب، كنافلة الفجر؛ روى الإمام مسلم في "صحيحه" عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»، وفي شرحه لهذا الحديث قال العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي" (2/ 388، ط. دار الكتب العلمية): [قَوْلُهُ «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» أَيْ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا، قَالَهُ النَّوَوِيُّ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: إِنْ حَمَلَ الدُّنْيَا عَلَى أَعْرَاضِهَا وَزَهْرَتِهَا فَالْخَيْرُ إِمَّا مُجْرًى عَلَى زَعْمِ مَنْ يَرَى فِيهَا خَيْرًا أَوْ يَكُونُ مِنْ باب: ﴿أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا﴾ [مريم: 73]، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَكُونُ هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ أَكْثَرَ ثَوَابًا مِنْهَا، وَقَالَ الشاه ولي الله الدهلوي في حجة الله الْبَالِغَةِ: إِنَّمَا كَانَتَا خَيْرًا مِنْهَا؛ لِأَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ وَنَعِيمُهَا لَا يَخْلُو عَنْ كَدَرِ النَّصَبِ وَالتَّعَبِ، وَثَوَابُهُمَا بَاقٍ غَيْرُ كَدِرٍ] اهـ.
وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحرص على أن يصلي أربعًا قبل الظهر، فإذا لم يصليهنّ قبل الظهر صلاهن بعدها؛ روى الإمام الترمذي في "سننه" عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ إِذَا لَمْ يُصَلِّ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ صَلاَّهُنَّ بَعْدَهُ"، وفي رواية ابن ماجه أنها قالت: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا فَاتَتْهُ الأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ صَلَّاهَا بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ"؛ قال العلامة الشوكاني في "نيل الأوطار" (3/ 32، ط. دار الحديث): [الحديثان يدلّان على مشروعية المحافظة على السنن التي قبل الفرائض، وعلى امتداد وقتها إلى آخر وقت الفريضة؛ وذلك لأنها لو كانت أوقاتها تخرج بفعل الفرائض لكان فعلها بعدها قضاء وكانت مُقدَّمةً على فِعل سنة الظهر] اهـ.
كما أن محافظة المسلم على الرواتب القبلية للصلاة يوقظ قلبه ويهيئه للخشوع في الفريضة، ومحافظته على الرواتب البعدية للصلاة يَجْبُر ما وقع فيها من النقص والخلل، إلا أنَّ الفقهاء اختلفوا في قضاء النوافل بعد خروج وقتها المحدد لها:
فيرى فقهاء الحنفية أنَّ جميع السنن إذا فات وقتها لا تُقضَى، وقد استثنوا من ذلك سنة الفجر؛ فقالوا باستحباب قضائها إذا فاتت مع الفرض، إلا أنهم اختلفوا هل تُقضَى إذا فاتت وحدها أم لا؟ فيرى الإمام أبو حنيفة وأبو يوسف أنها لا تُقضَى، ويرى محمد أنَّ وقت قضائها يكون من بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال ثم تسقط؛ قال العلامة أبو بكر علاء الدين السمرقندي في "تحفة الفقهاء" (1/ 196، ط. دار الكتب العلمية): [ثم السنن إذا فاتت عن وقتها لا تُقضَى؛ سواء فاتت وحدها أو مع الفرائض، سوى سنة صلاة الفجر؛ فإنها تُقضَى إن فاتت مع الفريضة بلا خلاف بين أصحابنا، واختلفوا فيما إذا فاتت بدون الفرض: على قول أبي حنيفة وأبي يوسف لا تُقضَى، وقال محمد: لا تُقضَى قبل طلوع الشمس أيضًا، ولكن تُقضَى بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال ثم تسقط] اهـ.
