رئيس التحرير
عصام كامل

اقتصاد مصر مرهون بصندوق النقد واستقرار الأوضاع السياسية.. يصعب تقويم الأداء الاقتصادي في ظل انطباعات لا يمكن قياسها..تحقيق 3% نمو غير مرضٍ..الإنفاق على العدالة الاجتماعية فاق الإنفاق على دعمها

الرئيس محمد مرسي
الرئيس محمد مرسي

السجال السياسي الذي يشهده الشارع المصري، قد يتفق أو يختلف معه البعض، ولكن الوضع الاقتصادي يمس شريحة كبيرة من المواطنين، وبخاصة أن سقف التوقعات المصريين تجاه تحسن الأوضاع الاقتصادية كان مرتفعًا عقب نجاح ثورة 25 يناير، وكذلك بعد تولي الرئيس المصرى محمد مرسي - كأول رئيس مدني منتخب - في مطلع يوليو- 2012.


ومع نهاية يونيو الحالي، يكون مرسي قد أمضى عامًا في سدة الحكم، والجميع ينتظر كشف حساب عن أداء الاقتصاد المصري خلال هذا العام الذي بدأ في يوليو 2012.

وحتى يكون تقويمنا لأداء الاقتصاد خلال هذا العام موضوعيًا، وبعيدا عن التحيز مع أو ضد الرئيس المصري مرسي، فلابد من تقديم مجموعة من المسلمات بين يدي التحليل، حتى نصل إلى نتائج سليمة، أو على الأقل تتمتع بجزء كبير من المصداقية، ومن هذه المسلمات الآتي:

* إن فترة الرئيس مرسي كما حددها الإعلان الدستوري الذي تمت في ضوئه انتخابات الرئاسة، وكذلك الدستور الجديد الصادر في عام 2012، حددت مدة الرئيس بأربع سنوات، وبالتالي فنحن أمام استحقاق يتعلق بربع المدة التي يجب أن نقوم على أساسها الأداء الاقتصادي خلال حكم الرئيس مرسي.

* إن عملية الإصلاح الاقتصادي على الجانب النظري سهلة ويسيرة، ولكن الانتقال بها على أرض الواقع أمر مختلف تمامًا، نظرًا لتعارض المصالح بين فئات المجتمع المختلفة التي يجب أن تمسها عملية الإصلاح آخذًا وعطاءً.

فمثلًا الجميع لديه قناعة بضرورة تطبيق الضرائب التصاعدية لتحقيق العدالة الاجتماعية، ولكن عند توجه مجلس الشورى لتبني بعض التشريعات الضريبية، ظهرت معارضات رجال الأعمال والبنوك والأشخاص، بحجة أن هذه الضرائب لا تتناسب مع طبيعة المرحلة التي يمر بها الاقتصاد المصري من ركود، أو إضعاف الملاءة المالية للبنوك، أو أن الضرائب استهدفت الأفراد ولم تستهدف الشركات.

* توجد حالة من الشعور بضعف الدولة في هذه المرحلة لدى شرائح مختلفة، وبالتالي فكل منها يعامل من منطق الضغط على الدولة لأخذ أكبر قدر ممكن من المكاسب قبل أن تقوى الدولة وتحول دون حصوله على هذه المكتسبات، وهذه الحالة تنتاب العمال وأصحاب الأعمال، ومن هنا وجدنا الجميع يريد الحصول على كذا وكذا، ولكن الجميع أيضًا لا يريد أن يدفع أو يتحمل كذا وكذا. وهذه الروح لا تساعد على أداء اقتصادي سليم.

* من الصعوبة بمكان أن يقيم الباحث عملية أداء اقتصادي في ظل انطباعات لا يمكن قياسها، مثل عدم الرضا، أو وجود استطلاعات للرأي لا تتفق وقواعد الاستطلاع السليمة، بعيدًا عن عمليات التحيز الإعلامي أو الاستقطاب السياسي، ومن هنا فمن المناسب الاعتماد على أرقام موثقة فيما يتعلق بأداء مؤشرات الاقتصادي الكلي.

