جلال أمين يكتب: معذرة أستاذنا العميد
ولد المفكر الدكتور جلال أمين في مثل هذا اليوم 23 يناير عام 1935 ورحل 1918، وهو كاتب ومفكر اقتصادي له مؤلفات عديدة في الاقتصاد والثقافة التي كانت من أهم اهتماماته، ففي كتابه (ماذا حدث للثقافة فى مصر) كتب مقالا يؤكد فيه خيبة الأمل مما وصل إليه حال الثقافة فى مصر.
نشر العميد الدكتور طه حسين عام 1938 كتاباً هاما تحت عنوان (مستقبل الثقافة في مصر) ، أحدث جدلا واسعاً، وظل فترة طويلة يشغل الناس، واعتبره مؤرخو ورواد الثقافة المصرية والعربية علامة مهمة في تاريخنا الثقافي، يتكرر ذكره واثارة مضمونه بالهجوم والتأييد المرة بعد المرة، وخاصة دعوته إلى الأخذ من الحضارة الغربية بعبارات مدهشة في حسمها، إذ دعا إلى أن نسلك طريق اوروبا فى تناول كل مناحى الحياة ، و أن نقبل من هذه الحضارة خيرها وشرها، وحلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره، وما يحمد منها وما يعاب .
بعد كتاب طه حسين بسبعة عشر عاماً فى عام 1955 نشر الدكتور عبد العظيم أنيس ومحمود أمين العالم، كتاباً أحدث دوياً مماثلاً، بعنوان (في الثقافة المصرية) ظل هو أيضاً ـ وربما لا يزال ـ يعتبر علامة هامة في تاريخنا الثقافي، إذ هاجم الكتاب بقوة وفصاحة الانحياز الطبقي في أعمال كبار أدبائنا، وإهمالهم للقضية الاجتماعية، وتجاهلهم لقضايا الفقر وسوء توزيع الدخل وقضية العدل الاجتماعي.
خطر لي الآن، وقد مر هذا الزمن الطويل على كل من كتاب طه حسين وكتاب أنيس والعالم، أن أتساءل عما يمكن أن يكون تقييم كل من هؤلاء المفكرين الثلاثة للثقافة المصرية في هذه الفترة، وعما إذا كانوا سيرضون عما حدث للثقافة الان ، وإلى أي مدى كان هذا الذي للثقافة المصرية خلال هذه السنوات الطوال قد تأثر بما دعا إليه هؤلاء المفكرون الثلاثة الكبار طه حسين ومحمود امين العالم وعبد العظيم أنيس .
/4177210
إني لا أتردد في القول بأن إجابتي عن هذه الأسئلة، تنطوي على درجة عالية من خيبة الأمل، إذ لا أتصور أن يكون أي منهم راضياً بأي حال عما حدث للثقافة المصرية، كما أني لا أظن أن أياً منهم كان له دور مهم في ما حدث بالفعل.
ففيما يتعلق بموقفنا من الحضارة الغربية، نحن الآن في حالة تسمح لنا بتقييم ما أحدثته سياسة الانفتاح التي دشنها السادات في منتصف السبعينيات فى نفس التوقيت الذى في رحل فيه طه حسين عن العالم تقريبا واستمرت بدرجة أو بأخرى، حتى الآن.
إن من الممكن أن نقول إن هذا الانفتاح كان تطبيقاً، ولو بطريقة فجة، عما كان يصفه طه حسين بالأخذ من الحضارة الغربية خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره، وما يحمد وما يعاب، ومع هذا فعندى أسباب قوية للاعتقاد بأن هذا الذي حدث بالفعل كان أبعد ما يتصور عما يمكن أن يكون قد طاف بذهن طه حسين أو كان يتصوره عما يجب أخذه من الغرب.
هل كان طه حسين يتصور مثلا أن يتضمن الأخذ من حضارة الغرب انفتاحاً استهلاكياً إلى هذا الحد؟، مع إهمال التصنيع وتطوير القدرة الإنتاجية والتكنولوجية إلى هذا الحد؟، قد يقال إن طه حسين لم يكن يقصد الاقتصاد.. بل الثقافة.
فهل ترك الانفتاح الاقتصادي على النحو الذي طبق في مصر الثقافة على حالها؟ وهل تطورت الثقافة في مصر على نحو أفضل من الاقتصاد؟ ما الذي كان يمكن أن يقوله طه حسين عما حدث لمستوى التعليم في المدارس والجامعات منذ الانفتاح، ومستوى الكتابة الصحفية والبرامج الإذاعية بل والتليفزيونية ، وما حدث للغة العربية من تخريب للغة، وانتشار الروح التجارية إلى تخريب في القيم الثقافية ذاتها .
لا، لا يمكن أن يكون ما حدث للثقافة في مصر، مما يرضى عنه طه حسين بأي حال، ولا بد أنه كان يعني شيئاً آخر من دعوته إلى الأخذ من الغرب: ـ حلوه ومره ـ إلخ. ولكن لا شك لدي أيضاً في أن هذا الذي حدث لم يكن سببه ـ سواء من قريب أو بعيد ـ ما كتبه استاذنا الدكتور طه حسين في 1938.
إن العوامل الأقوى تأثيراً في حالة الثقافة المصرية من أي شيء آخر وكتبه طه حسين أو أي مفكر مصري آخر قبل أو بعد 1938 كانت هي ما حدث في واقع الحياة في مصر والعالم ،
أوروبا حلت محلها أميركا في قيادة مسار الحضارة الغربية، والشركات الكبرى حلت محل الشركات الصغيرة، بل وشيئاً فشيئاً، حلت محل الدولة نفسها، وقفزت السلع والأفكار فوق الحدود القومية، وصار معيار النجاح والفشل في الحياة أو رقي الأمم، ليس التقدم الثقافي وإنما مدى التقدم الاقتصادي، ومعدلات نمو الناتج والتصدير والأرباح ..أليس كل هذا خيبة أمل ؟ .