وذلك أنَّهم يرون أنَّ قضاء النوافل خصوصيةٌ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لحديث السيدة أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ بَيْتِي فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صَلَّيْتَ صَلَاةً لَمْ تَكُنْ تُصَلِّيهَا؟ فَقَالَ: «قَدِمَ عَلَيَّ مَالٌ، فَشَغَلَنِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ كُنْتُ أَرْكَعُهُمَا بَعْدَ الظُّهْرِ، فَصَلَّيْتُهُمَا الآنَ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَنَقْضِيهِمَا إِذَا فَاتَتْنَا؟ قَالَ: «لَا» رواه الإمام أحمد في "مسنده".
واستدلوا لجواز قضاء سنة الفجر إذا فاتت مع الفرض بحديث ليلة التعريس الذي استيقظ فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بعد خروج وقت صلاة الصبح فقضَى السنة مع الفرض؛ قال العلامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (1/ 287، ط. دار الكتب العلمية): [لا خلاف بين أصحابنا في سائر السنن سوى ركعتي الفجر أنها إذا فاتت عن وقتها لا تُقضَى سواء فاتت وحدها أو مع الفريضة... وأما إذا فاتت وحدها لا تُقضَى عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: تُقضَى إذا ارتفعت الشمس قبل الزوال] اهـ.
وكما استثنوا سنة الفجر من النوافل التي يرون أنها لا تُقضَى، فقد استثنوا أيضًا سنة الظهر القبلية أربع ركعات؛ لأنه روي عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا فاتته الأربع قبل الظهر قضاها"، فقالوا بأنها تُقضَى في وقت الظهر بعده، أو بعد الركعتين بعده وهو أولى؛ قال العلامة ابن مودود الموصلي الحنفي في "الاختيار لتعليل المختار" (1/ 65، ط. دار الكتب العلمية): [(وَالْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ يَقْضِيهَا بَعْدَهَا)؛ قَالَتِ السيدة عَائِشَةُ رضي الله عنها: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وآله وسلم إِذَا فَاتَتْهُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ قَضَاهَا بَعْدَ الظُّهْرِ"، وَلِأَنَّ الْوَقْتَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَهِيَ سُنَّةُ الظُّهْرِ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِيهَا قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ قَبْلَهَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهَا فَاتَتْ عَنْ مَحَلِّهَا، فَلَا يُفَوِّتُ الثَّانِيَةَ عَنْ مَحَلِّهَا أَيْضًا، وَهَذَا بِخِلَافِ سُنَّةِ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِثْلَهَا فِي التَّأْكِيدِ، وَلِنَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ] اهـ. وعلى ذلك فلا تُعاد سنة الظهر إذا خرج وقته.
ويُستثنى من ذلك أيضًا صلاة الوتر؛ فإن فقهاء الحنفية لا يرون أنها من النوافل كما يرى جمهور الفقهاء، وإنما قالوا بوجوبها ولذلك أوجبوا قضاءها؛ قال العلامة ابن مودود الموصلي الحنفي في المرجع السابق نفسه: (وَيَقْضِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ)... (وَالْوَتْر)؛ لِمَا بَيَّنَا مِنْ وُجُوبِهَا، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ نَامَ عَنْ وَتْرٍ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إِذَا ذَكَرَهُ أَوْ إِذَا اسْتَيْقَظَ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ نَامَ عَنْ وَتْرٍ فَلْيُصَلِّ إِذَا أَصْبَحَ»، فَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ] اهـ.
ويرى فقهاء المالكية أن جميع النوافل لا تُقضَى عدا نافلة الفجر؛ فإنهم استحبوا قضاءها في الوقت الذي تحلّ فيه النوافل إلى الزوال؛ سواء فات معها الفرض أو لا؛ قال العلامة الصاوي المالكي في حاشيته على الشرح الصغير للإمام الدردير، المسماة "بلغة السالك لأقرب المسالك" (1/ 408، ط. دار المعارف): [(والفجر) أي ركعتاه، (رغيبة)، أي: مُرغَّب فيها فوق المندوب ودون السنة، وليس لنا رغيبة إلا هي... (ولا يُقضَى نفلٌ) خرج وقته (سواها)؛ فإنها تُقضَى بعد حل النافلة (للزوال)، سواء كان معها الصبح أو لا؛ كمن أقيمت عليه صلاة الصبح قبل أدائها، أو صلى الصبح لضيق الوقت أو تركها كسلًا] اهـ.