وفي هذا الإطار يحاول هذا التحليل الاعتماد على ما صدر من بيانات وتقارير من البنك المركزي المصري، أو تقارير متابعة الخطة لوزارة التخطيط والتعاون الدولي، أو بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

أولًا: المؤشرات الاقتصادية

1. من أبرز المؤشرات التي يشار إليها في أداء الاقتصاد بشكل عام، مؤشر معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، والمتاح حتى الآن من قبل وزارة التخطيط والتعاون الدولي، تقرير المتابعة نتائج النصف الأول من العام المالي 2012/2013، والمنتهي في 30 ديسمبر 2012.

فالناتج المحلي الإجمالي بلغ في ( يوليو – ديسمبر 2012) 883.5 مليار جنيه، وهو يمثل زيادة من حيث القيمة عن الفترات المناظرة في الأعوام 2009/2010 و2010/2011، و2011/2012، ولكن إذا نظرنا إلى معدل التغير في هذه الزيادة فنجد أن الزيادة المتحققة في قيمة الناتج أقل مقارنة بالأعوام السابقة، حيث بلغ معدل التغير بنهاية 30 ديسمبر 2012 بالأسعار الجارية، نحو 11 %، بينما كان في الفترة المناظرة من عام 2011/2012 نحو 12.8 %.

وبالنظر إلى معدل النمو في الناتج بالأسعار الثابتة لنفس الفترة نجد أنها لم تتجاوز 2.4 %، وهو معدل منخفض، ويبين تقرير المتابعة أن سبب بطء معدلات النمو هو تراجع معدلات الاستثمار وصافي الصادرات ومساهمتهما في الناتج المحلي الإجمالي، واعتماد النمو بالناتج بشكل رئيس على الاستهلاك النهائي.

وحتى في ظل هذا الأداء إذا ما أنتهى العام المالي في 30 يونيو القادم بتقديرات تصل لمعدل نمو 3 %، فهي معدلات غير مرضية، لاعتبارات كثيرة منها أن مخرجات سوق العمل السنوية تتطلب معدلات نمو لا تقل عن 7 % لاستقبال نحو 850 ألف فرد كداخلين جدد لسوق العمل، والأمر الثاني هو اعتبارات معدلات الزيادة السكانية التي تصل لنحو 1.9 % سنويًا وتتطلب معدلات نمو اقتصادي ثلاثة أضعاف معدلات نمو الزيادة السكانية.

2. احتياطي النقد الأجنبي وصل نهاية أبريل 2013 إلى 14.4 مليار دولار، مقارنة بنحو 15.5 مليار دولار بنهاية 30 يونيو 2012، أي أن هذا الاحتياطي انخفض على مدار9 أشهر، بنحو 1.1 مليار دولار. ولكن الملاحظ أن طبيعة مكون احتياطي النقد الأجنبي خلال عام 2013 تعتمد على الودائع الأجنبية لدول أخرى، وكذلك التوجه نحو القروض الخارجية.

ويتطلب الأمر تبني سياسات تعمل على تكوين احتياطي يعتمد على عوائد الصادرات والاستثمار الأجنبي المباشر والعوائد الجارية الأخرى مثل السياحة وتحويلات العاملين بالخارج وقناة السويس. مع الأخذ في الاعتبار أن مكون احتياطي النقد الأجنبي في مصر قبل الثورة كان هشًا كذلك، فنحو 10 مليارات من الدولارات كانت تمثل استثمارات الأجانب في أذون الخزانة، ونحو 9.2 مليار دولار كانت تمثل معونات حصلت عليها مصر إبان زلزال 1992، وكذلك عوائد برنامج الخصخصة مثل بيع بنك الإسكندرية ورخصة المحمول الثالثة.

3. يتوقع أن يصل عجز الموازنة بنهاية يونيو 2013 لنحو 12 %، وهو ما يمثل تحديل كبيرا في موازنة عام 2013/2014، حيث تحاول الحكومة الحالية جاهدة ليكون العجز بحدود 9.5 %، ولكن هذا رهن تطبيق حزمة من الإجراءات المتعلق بفرض ضرائب، وترشيد منظومة الدعم.

ولكن لابد من ذكر أن العجز في موازنة 2012/2013 كان مخططًا له أن يكون بحدود 170 مليار جنيه، ولكن الأداء الفعلي يتوقع له أن يصل إلى 200 مليار جنيه، والسبب في هذا التجاوز المطالب الفئوية، وارتفاع معدلات الانفاق في دعم الطاقة والسلع الغذائية.

