رئيس التحرير
عصام كامل

رقصة الموت


شعب مصر هو القابض الوحيد على صولجان الحكم في أم الدنيا ولا يوجد أي متوهم آخر له ذلك الشرف، وقد يبدو للبعض أن مربع السلطة في مصر يغرد دائما منفردا بعيدا عن السرب العام.. لكن هذه ليست الحقيقة فالشعب المصري منذ أن أسقط قناع إلوهية الفرعون وهو الذي يبقى ولا يصمد أمام بقائه أي كائن من كان، يأتي من الجبابرة والطغاة ويأتي من هم أعتي أشرار الأرض ولا يجدون للبقاء سبيلا أمام حكمة وصبر الإنسان المصري صانع تاريخ البشرية .



فقد تسابق الطغاة في كيفية حماية عروشهم ولم يفلح منهم أحد، حُكمت مصر على مدار تاريخها العريض من الأشرار وسافكي الدماء واللصوص من كل بقاع الأرض.. ولكنهم لم يدخلوا التاريخ المصري العظيم كأبناء لأم الدنيا بل افترسهم التراب وكفنت سيرتهم الأيام ولم يتبقي منهم سوي الفناء، فمعركة البقاء مع الشعب المصري ليس لحاكم أن يصمد فيها ابدا والتاريخ يشهد دائماً للشعب المصري بأنه هو الذي يصنعه وليس الحكام.. فبساطة ابن النيل هي التي ترسم ببراعة ملامح التاريخ وترسخ أركانه للأجيال المتعاقبة وهذا هو قدس الأقداس الذي طرد منه فرعون ليسكن فيه الابن البكر للحضارة الإنسانية ( المصري البسيط )، الذي يمتد عمره لآلاف السنين فالأهرام تستمد صلابتها من وجوده وعظمة مصر الحقيقية تكمن في أعماقه .

فأين أنت اليوم أيها الحاكم بأمر.. الله أين ذهبت أحلامك الدكتاتورية وطموحاتك المختلة؟! فقد توهمت أنك صاحب الصولجان ولكن خذلك القدر وسقطت من ذمة التاريخ في غفلة من الزمن.. وكل ما تبقى منك في ذاكرتنا اليوم هو فقط الاسم، وأين هو بطش وجبروت قراقوش ذلك المملوك المطيع لصلاح الدين كان مصدر ثقة كبيرة لديه وفعل بالمصريين الكثير من ألوان الهوان والذل، كان يطاع من الناس في بادئ الأمر، حتي تحول مع الوقت إلى مادة للسخرية وسقط اسمه الحقيقي ولم يتبق منه سوى الاسم الذي أطلقه عليه الشعب المصري (قراقوش) وهو طائر أسود اللون مكروه لدى كل الشعب منذ آلاف السنين .

وأين ذهب التاريخ بسيرة (أراجوز) ذلك الحاكم العجيب الأطوار الذي أرهق الناس بقراراته المتضاربة والمضحكة في نفس الوقت.. فتحول هذا الرجل إلى دومية صغيرة يلهو بها الناس في الأعياد وحفلات السمر ويضحكون كثيراً كلما شاهدوها، هذا كل ما تبقي من الحاكم "أراجوز" .

وأين هو اليوم كبرياء الغوري؟ لقد كان يتمتع بشخصية جذابة وذات هيبة ووقار لا يقاوم.. أحبه المصريون في سنوات حكمه الأولى حتى بدأ يتصاعد الكبرياء والتعالي من داخله، هنا أخذ الشعب يحتقره ولا يبالي بهيبته ولم يعد يفتخر بوقاره فكانت نهاية الغوري الغريبة الرهيبة.. فقد ذبح في أرض المعركة وتم إخفاء رأسه وكل علامات الهيبة والوقار من على جثته كي لا يسقط في يد العدو فيمثل به وبشرف مصر ولم يعرف لجثته مكان حتى اليوم.. أين ذهبت الهيبة وأين ذهب الوقار!! إلى التراب إلى مزبلة الذاكرة المصرية إلى هاوية النسيان ..

نعم هذا هو المصير الأخير، فانظروا جيدا يا من تسبحون اليوم ضد أمواج الضمير المصري العام، سوف يجرفكم تيار التاريخ ويذهب بكم إلى أحضان التراب كما فعل مع من كانوا قبلكم، وهناك لن تجدوا من يذكركم بكلمة خير واحدة بل سيكون الحساب عسيرا، ضاعت منكم الفرصة الأخيرة ولم يتبق لكم سوى رقصة الموت كي نغلق هذه الصفحة السوداء من تاريخنا العظيم ونبدأ صفحة جديدة وعهدا جديدا، وسيبقى الشعب المصري دائماً شامخا في آفاق الأزمان صامدا يتحدى الأيام.. عاشت أم الدنيا.

الجريدة الرسمية