نشر العميد الدكتور طه حسين عام 1938 كتاباً هاما تحت عنوان (مستقبل الثقافة في مصر) ، أحدث جدلا واسعاً، وظل فترة طويلة يشغل الناس، واعتبره مؤرخو ورواد الثقافة المصرية والعربية علامة مهمة في تاريخنا الثقافي، يتكرر ذكره واثارة مضمونه بالهجوم والتأييد المرة بعد المرة، وخاصة دعوته إلى الأخذ من الحضارة الغربية بعبارات مدهشة في حسمها، إذ دعا إلى أن نسلك طريق اوروبا فى تناول كل مناحى الحياة ، و أن نقبل من هذه الحضارة خيرها وشرها، وحلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره، وما يحمد منها وما يعاب .
بعد كتاب طه حسين بسبعة عشر عاماً فى عام 1955 نشر الدكتور عبد العظيم أنيس ومحمود أمين العالم، كتاباً أحدث دوياً مماثلاً، بعنوان (في الثقافة المصرية) ظل هو أيضاً ـ وربما لا يزال ـ يعتبر علامة هامة في تاريخنا الثقافي، إذ هاجم الكتاب بقوة وفصاحة الانحياز الطبقي في أعمال كبار أدبائنا، وإهمالهم للقضية الاجتماعية، وتجاهلهم لقضايا الفقر وسوء توزيع الدخل وقضية العدل الاجتماعي.
خطر لي الآن، وقد مر هذا الزمن الطويل على كل من كتاب طه حسين وكتاب أنيس والعالم، أن أتساءل عما يمكن أن يكون تقييم كل من هؤلاء المفكرين الثلاثة للثقافة المصرية في هذه الفترة، وعما إذا كانوا سيرضون عما حدث للثقافة الان ، وإلى أي مدى كان هذا الذي للثقافة المصرية خلال هذه السنوات الطوال قد تأثر بما دعا إليه هؤلاء المفكرون الثلاثة الكبار طه حسين ومحمود امين العالم وعبد العظيم أنيس .
/4177210
إني لا أتردد في القول بأن إجابتي عن هذه الأسئلة، تنطوي على درجة عالية من خيبة الأمل، إذ لا أتصور أن يكون أي منهم راضياً بأي حال عما حدث للثقافة المصرية، كما أني لا أظن أن أياً منهم كان له دور مهم في ما حدث بالفعل.
ففيما يتعلق بموقفنا من الحضارة الغربية، نحن الآن في حالة تسمح لنا بتقييم ما أحدثته سياسة الانفتاح التي دشنها السادات في منتصف السبعينيات فى نفس التوقيت الذى في رحل فيه طه حسين عن العالم تقريبا واستمرت بدرجة أو بأخرى، حتى الآن.
إن من الممكن أن نقول إن هذا الانفتاح كان تطبيقاً، ولو بطريقة فجة، عما كان يصفه طه حسين بالأخذ من الحضارة الغربية خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره، وما يحمد وما يعاب، ومع هذا فعندى أسباب قوية للاعتقاد بأن هذا الذي حدث بالفعل كان أبعد ما يتصور عما يمكن أن يكون قد طاف بذهن طه حسين أو كان يتصوره عما يجب أخذه من الغرب.
هل كان طه حسين يتصور مثلا أن يتضمن الأخذ من حضارة الغرب انفتاحاً استهلاكياً إلى هذا الحد؟، مع إهمال التصنيع وتطوير القدرة الإنتاجية والتكنولوجية إلى هذا الحد؟، قد يقال إن طه حسين لم يكن يقصد الاقتصاد.. بل الثقافة.
فهل ترك الانفتاح الاقتصادي على النحو الذي طبق في مصر الثقافة على حالها؟ وهل تطورت الثقافة في مصر على نحو أفضل من الاقتصاد؟ ما الذي كان يمكن أن يقوله طه حسين عما حدث لمستوى التعليم في المدارس والجامعات منذ الانفتاح، ومستوى الكتابة الصحفية والبرامج الإذاعية بل والتليفزيونية ، وما حدث للغة العربية من تخريب للغة، وانتشار الروح التجارية إلى تخريب في القيم الثقافية ذاتها .
لا، لا يمكن أن يكون ما حدث للثقافة في مصر، مما يرضى عنه طه حسين بأي حال، ولا بد أنه كان يعني شيئاً آخر من دعوته إلى الأخذ من الغرب: ـ حلوه ومره ـ إلخ. ولكن لا شك لدي أيضاً في أن هذا الذي حدث لم يكن سببه ـ سواء من قريب أو بعيد ـ ما كتبه استاذنا الدكتور طه حسين في 1938.
إن العوامل الأقوى تأثيراً في حالة الثقافة المصرية من أي شيء آخر وكتبه طه حسين أو أي مفكر مصري آخر قبل أو بعد 1938 كانت هي ما حدث في واقع الحياة في مصر والعالم ،
أوروبا حلت محلها أميركا في قيادة مسار الحضارة الغربية، والشركات الكبرى حلت محل الشركات الصغيرة، بل وشيئاً فشيئاً، حلت محل الدولة نفسها، وقفزت السلع والأفكار فوق الحدود القومية، وصار معيار النجاح والفشل في الحياة أو رقي الأمم، ليس التقدم الثقافي وإنما مدى التقدم الاقتصادي، ومعدلات نمو الناتج والتصدير والأرباح ..أليس كل هذا خيبة أمل ؟ .