هل يجوز للمسلم أن يأكل من ذبيحة اليهود والنصارى؟.. دار الإفتاء تجيب
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "هل يجوز للمسلم أن يأكل من ذبيحة اليهود والنصارى"، وجاء رد الدار كالتالي:
إن جمهور المفسرين للقرآن والفقهاء قد قالوا بمثل ما جاء في هذا التفسير المترجم؛ إذ قالوا: إن المراد من كلمة: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ﴾ [ المائدة: 5] في هذه الآية الذبائح أو اللحوم؛ لأنها هي التي كانت موضع الشك، أما باقي أنواع المأكولات فقد كانت حلالًا بحكم الأصل، وهي الإباحة والحل، فقد نقل ابن جرير وابن المنذر والبيهقي وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ﴾؛ أي ذبائحهم.
وأما ما جاء بالسؤال من أن اليهود والنصارى لا يُسَمُّون على الذبائح وقت الذبح باسم الله تعالى، فقد سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا حسبما رواه الدارقطني قال: إن قومًا سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن لحمٍ يأتيهم من ناس لا يُدرى أسَمُّوا الله عليه، أم لا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «سَمُّوا الله أنتُمْ وكُلُوا».
هل يجوز للمسلم أن يأكل من ذبيحة النصارى
كما حفلت كتب السنة والسيرة بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأكل من ذبائح اليهود دون أن يسأل هل سَمُّوا الله عند الذبح، أم لا؟ وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم.
وأما ما جاء بالسؤال من أن النصارى لا يذبحون، وإنما يُمِيتُون الحيوان بالخنق أو بضرب الرأس بنحو المسدس: فإنه إذا تبين أن الحيوان مخنوقٌ وأنه لم يُذبَح من المحلِّ المعروف بقطع الأربعة العروق؛ الودجين والمريء والحلقوم أو أكثرها، كان على المسلم الامتناع عن أكل لحمه؛ لأنه يدخل بهذا الاعتبار في الآية الأخرى في سورة المائدة: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ﴾ [المائدة: 2].
هل يجوز للمسلم أن يأكل من ذبيحة النصارى
لَمَّا كان هذا هو ما نقله المفسرون والفقهاء وأصحاب كتب السنة تفسيًرا لهذه الآية وهو موافق للترجمة الواردة في السؤال كان ما قال به ذلك المفسر في ترجمته على هذا الوجه الوارد بالسؤال صوابًا لا خروج فيه على حكم الإسلام
كما أوضحت دار الإفتاء أن هناك العديد من الشبهات المنتشرة بين أوساط بعض المسلمين حول حكم بناء الكنائس وترميمها، وكان من ضمن هذه الشبهات هي:
بناء الكنائس والبِيَع حرام؛ حيثُ إنَّ المساجد بيوت عبادة الله للمسلمين، والكنائس والبِيَع معابد اليهود والنصارى يعبدون فيها غير الله، والأرض لله عز وجل، وقد أمر ببناء المساجد وإقامة العبادة فيها لله عز وجل، ونهى سبحانه عن كل ما يُعبَد فيه غير الله؛ لِمَا فيه من إقرار بالباطل، وتهيئة الفرصة للقيام به، وغش الناس بوضعه بينهم، قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18]، وقال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].
وبهذا يُعلم أنَّ السماح والرضا بإنشاء المعابد الكفرية؛ مثل الكنائس، أو تخصيص مكان لها في أي بلد من بلاد الإسلام، من أعظم الإعانة على الكفر وإظهار شعائره، والله عز شأنه يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2]، وجاء رد الكتور شوقي علام مفتي الجمهورية على هذه الشبهة كالتالي:
حكم بناء الكنائس
بناء الكنائس والبِيَع حرام؛ حيثُ إنَّ المساجد بيوت عبادة الله للمسلمين، والكنائس والبِيَع معابد اليهود والنصارى يعبدون فيها غير الله، والأرض لله عز وجل، وقد أمر ببناء المساجد وإقامة العبادة فيها للهِ عز وجل، ونهى سبحانه عن كل ما يُعبَد فيه غير الله؛ لِمَا فيه من إقرار بالباطل، وتهيئة الفرصة للقيام به، وغش الناس بوضعه بينهم، قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18]، وقال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].
