الحديد والصلب.. والتنصل من إنجازات ثورة 1952
بعد أن قمت بنشر مقالي السابق عن شركة الحديد
والصلب بعنوان "الحديد والصلب.. كان صرحا من جمال فهوى"، ذكرت فيه
تعلقي والشعب المصري بأحد منجزات ثورة 1952 وزعيمها جمال عبد الناصر، إتهمني البعض
بأنني ما زلت أعيش على أطلال الماضي وذكرياته الجميلة، وأن الواقع صار شيئا
مختلفا، وكل زمن وله أحكامه، ورغم أن هذا الاتهام لا يعد تهمة أو شيئا أستحي منه
إلا أنه يجافي الواقع بالفعل..
فعندما رفضت تصفية ذلك الصراح العملاق لم يكن ذلك انطلاقا من الذكريات الوطنية فقط؛ وإنما كذلك من ناحية اقتصادية بحتة، تخضع للمكسب والخسارة لا أكثر دون تدخل العواطف الجياشة التي لا تنكر بالطبع، وأنا أقصد بحسابات المكسب والخسارة أن تصفية ذلك الصرح العملاق هو خسارة كبيرة للاقتصاد المصري، وانتصار لمنظومة من الفساد تسعى لتصفية مقومات الصناعة المصرية التي أسسها الزعيم جمال عبد الناصر، بهدف إضعاف الدولة اقتصاديا وجعلها خاضعة فقط للاستيراد مع سيطرة رأس المال الخاص التي تحول المصريين لعبيد لهذا المال، وتفرض احتكارا بغيضا على السلع التي تخرج من إنتاجها الحكومة والقطاع العام.
الحديد والصلب.. كان صرحا من "جمال" فهوى
ودعونا نناقش بيان وزارة قطاع الأعمال الأخير الذي كشفت الوزارة فيه عن قيام إدارة الشركة بإعلان تحقيق أرباح هامشية "لا تعبر عن الواقع" بحسب البيان، وذلك في أغلب السنوات خلال الفترة من عام 1997 / 1998 حتى الفترة 2002 / 2003 حيث كانت الشركة – كما ذكر البيان- تقوم باستخدام الفروق الدائنة نتيجة لإعادة تقييم الأصول (الأراضى) بلغت 4.92 مليار جنيه، وذلك لتحقيق أرباح وهو ما كان مثار اعتراض من الجهاز المركزى للمحاسبات. وقد حققت شركة الحديد والصلب، خلال الربع الأول من العام المالي الجاري، خسائر بلغت 274.48 مليون جنيه خلال الفترة من يناير حتى سبتمبر الماضي، مقابل خسائر بلغت 367.8 مليون جنيه بالفترة المقارنة من 2019-2020. وتراجعت مبيعات الشركة خلال الربع الأول من العام المالي الجاري إلى 237.72 مليون جنيه، مقابل مبيعات بلغت 280.31 مليون جنيه فى الفترة المقارنة من العام المالي الماضي.
وأضح بيان الوزارة أن السبب الأساسي لتحقيق تلك الخسائر المستمرة هو تقادم التكنولوجيا المستخدمة، وانخفاض تركيز الحديد المستخرج من مناجم الشركة فى الواحات والذي لا يتعدى 50% فى المتوسط، مما يساهم فى الاستهلاك الكبير من فحم الكوك والغاز فى العملية الانتاجية وتضخم التكاليف المباشرة، حيث إن التركيز المطلوب للإنتاج بصورة اقتصادية هو فى حدود 60%.
كما أن سوء حالة الأفران والتوقفات المتكررة للفرن الرابع وصلت الى 92 % قد ساهمت في ارتفاع استهلاك الطاقة، حيث وصل نصيب الطن المنتج من عناصر الطاقة في الحديد والصلب 44.3 مليون وحدة حرارية بريطانية مقابل 20.6 مليون وحدة حرارية بريطانية/طن في المصانع المنافسة، وذلك بخلاف الكوك الذي يصل نصيب الطن منه بالنسبة لشركة الحديد والصلب 1300 كيلو مقابل متوسط عالمي لاستهلاك الطن من 300 – 600 كيلو.
