رئيس التحرير
عصام كامل

غطاء مطروح الأخضر.. الزراعة تتحدى الجفاف والملوحة لتطوير أكبر مرعي طبيعي في مصر

زراعة الشعير على
زراعة الشعير على الأمطار في مطروح
تبدو محافظة مطروح مذهلة بما يكفي في الشتاء كما هو حالها خلال الصيف، فالمدينة السياحية التي أصبحت الوجهة الأولى للمصريين هربا من حرارة الطقس في الوادي، تتألق على غير عادتها برداء أخضر ناعم مع تساقط الأمطار  في موسم ينتظره كل أبناء مطروح لتتصالح معهم الطبيعة وتمنحهم الماء والزرع لأسابيع معدودة قبل أن يحل الجفاف من جديد.




مساحات الشعير المزرع على مياه الأمطار في غرب مطروح

على جنبات أغلب الطرق التي ستتجول فيها داخل مرتفعات ووديان مطروح سيلفت نظرك تحول الصحراء إلى اللون الأخضر بفضل نمو حبات الشعير ونباتات المراعي الطبيعية التي تنمو على مياه الأمطار المتساقطة خلال شهور الشتاء.



طريق رملية شقتها السيارات وسط زراعات الشعير

وفرة اللون الأخضر ما كانت لتحدث إلا بتدخل علمي يحافظ على هذا الغطاء الخضري، ويعمل على استدامته، وهو أحد الأدوار التي يؤديها مركز التنمية المستدامة لموارد مطروح التابع لمركز بحوث الصحراء الذي بدأ عمله لتنمية ثاني أكبر محافظات مصر عام 1996.

ويقول المهندس محمود الأمير مدير مركز التنمية المستدامة لموارد مطروح أن المركز يعمل بشكل دائم على توفير الأعلاف اللازمة لتنمية الثروة الحيوانية في مطروح والتي تمتاز بوفرة سلالاة الأغنام البرقي الشهيرة حيث تنمو المراعي الطبيعية على مساحات تقارب نصف مليون فدان، ويعمل المركز على تنمية وإكثار النباتات الحولية والمعمرة الطبيعية في مناطق مطروح المختلفة لضمان استدامة الأعلاف الخضراء خلال فصول الشتاء. 



قطعان أغنام البرقي ترعى في الوديان التي نبتت الأعشاب فيها على مياه الأمطار

ولفت الأمير إلى أن أهم نباتات المراعي الطبيعية هي القطف والأكاسيا ونبات البرشيم الشجيري وهي من المعمرات التي تتواجد أغلب فترات السنة وجميعها تم اكثارها وزيادة مساحاتها في مناطقها الأساسية، كما توجد نباتا تصنف من الحوليات التي تنبت في الشتاء فقط وهي الغرمبوش والتفل والاقحوان والكريشات إلى جانب نباتات الحلاب والرتم.

وبدأ المركز خلال السنوات الثلاثة الأخيرة في إدخال نبات البنيكام الغني بالبروتين والمتحمل للملوحة والجفاف إلى منظومة الأعلاف الخضراء في مطروح.



وأكد المهندس محمود الأمير أن نبات البنيكام يمتاز بأنه محصول علفي صيفي متحمل للملوحة والجفاف وهو ما يجعله حل متميز لسد فجوة الأعلاف خلال فترة الصيف التي يعتمد فيها رعاة الأغنام والمربين في مطروح على الأعلاف الجافة وهو ما يشكل تكلفة مرهقة لهم، لذلك عمل مركز التنمية المستدامة على اختبار وأقلمة نبات البنيكام خلال السنوات الثلاثة الماضية وتم زراعته على مياه مرتفعة الملوحة حتى 10 ألاف درجة في المليون في مطروح وعلى مياه أكثر عذوبة في واحة سيوة واختبار أقلمته في المناطق الهامشية الخالية من النباتات الحولية والمعمرة في مطروح وأثبت نجاح كبير وبدأنا خلال عام 2020 في توزيع شتلاته على المزارعين من الأهالي إلى جانب زراعته في المناطق الهامشية وانتجنا خلال عام واحد أكثر من 300 ألف شتلة لزراعة 10 آلاف فدان من البنيكام.

وأوضح أن جهود تنمية المراعي الطبيعية تأتي في إطار تنمية الثروة الحيوانية في مطروح للحافظ على السلالات المميزة من أغنام البرقي وتنميتها، حيث يبلغ تعداد أغنام البرقي في مطروح قرابة 500 ألف رأس، ونستهدف تنميتها إلى مليون رأس وهو التعداد الذي وصلت إليه القطعان خلال فترة التسعينيات حيث كان يتم تصدير ما لا يقل عن 300 ألف رأس لدول الخليج العربي، ونحن الأن نطمح إلى العودة لتصدير أعداد من أغنام البرقي في المستقبل خاصة مع فتح باب تصدير الأغنام مرة اخرى بفضل جهود وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي والوزير السيد القصير في هذا الملف.