إلا أن بعضهم يرى أنَّ المنع على سبيل الحرمة، والبعض يرى أنه على سبيل الكراهة؛ قال العلامة الدردير في "الشرح الكبير" (1/ 319، ط. دار الفكر): [(ولا يقضي غير فرض) أي يَحْرُمُ كما قال بعضٌ (إلا هي)] اهـ. أي: إلا سنة الفجر، والراجح أن المنع على سبيل الكراهة؛ قال العلامة الصاوي المالكي في حاشيته على الشرح الصغير "بلغة السالك لأقرب المسالك" (1/ 408): [قَوْلُهُ: (وَلَا يُقْضَى نَفْلٌ): ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَضَاءُ غَيْرِهَا مِنَ النَّوَافِلِ، وَصَرَّحَ فِي الْأَصْلِ بِالْحُرْمَةِ، قَالَ فِي "الْحَاشِيَةِ": هَذَا بَعِيدٌ جِدًّا وَلَيْسَ مَنْقُولًا؛ وَلَا سِيَّمَا الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يُجَوِّزُ الْقَضَاءَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَضَاءَ غَيْرِ الْفَرَائِضِ مَكْرُوهٌ فَقَطْ] اهـ.
ويرى فقهاء الشافعية في الصحيح، والحنابلة في المشهور: أن النوافل المؤقتة لا سيما الرواتب التابعة للفرائض يُستحب قضاؤها؛ قال العلامة النووي في "المجموع شرح المهذب" (4/ 43، ط. دار الفكر): [الصحيح عندنا استحباب قضاء النوافل الراتبة، وبه قال محمد والمزني وأحمد في رواية عنه] اهـ.
وقال العلامة العمراني الشافعي في "البيان في مذهب الإمام الشافعي" (2/ 280، ط. دار المنهاج): [يجوز قضاء السنن الراتبة، ويجوز فعلها في الأوقات المنهيّ عن الصلاة فيها، وقال أبو إسحاق المروزي: يجوز قضاؤها قولًا واحدًا] اهـ.
وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" (2/178، ط. دار إحياء التراث): [(ومَن فاته شيء من هذه السنن سُنَّ له قضاؤها)، هذا المذهب والمشهور عند الأصحاب، قال في "الفروع"، و"الرعاية"، و"ابن تميم"، و"الفائق"، و"مجمع البحرين": سُنَّ على الأصح ونصره المجد في "شرحه" واختاره الشيخ تقي الدين، وجزم به في: "الوجيز"، و"الهداية"، و"الخلاصة"، وغيرهم] اهـ.
واستدلوا لذلك بأحاديث كثيرة منها: ما رواه الشيخان عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا»؛ فعموم الحديث يدلُّ على مشروعية الصلاة إذا نسيها أو نام عنها، سواء كانت فريضةً أو راتبةً.
وما رواه الإمام مسلم عن أبي قَتادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، وفيه: "استيقظَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم والشمسُ في ظهره... ثم أذَّن بلالٌ بالصلاة، فصلَّى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم ركعتين، ثم صلَّى الغداةَ، فصنَع كما كان يَصنَعُ كلَّ يومٍ"؛ فدلَّ قوله: "وصنَعَ كما كان يَصنَعُ كلَّ يوم" على أنَّه قضى سُنَّةَ الفجر.