والرد على هذا البيان سهل وبسيط، فقد كان باستطاعة الشركة القابضة للصناعات المعدنية تغيير الإدارة التى تصدر بيانات غير حقيقية، واختيار مجلس إدارة جديد يقوم بالتطوير الذى كانت تحاول الوزارة تحقيقه خاصة بعد ثبوت وجود تضارب فى بيانات إدارة الشركة.
كما أن تقادم التكنولوجيا المستخدمة بالشركة كان يقتضي تدخلا مباشرا من الحكومة بتحديث منظومة الشركة الصناعية لو أرادت الحكومة الاحتفاظ بهذا الصرح العملاق، وعن انخفاض تركيز الحديد المستخرج من مناجم الشركة فى الواحات والذي لا يتعدى 50% فى المتوسط، كان ينبغي دراسة الشركات المنافسة في ذلك، وماذا تفعل تجاه تركيز الحديد، وهل تستورد من الخارج أم تعتمد على المناجم الداخلية؟
خطة التنمية المستدامة متوازنة هذا العام
ثم الحذو حذوها في ذلك السبيل لو كانت هناك إرادة للحفاظ على ذلك الصرح الوطني الخالص، وكان ينبغي دراسة أسباب توقف الأفران عن العمل، وهل ذلك من سوء الإدارة والإسراع بإسناد المصنع لإدارة وطنية تفهم في هذا المجال وتحافظ عليه حتى لو تم الاستعانة في ذلك بخبرة الجيش المصري العظيم بدلا من اللجوء إلى أسهل شيء وهو قرار التصفية.
وكان من الممكن أن تربط الدولة إنتاج ذلك المصنع لتغطية النهضة العمرانية التي تشهدها مصر من خلال وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية التي تقوم بتنفيذ آلاف الوحدات السكنية والمدن الجديدة مثل العاصمة الإدارية والعلمين والجلالة الخ، فإذا ما تم ربط إنتاج مصنع الحديد والصلب بطلب وزارة الإسكان والشركات التابعة لها بالسعر العادل لأمكن ببساطة إنقاذ المصنع وإقالته من عثرته في حالة الإرادة الحكومية للحفاظ على المصنع، لكن يبدو أن التوجه الحكومي هو بيع القطاع العام والتخلص من مشكلاته خاصة مع الشركات التي تحقق خسائر دون النظر إلى كيفية النهضة بمثل هذه الشركات الاستراتيجية الكبرى.
فعندما رفضت تصفية ذلك الصراح العملاق لم يكن ذلك انطلاقا من الذكريات الوطنية فقط؛ وإنما كذلك من ناحية اقتصادية بحتة، تخضع للمكسب والخسارة لا أكثر دون تدخل العواطف الجياشة التي لا تنكر بالطبع، وأنا أقصد بحسابات المكسب والخسارة أن تصفية ذلك الصرح العملاق هو خسارة كبيرة للاقتصاد المصري، وانتصار لمنظومة من الفساد تسعى لتصفية مقومات الصناعة المصرية التي أسسها الزعيم جمال عبد الناصر، بهدف إضعاف الدولة اقتصاديا وجعلها خاضعة فقط للاستيراد مع سيطرة رأس المال الخاص التي تحول المصريين لعبيد لهذا المال، وتفرض احتكارا بغيضا على السلع التي تخرج من إنتاجها الحكومة والقطاع العام.
الحديد والصلب.. كان صرحا من "جمال" فهوى
ودعونا نناقش بيان وزارة قطاع الأعمال الأخير الذي كشفت الوزارة فيه عن قيام إدارة الشركة بإعلان تحقيق أرباح هامشية "لا تعبر عن الواقع" بحسب البيان، وذلك في أغلب السنوات خلال الفترة من عام 1997 / 1998 حتى الفترة 2002 / 2003 حيث كانت الشركة – كما ذكر البيان- تقوم باستخدام الفروق الدائنة نتيجة لإعادة تقييم الأصول (الأراضى) بلغت 4.92 مليار جنيه، وذلك لتحقيق أرباح وهو ما كان مثار اعتراض من الجهاز المركزى للمحاسبات. وقد حققت شركة الحديد والصلب، خلال الربع الأول من العام المالي الجاري، خسائر بلغت 274.48 مليون جنيه خلال الفترة من يناير حتى سبتمبر الماضي، مقابل خسائر بلغت 367.8 مليون جنيه بالفترة المقارنة من 2019-2020. وتراجعت مبيعات الشركة خلال الربع الأول من العام المالي الجاري إلى 237.72 مليون جنيه، مقابل مبيعات بلغت 280.31 مليون جنيه فى الفترة المقارنة من العام المالي الماضي.