وبهذا يُعلم أنَّ السماح والرضا بإنشاء المعابد الكفرية؛ مثل الكنائس، أو تخصيص مكان لها في أي بلد من بلاد الإسلام، من أعظم الإعانة على الكفر وإظهار شعائره، والله عز شأنه يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2].
الجواب:
أمر الإسلام أتباعه بترك الناس وما اختاروه من أديانهم، ولم يُجبِرْهم على الدخول في الإسلام قهرًا، وسمح لهم بممارسة طقوس أديانهم في دور عبادتهم، وضمن لهم من أجل ذلك سلامة دور العبادة، وأَوْلاها عناية خاصة؛ فحرم الاعتداء بكافة أشكاله عليها.
وجعل القرآن الكريم تغلُّب المسلمين وجهادهم لرفع الطغيان ودفع العدوان وتمكين الله تعالى لهم في الأرض سببًا في حفظ دور العبادة من الهدم وضمانًا لأمنها وسلامة أصحابها، سواء أكانت للمسلمين أم لغيرهم، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ۞ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [الحج: 40-41].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "الصوامع: التي تكون فيها الرهبان، والبِيَع: مساجد اليهود، وصلوات: كنائس النصارى، والمساجد: مساجد المسلمين" أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم في "التفسير".
وقال مقاتل بن سليمان في "تفسيره" (2/ 385، ط. دار الكتب العلمية) عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا﴾: [كل هؤلاء الملل يذكرون اللهَ كثيرًا في مساجدهم، فدفع الله عز وجل بالمسلمين عنها] اهـ.
وبذلك جاءت السنة النبوية الشريفة؛ فكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأسقف بني الحارث بن كعب وأساقفة نجران وكهنتهم ومن تبعهم ورهبانهم: «أنّ لهم على ما تحت أيديهم من قليل وكثير من بيعهم وصلواتهم ورهبانيتهم، وجوار الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ألّا يُغَيَّرَ أسقف عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا كاهن عن كهانته، ولا يغير حق من حقوقهم، ولا سلطانهم، ولا شيء مما كانوا عليه؛ ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم، غيرَ مُثقَلين بظلم ولا ظالمين» أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب "الأموال" (ص: 244، ط. دار الفكر)، وأبو عمر بن شبة النُّمَيْري في "تاريخ المدينة المنورة" (2/ 584-586، ط. دار الفكر)، وابن زنجويه في "الأموال" (2/ 449، ط. مركز فيصل للبحوث)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (1/ 264، ط. دار صادر)، والحافظ البيهقي في "دلائل النبوة" (5/ 389، ط. دار الكتب العلمية)، وذكره الإمام محمد بن الحسن الشيباني في كتاب "السير" (1/ 266، ط. الدار المتحدة للنشر).
دليل مشروعية بناء الكنائس
وقد كلفت الشريعة الإسلامية المسلمينَ بتوفير الأمان لأهل الكتاب في أداء عبادتهم، وهذا كما يقتضي إبقاء الكنائس ودور العبادة على حالها من غير تعرض لها بهدم أو تخريب، وإعادتها إذا انهدمت أو تخربت، فإنه يقتضي أيضًا جواز السماح لهم ببناء الكنائس وأماكن العبادة عند احتياجهم إلى ذلك؛ فإن الإذنَ في الشيء إذنٌ في مُكَمِّلات مَقصودِه؛ كما يقول الإمام أبو الفتح بن دقيق العيد في "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (ص: 479، ط. مؤسسة الرسالة)، [والرضا بالشيء رضًا بما يتولد عنه] اهـ. كما نصَّ على ذلك الإمام السبكي في "الأشباه والنظائر" (1/ 456، ط. دار الكتب العلمية)، والإمام السيوطي في "الأشباه والنظائر" (4/ 410، ط. مؤسسة الرسالة).