وما رواه الإمام البخاري عَنْ كُرَيْبٍ رضي الله عنه أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ رضي الله عنهم أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقَالُوا: اقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنَّا جَمِيعًا، وَسَلْهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَقُلْ لَهَا: إِنَّا أُخْبِرْنَا أَنَّكِ تُصَلِّينَهُمَا، وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم نَهَى عَنْهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: وَكُنْتُ أَضْرِبُ النَّاسَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْهُمَا، فَقَالَ كُرَيْبٌ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي، فَقَالَتْ: سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرْتُهُمْ بِقَوْلِهَا، فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُونِي بِهِ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم يَنْهَى عَنْهَا، ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا حِينَ صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الْجَارِيَةَ فَقُلْتُ: قُومِي بِجَنْبِهِ قُولِي لَهُ: تَقُولُ لَكَ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا، فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ، فَفَعَلَتِ الْجَارِيَةُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَهُمَا هَاتَانِ»، فدلَّ ذلك على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى الركعتين سنة الظهر بعد العصر لَمَّا شُغِل عنهما، فالحديث نصٌّ في قضاء الرواتب، واستدلوا كذلك بأنَّ الرواتب مؤقتةٌ بوقتٍ؛ فلم تسقط بفوات الوقت إلى غير بدلٍ كالفرائض.
وبناءً على ذلك: فإنه يُسَنُّ المحافظة على أداء السنن الراتبة في أوقاتها المحددة، فإن خرج وقتها جاز له أن يقضيها بعد ذلك كما هو الراجح من أقوال الفقهاء، وهو ما عليه الفتوى.
وأريد أن أعرف هل يجوز لي أن أقضيَ ما يفوتني من السنن الرواتب التي تكون مع الصلوات المفروضة؟"، ومن جانبه أجاب الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية على هذا السؤال كالتلي:
أخبرنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الإكثار من النوافل سبب لمحبة الله تعالى؛ روى الإمام البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ قَالَ: ... وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ».
كما رغَّب سيدنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم في المحافظة على اثنتي عشرة ركعة التي هي السنن الراتبة التابعة للصلوات المفروضة، وهي: أربع ركعات قبل صلاة الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد صلاة المغرب، وركعتان بعد صلاة العشاء، وركعتان قبل صلاة الفجر، وبيَّن أن في المحافظة عليها أجرًا عظيمًا؛ فقد روى الإمام الترمذي في "سننه" عن أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ: أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمغرب، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء، وَرَكْعَتَيْنِ قبل صَلَاة الْفَجْرِ»، وفي رواية الإمام مسلم أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي للهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلَّا بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ -أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ-».
قال العلامة الشيرازي الحنفي في "المفاتيح في شرح المصابيح" (3/ 137، ط. دار النوادر): [مثال المؤدي للفرائض والنوافل جميعًا كمن عليه دينٌ لأحد، فإذا أدَّى دينَه موفرًا كاملًا عن غير مطلٍ يحبُّه، ولو أدَّى دينه وزادَ عليه شيئًا من ماله غيرَ ما وجب عليه، لا شكَّ أن آخِذَ الدين أشدُّ حبًّا له بأخذ الدين والشيءِ الزائد من أخذ الدين، فكذلك مَنْ أدَّى فرائضَ الله تعالى يحبُّه الله، ومن أدَّى الفرائضَ والنوافلَ يزيدُ حبُّ الله له، فبقدرِ ما زاد من النوافل يزيدُ حبُّ الله له، حتى صار عبدًا مُخلصًا مُرْضِيًا لله تعالى] اهـ.
وقد خصَّ سيدنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بعضَ هذه الرواتب بالتأكيد والترغيب، كنافلة الفجر؛ روى الإمام مسلم في "صحيحه" عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»، وفي شرحه لهذا الحديث قال العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي" (2/ 388، ط. دار الكتب العلمية): [قَوْلُهُ «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» أَيْ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا، قَالَهُ النَّوَوِيُّ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: إِنْ حَمَلَ الدُّنْيَا عَلَى أَعْرَاضِهَا وَزَهْرَتِهَا فَالْخَيْرُ إِمَّا مُجْرًى عَلَى زَعْمِ مَنْ يَرَى فِيهَا خَيْرًا أَوْ يَكُونُ مِنْ باب: ﴿أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا﴾ [مريم: 73]، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَكُونُ هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ أَكْثَرَ ثَوَابًا مِنْهَا، وَقَالَ الشاه ولي الله الدهلوي في حجة الله الْبَالِغَةِ: إِنَّمَا كَانَتَا خَيْرًا مِنْهَا؛ لِأَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ وَنَعِيمُهَا لَا يَخْلُو عَنْ كَدَرِ النَّصَبِ وَالتَّعَبِ، وَثَوَابُهُمَا بَاقٍ غَيْرُ كَدِرٍ] اهـ.
وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحرص على أن يصلي أربعًا قبل الظهر، فإذا لم يصليهنّ قبل الظهر صلاهن بعدها؛ روى الإمام الترمذي في "سننه" عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ إِذَا لَمْ يُصَلِّ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ صَلاَّهُنَّ بَعْدَهُ"، وفي رواية ابن ماجه أنها قالت: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا فَاتَتْهُ الأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ صَلَّاهَا بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ"؛ قال العلامة الشوكاني في "نيل الأوطار" (3/ 32، ط. دار الحديث): [الحديثان يدلّان على مشروعية المحافظة على السنن التي قبل الفرائض، وعلى امتداد وقتها إلى آخر وقت الفريضة؛ وذلك لأنها لو كانت أوقاتها تخرج بفعل الفرائض لكان فعلها بعدها قضاء وكانت مُقدَّمةً على فِعل سنة الظهر] اهـ.
كما أن محافظة المسلم على الرواتب القبلية للصلاة يوقظ قلبه ويهيئه للخشوع في الفريضة، ومحافظته على الرواتب البعدية للصلاة يَجْبُر ما وقع فيها من النقص والخلل، إلا أنَّ الفقهاء اختلفوا في قضاء النوافل بعد خروج وقتها المحدد لها:
فيرى فقهاء الحنفية أنَّ جميع السنن إذا فات وقتها لا تُقضَى، وقد استثنوا من ذلك سنة الفجر؛ فقالوا باستحباب قضائها إذا فاتت مع الفرض، إلا أنهم اختلفوا هل تُقضَى إذا فاتت وحدها أم لا؟ فيرى الإمام أبو حنيفة وأبو يوسف أنها لا تُقضَى، ويرى محمد أنَّ وقت قضائها يكون من بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال ثم تسقط؛ قال العلامة أبو بكر علاء الدين السمرقندي في "تحفة الفقهاء" (1/ 196، ط. دار الكتب العلمية): [ثم السنن إذا فاتت عن وقتها لا تُقضَى؛ سواء فاتت وحدها أو مع الفرائض، سوى سنة صلاة الفجر؛ فإنها تُقضَى إن فاتت مع الفريضة بلا خلاف بين أصحابنا، واختلفوا فيما إذا فاتت بدون الفرض: على قول أبي حنيفة وأبي يوسف لا تُقضَى، وقال محمد: لا تُقضَى قبل طلوع الشمس أيضًا، ولكن تُقضَى بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال ثم تسقط] اهـ.
وذلك أنَّهم يرون أنَّ قضاء النوافل خصوصيةٌ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لحديث السيدة أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ بَيْتِي فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صَلَّيْتَ صَلَاةً لَمْ تَكُنْ تُصَلِّيهَا؟ فَقَالَ: «قَدِمَ عَلَيَّ مَالٌ، فَشَغَلَنِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ كُنْتُ أَرْكَعُهُمَا بَعْدَ الظُّهْرِ، فَصَلَّيْتُهُمَا الآنَ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَنَقْضِيهِمَا إِذَا فَاتَتْنَا؟ قَالَ: «لَا» رواه الإمام أحمد في "مسنده".
واستدلوا لجواز قضاء سنة الفجر إذا فاتت مع الفرض بحديث ليلة التعريس الذي استيقظ فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بعد خروج وقت صلاة الصبح فقضَى السنة مع الفرض؛ قال العلامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (1/ 287، ط. دار الكتب العلمية): [لا خلاف بين أصحابنا في سائر السنن سوى ركعتي الفجر أنها إذا فاتت عن وقتها لا تُقضَى سواء فاتت وحدها أو مع الفريضة... وأما إذا فاتت وحدها لا تُقضَى عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: تُقضَى إذا ارتفعت الشمس قبل الزوال] اهـ.