4. الإنفاق على العدالة الاجتماعية، بلغ الإنفاق على دعم العدالة الاجتماعية خلال النصف الأول من عام 2012/2013 نحو 19.7 مليار جنيه، من خلال دعم (السلع التموينية، المزارعين، إسكان محدودي الدخل، الضمان الاجتماعي، معاش الطفل، مساعدات اجتماعية، نفقات لغير العاملين)

5. الفقر والبطالة من المؤشرات السلبية على الصعيد الاجتماعي خلال العام المنصرم من ولاية محمد مرسي، فالبطالة ارتفعت معدلاتها لتصل إلى نحو 13 % بنهاية الربع الأول من عام 2012/2013. والسبب واضح وهو بطء معدلات النمو، وضعف أداء الاستثمار، وكذلك معدلات الادخار المنخفضة التي لم تزد نسبتها خلال النصف الأول من عام 2013 عن 9 %.

6. تعد السياحة من مبشرات الأداء الاقتصادي المصري، وعلى الرغم من الأحداث السياسية المضطربة خلال العام، فقد زادت معدلات السياحة خلال النصف الأول من عام 2012/2013 بنحو 10 % سواء فيما يتعلق بأعداد السائحين أو الإيرادات السياحية، حيث بلغ عدد السائحين خلال الفترة 6.2 مليون سائح، بعوائد سياحية نحو 5.5 مليار دولار.

وتراهن مصر على أن يصل أداء القطاع السياحي إلى معدلات عام 2010 بنهاية يونيو 2013. وتعول مصر كذلك على تدفق سياحي خلال المرحلة المقبلة يفوق معدلات الأداء في عام 2012/2013، ولكن ذلك مرهون بوجود تحسن على الصعيد الأمني والسياسي.

ثانيًا: توقعات المستقبل

قبل توقعات المستقبل بالنسبة لأوضاع الاقتصاد المصري في عهد الرئيس محمد مرسى لابد أن نركز على مجموعة من المبادئ، أولها أنه من الصعوبة بمكان أن ننتظر أداء إيجابي للاقتصاد المصري في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني، وثانيها أن استهداف بعض السياسيين للاقتصاد المصري كمرمي للعراك السياسي يمثل أكبر معوق لأداء إيجابي لهذا الاقتصاد. ويمكننا أن نشير إلى بعض التوقعات بشأن أداء الاقتصاد المصري خلال العام المالى القادم 2013-2014 الذي يبدأ في أول يوليو / تموز من كل عام فيما يلي:

· قد تتمكن الحكومة المصرية من انجاز اتفاقها مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بنحو 4.8 %، ومن شأن هذا الأمر أن يؤدي إلى تحسين إيجابي في أداء الاقتصاد بشكل عام، ولكن في المقابل فإن هناك تحديا يواجه صانع السياسة الاقتصادية، وهو كيفية تمرير متطلبات هذا الاتفاق دون وجود مزيد من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية على محدودي الدخل والشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة.

والسيناريو الثاني هو فشل هذه المحادثات، وبالتالي يظل الاقتصاد المصري رهن الحلول المحلية التي تتطلب تحمل الجميع لتكلفة عدم الاقتراض والاستمرار في حالة الاستمرار في دفع فاتورة تقليص النفقات العامة من خلال ترشيدها، وأثر ذلك على الخدمات والسلع العامة.

· يمثل الوضع الراهن للصادرات المصرية فرصة كبيرة، ظل المصدرون يطالبون بها على مدى السنوات الماضية وهي انخفاض قيمة الجنيه المصري، حيث انخفضت قيمة الجنيه بنحو 16 % عما كان عليه الوضع مطلع عام 2013، وبالتالي يتوقع أن تزيد الصادرات المصرية من حيث القيمة، ويبقى التحدي أن تزيد من حيث الكمية، حتى يكون مؤشر الزيادة حقيقي وليس خادعًا.

· على الرغم من التحسن الظاهر في أداء قطاع السياحة، فإنه ينبغي أن يقرأ ذلك في ضوء الأداء التاريخي لقطاع السياحة على مدى العقود الماضية، من حيث شدة حساسيته للأجواء الإقليمية والعالمية، مما يجعلنا نتخوف من الاعتماد عليه بشكل دائم في انعاش الاقتصاد المصري.
الجريدة الرسمية