وأضح بيان الوزارة أن السبب الأساسي لتحقيق تلك الخسائر المستمرة هو تقادم التكنولوجيا المستخدمة، وانخفاض تركيز الحديد المستخرج من مناجم الشركة فى الواحات والذي لا يتعدى 50% فى المتوسط، مما يساهم فى الاستهلاك الكبير من فحم الكوك والغاز فى العملية الانتاجية وتضخم التكاليف المباشرة، حيث إن التركيز المطلوب للإنتاج بصورة اقتصادية هو فى حدود 60%.
كما أن سوء حالة الأفران والتوقفات المتكررة للفرن الرابع وصلت الى 92 % قد ساهمت في ارتفاع استهلاك الطاقة، حيث وصل نصيب الطن المنتج من عناصر الطاقة في الحديد والصلب 44.3 مليون وحدة حرارية بريطانية مقابل 20.6 مليون وحدة حرارية بريطانية/طن في المصانع المنافسة، وذلك بخلاف الكوك الذي يصل نصيب الطن منه بالنسبة لشركة الحديد والصلب 1300 كيلو مقابل متوسط عالمي لاستهلاك الطن من 300 – 600 كيلو.
والرد على هذا البيان سهل وبسيط، فقد كان باستطاعة الشركة القابضة للصناعات المعدنية تغيير الإدارة التى تصدر بيانات غير حقيقية، واختيار مجلس إدارة جديد يقوم بالتطوير الذى كانت تحاول الوزارة تحقيقه خاصة بعد ثبوت وجود تضارب فى بيانات إدارة الشركة.
كما أن تقادم التكنولوجيا المستخدمة بالشركة كان يقتضي تدخلا مباشرا من الحكومة بتحديث منظومة الشركة الصناعية لو أرادت الحكومة الاحتفاظ بهذا الصرح العملاق، وعن انخفاض تركيز الحديد المستخرج من مناجم الشركة فى الواحات والذي لا يتعدى 50% فى المتوسط، كان ينبغي دراسة الشركات المنافسة في ذلك، وماذا تفعل تجاه تركيز الحديد، وهل تستورد من الخارج أم تعتمد على المناجم الداخلية؟
خطة التنمية المستدامة متوازنة هذا العام
ثم الحذو حذوها في ذلك السبيل لو كانت هناك إرادة للحفاظ على ذلك الصرح الوطني الخالص، وكان ينبغي دراسة أسباب توقف الأفران عن العمل، وهل ذلك من سوء الإدارة والإسراع بإسناد المصنع لإدارة وطنية تفهم في هذا المجال وتحافظ عليه حتى لو تم الاستعانة في ذلك بخبرة الجيش المصري العظيم بدلا من اللجوء إلى أسهل شيء وهو قرار التصفية.
وكان من الممكن أن تربط الدولة إنتاج ذلك المصنع لتغطية النهضة العمرانية التي تشهدها مصر من خلال وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية التي تقوم بتنفيذ آلاف الوحدات السكنية والمدن الجديدة مثل العاصمة الإدارية والعلمين والجلالة الخ، فإذا ما تم ربط إنتاج مصنع الحديد والصلب بطلب وزارة الإسكان والشركات التابعة لها بالسعر العادل لأمكن ببساطة إنقاذ المصنع وإقالته من عثرته في حالة الإرادة الحكومية للحفاظ على المصنع، لكن يبدو أن التوجه الحكومي هو بيع القطاع العام والتخلص من مشكلاته خاصة مع الشركات التي تحقق خسائر دون النظر إلى كيفية النهضة بمثل هذه الشركات الاستراتيجية الكبرى.