وكما استثنوا سنة الفجر من النوافل التي يرون أنها لا تُقضَى، فقد استثنوا أيضًا سنة الظهر القبلية أربع ركعات؛ لأنه روي عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا فاتته الأربع قبل الظهر قضاها"، فقالوا بأنها تُقضَى في وقت الظهر بعده، أو بعد الركعتين بعده وهو أولى؛ قال العلامة ابن مودود الموصلي الحنفي في "الاختيار لتعليل المختار" (1/ 65، ط. دار الكتب العلمية): [(وَالْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ يَقْضِيهَا بَعْدَهَا)؛ قَالَتِ السيدة عَائِشَةُ رضي الله عنها: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وآله وسلم إِذَا فَاتَتْهُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ قَضَاهَا بَعْدَ الظُّهْرِ"، وَلِأَنَّ الْوَقْتَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَهِيَ سُنَّةُ الظُّهْرِ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِيهَا قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ قَبْلَهَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهَا فَاتَتْ عَنْ مَحَلِّهَا، فَلَا يُفَوِّتُ الثَّانِيَةَ عَنْ مَحَلِّهَا أَيْضًا، وَهَذَا بِخِلَافِ سُنَّةِ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِثْلَهَا فِي التَّأْكِيدِ، وَلِنَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ] اهـ. وعلى ذلك فلا تُعاد سنة الظهر إذا خرج وقته.
ويُستثنى من ذلك أيضًا صلاة الوتر؛ فإن فقهاء الحنفية لا يرون أنها من النوافل كما يرى جمهور الفقهاء، وإنما قالوا بوجوبها ولذلك أوجبوا قضاءها؛ قال العلامة ابن مودود الموصلي الحنفي في المرجع السابق نفسه: (وَيَقْضِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ)... (وَالْوَتْر)؛ لِمَا بَيَّنَا مِنْ وُجُوبِهَا، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ نَامَ عَنْ وَتْرٍ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إِذَا ذَكَرَهُ أَوْ إِذَا اسْتَيْقَظَ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ نَامَ عَنْ وَتْرٍ فَلْيُصَلِّ إِذَا أَصْبَحَ»، فَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ] اهـ.
ويرى فقهاء المالكية أن جميع النوافل لا تُقضَى عدا نافلة الفجر؛ فإنهم استحبوا قضاءها في الوقت الذي تحلّ فيه النوافل إلى الزوال؛ سواء فات معها الفرض أو لا؛ قال العلامة الصاوي المالكي في حاشيته على الشرح الصغير للإمام الدردير، المسماة "بلغة السالك لأقرب المسالك" (1/ 408، ط. دار المعارف): [(والفجر) أي ركعتاه، (رغيبة)، أي: مُرغَّب فيها فوق المندوب ودون السنة، وليس لنا رغيبة إلا هي... (ولا يُقضَى نفلٌ) خرج وقته (سواها)؛ فإنها تُقضَى بعد حل النافلة (للزوال)، سواء كان معها الصبح أو لا؛ كمن أقيمت عليه صلاة الصبح قبل أدائها، أو صلى الصبح لضيق الوقت أو تركها كسلًا] اهـ.
إلا أن بعضهم يرى أنَّ المنع على سبيل الحرمة، والبعض يرى أنه على سبيل الكراهة؛ قال العلامة الدردير في "الشرح الكبير" (1/ 319، ط. دار الفكر): [(ولا يقضي غير فرض) أي يَحْرُمُ كما قال بعضٌ (إلا هي)] اهـ. أي: إلا سنة الفجر، والراجح أن المنع على سبيل الكراهة؛ قال العلامة الصاوي المالكي في حاشيته على الشرح الصغير "بلغة السالك لأقرب المسالك" (1/ 408): [قَوْلُهُ: (وَلَا يُقْضَى نَفْلٌ): ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَضَاءُ غَيْرِهَا مِنَ النَّوَافِلِ، وَصَرَّحَ فِي الْأَصْلِ بِالْحُرْمَةِ، قَالَ فِي "الْحَاشِيَةِ": هَذَا بَعِيدٌ جِدًّا وَلَيْسَ مَنْقُولًا؛ وَلَا سِيَّمَا الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يُجَوِّزُ الْقَضَاءَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَضَاءَ غَيْرِ الْفَرَائِضِ مَكْرُوهٌ فَقَطْ] اهـ.