وكشف المهندس محمود الأمير عن أن زراعة الشعير على الأمطار تعتبر أحد أهم وسائل إنتاج الأعلاف في مطروح حيث وزع مركز التنمية المستدامة لموارد مطروح 140 طن من تقاوي الشعير مجانا على أهالي مطروح، وفق توجيهات السيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضي خلال زيارته الأخيرة لمطروح، حيث وصلت مساحات المنزرع من الشعير على الامطار إلى 4600 فدان بإنتاجية متوقعة من 5 :6 أردب للفدان.


وشدد الأمير على أن المساحات التي يمكن تنميتها كمراعي طبيعية في مطروح تبلغ قرابة 4 ملايين فدان تحتاج إلى عمل مستمر وكبير خلال السنوات المقبلة للمساهمة في تعزيز نمو الثروة الحيوانية في مطروح.


أهالي مطروح من قاطني المرتفعات الخضراء شتاءً والجرداء صيفاً نجحوا عبر أجيال في التماهي مع تلك الطبيعة المتطرفة في خيرها وجدبها، فمنذ 3 عقود ويعمل الأهالي بمساعدة علماء مركز بحوث الصحراء في استكشاف الآبار الرومانية القديمة التي تصل مساحة بعضها إلى 5 آلاف متراً تحت الأرض وهى بعد استكشافها وتأهيلها تعمل بنفس مهمتها الأولى وقت نحتها، وتصبح خزانات ضخمة لمياه الأمطار ومصدر الحياه للإنسان والحيوان والنباتات.


خالد بدر من أهالي مطروح يهوى جمع الأعشاب الخضراء والفطر الذي ينمو بفعل الطبيعة في صحراء مطروح مع موسم الأمطار، يقول "أن المطر يهدي إلى أهالي مطروح الحياة بكافة أشكالها ومنها هذه الأعشاب التي تنمو بذورها مع كل موسم ونكون حريصين جداً في عمليه قطفها لتنمو من جديد خلال نفس الموسم وفي الموسم المقبل أيضاً فالحياة في قيظ الصحراء على المرتفعات تعلم الإنسان الحرص على موارد الحياة المحدودة، ومنها أيضا الفطر الأبيض غير السام وهو يشبه جدا "المشروم" المزروع من قبل البشر ولكن يتميز الفطر "الرباني" النامي في قلب صحراء مطروح بفضل عوامل الطبيعة المختلفة بفوائد غذائية كبيرة إلى جانب نكهة مركزة عن الفطر العادي المنتشر في الأسواق بالإسكندرية والقاهرة.


خالد يقطف الأعشاب ويحصد الفطر

يتمنى خالد أن يتم التوسع في عملية حفر الآبار واستكشاف الآبار الرومانية فوفقاً لرؤيته خلال موسم الأمطار الجاري فأن معدل تساقط المطر قد تزايد عن الأعوام الماضية وهو ما أهدر كميات من المياه إلى البحر من أعلى المرتفعات وذلك رغم حفر أكثر من 10 ألاف بئر نشو للأهالي بمساحات متوسطة واستكشاف وتطهير وتجهيز 800 بئر روماني من قبل مركزالتنمية المستدامة لموارد مطروح بالتعاون مع المحافظة".

الأمر ذاته يتمناه راضي علي من أهالي قرى غرب مطروح خاصة مع زيادة رغبة الأهالي في احتراف الزراعة بالمعاملات الزراعية الجديدة التي تعرفوا عليها عبر علماء مركز التنمية المستدامة لموارد مطروح، وحققت نجاح كبير في زراعات التين والزيتون وعنب براني حيث أصبحت الثمار الثلاثة علامة مميزة لمحافظة مطروح.

يقول راضي أن تطور الحياه في مطروح بعد جهود حفر الآبار وحصاد الأمطار بالطرق المختلفة يدفع عجلة التطوير داخل المحافظة إلى ضرورة عدم الاعتماد على الأمطار فقط كوسيله ري للشعير الذي ينمو فقط على مياه الأمطار بعد زراعته بنظام "العفير" وتركه للتعاطي مع مياه الأمطار والتربة دون تدخل من المزارعين إلا وقت الحصاد.

راضي يأمل في زيادة الانتاج من محصول الشعير في مطروح قريبا لتحقيق الاكتفاء لكل أهالي صحراء المحافظة أغلب العام، وفي نفس الوقت توفير المرعى الطبيعي المميز لأغنام البرقي التي تعتبر رأس مال كثير من الأهالي في مطروح، حيث تبلغ إنتاجية الفدان في الوقت الحالي أقل من طن، على أمل أن تزداد تلك الإنتاجية بمزيد من حفر الآبار وزيادة المساحات المنزرعة في المنطقة وتنظيم الزراعة والسحب من المياه الجوفية في المستقبل.
الجريدة الرسمية