ويرى فقهاء الشافعية في الصحيح، والحنابلة في المشهور: أن النوافل المؤقتة لا سيما الرواتب التابعة للفرائض يُستحب قضاؤها؛ قال العلامة النووي في "المجموع شرح المهذب" (4/ 43، ط. دار الفكر): [الصحيح عندنا استحباب قضاء النوافل الراتبة، وبه قال محمد والمزني وأحمد في رواية عنه] اهـ.
وقال العلامة العمراني الشافعي في "البيان في مذهب الإمام الشافعي" (2/ 280، ط. دار المنهاج): [يجوز قضاء السنن الراتبة، ويجوز فعلها في الأوقات المنهيّ عن الصلاة فيها، وقال أبو إسحاق المروزي: يجوز قضاؤها قولًا واحدًا] اهـ.
وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" (2/178، ط. دار إحياء التراث): [(ومَن فاته شيء من هذه السنن سُنَّ له قضاؤها)، هذا المذهب والمشهور عند الأصحاب، قال في "الفروع"، و"الرعاية"، و"ابن تميم"، و"الفائق"، و"مجمع البحرين": سُنَّ على الأصح ونصره المجد في "شرحه" واختاره الشيخ تقي الدين، وجزم به في: "الوجيز"، و"الهداية"، و"الخلاصة"، وغيرهم] اهـ.
واستدلوا لذلك بأحاديث كثيرة منها: ما رواه الشيخان عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا»؛ فعموم الحديث يدلُّ على مشروعية الصلاة إذا نسيها أو نام عنها، سواء كانت فريضةً أو راتبةً.
وما رواه الإمام مسلم عن أبي قَتادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، وفيه: "استيقظَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم والشمسُ في ظهره... ثم أذَّن بلالٌ بالصلاة، فصلَّى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم ركعتين، ثم صلَّى الغداةَ، فصنَع كما كان يَصنَعُ كلَّ يومٍ"؛ فدلَّ قوله: "وصنَعَ كما كان يَصنَعُ كلَّ يوم" على أنَّه قضى سُنَّةَ الفجر.
وما رواه الإمام البخاري عَنْ كُرَيْبٍ رضي الله عنه أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ رضي الله عنهم أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقَالُوا: اقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنَّا جَمِيعًا، وَسَلْهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَقُلْ لَهَا: إِنَّا أُخْبِرْنَا أَنَّكِ تُصَلِّينَهُمَا، وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم نَهَى عَنْهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: وَكُنْتُ أَضْرِبُ النَّاسَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْهُمَا، فَقَالَ كُرَيْبٌ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي، فَقَالَتْ: سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرْتُهُمْ بِقَوْلِهَا، فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُونِي بِهِ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم يَنْهَى عَنْهَا، ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا حِينَ صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الْجَارِيَةَ فَقُلْتُ: قُومِي بِجَنْبِهِ قُولِي لَهُ: تَقُولُ لَكَ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا، فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ، فَفَعَلَتِ الْجَارِيَةُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَهُمَا هَاتَانِ»، فدلَّ ذلك على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى الركعتين سنة الظهر بعد العصر لَمَّا شُغِل عنهما، فالحديث نصٌّ في قضاء الرواتب، واستدلوا كذلك بأنَّ الرواتب مؤقتةٌ بوقتٍ؛ فلم تسقط بفوات الوقت إلى غير بدلٍ كالفرائض.
وبناءً على ذلك: فإنه يُسَنُّ المحافظة على أداء السنن الراتبة في أوقاتها المحددة، فإن خرج وقتها جاز له أن يقضيها بعد ذلك كما هو الراجح من أقوال الفقهاء، وهو ما عليه الفتوى.