وإلا فكيف يُقرّ الإسلام أهل الذمة على بقائهم على أديانهم وممارسة شعائرهم ثم يمنعهم من بناء دور العبادة التي يتعبدون فيها عندما يحتاجون ذلك! فما دام أنَّ المسلمين قد ارتضوا بمواطنة غير المسلمين، ومعايشتهم، وتركهم وما يعبدون، والحفاظ على مقدساتهم وأماكن عبادتهم؛ فينبغي أن يجتهدوا في توفير دور العبادة لهم وسلامة تأديتهم لعبادتهم.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أقرَّ في عام الوفود وفد نصارى نجران على الصلاة في مسجده الشريف، والمسجد هو بيت الله المختص بالمسلمين، فإنه يجوز -مِن باب أَوْلَى- بناءُ الكنائس ودور العبادة التي يؤدون فيها عباداتهم وشعائرهم التي أقرهم المسلمون على البقاء عليها إذا احتاجوا لذلك:
فروى ابن إسحاق في "السيرة" -ومن طريقه ابن جرير في "التفسير" واللفظ له، والبيهقي في "دلائل النبوة"- عن محمد بن جعفر بن الزبير: أن وفد نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة، فدخلوا عليه في مسجده حين صلى العصر، عليهم ثياب الحبرات جُبَبٌ وأردية في بلحارث بن كعب، قال: يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ: ما رأينا بعدهم وفدًا مثلهم، وقد حانت صلاتهم، فقاموا يُصلُّون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -زاد في "السيرة" و"الدلائل": فأراد الناس منعهم-، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «دَعُوهُم»، فصلَّوْا إلى المشرق.
وعلى ذلك جرى عمل المسلمين عبر تاريخهم المشرف وحضارتهم النقية وأخلاقهم النبيلة السمحة؛ منذ العصور الأولى وعهود الصحابة والتابعين وهلم جرًّا.
فنصَّ عالِما الديار المصرية: الإمام المجتهد المحدث الفقيه أبو الحارث الليث بن سعد، والإمام المحدث قاضي مصر أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة على أن كنائس مصر لم تُبْنَ إلا في الإسلام، وأشارا على والي مصر في زمن هارون الرشيد موسى بن عيسى بإعادة بناء الكنائس التي هدمها مَن كان قبله، وجعلا ذلك مِن عمارة البلاد، وكانا أعلم أهل مصر في زمنهما بلا مدافعة.
فروى أبو عمر الكندي في كتاب "الولاة والقضاة" (ص: 100، ط. دار الكتب العلمية): [أن مُوسَى بْن عيسى لمّا ولِّيَ مصر من قِبَل أمير المؤمنين هارون الرشيد أَذِن للنصارى فِي بُنْيان الكنائس التي هدمها عليّ بْن سُليمان، فبُنيت كلّها بمشْوَرة الليث بْن سعد وعبد الله بْن لَهِيعة، وقالا: هُوَ من عِمارة البِلاد، واحتجَّا أن عامة الكنائس التي بِمصر لم تُبْنَ إلَّا فِي الْإِسْلَام فِي زمَن الصحابة والتابعين] اهـ.
وقال الإمام أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الحكم في "فتوح مصر والمغرب" (ص: 159، ط. مكتبة الثقافة الدينية): [وأوَّل كنيسة بنيت بفسطاط مصر، كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة، عن ابن لهيعة، عن بعض شيوخ أهل مصر، الكنيسة التي خلف القنطرة أيام مسلمة بن مخلّد، فأنكر ذلك الجند على مسلمة وقالوا له: أتقّر لهم أن يبنوا الكنائس! حتى كاد أن يقع بينهم وبينه شرّ، فاحتجّ عليهم مسلمة يومئذ فقال: إنها ليست في قيروانكم، وإنما هي خارجة في أرضهم، فسكتوا عند ذلك] اهـ.
ويذكر المؤرخون أنه قد بُنِيت في مصر عدة كنائس في القرن الأول الهجري، مثل كنيسة "مار مرقص" بالإسكندرية ما بين عامي (39هـ) و (65هـ)، وفي ولاية مسلمة بن مخلد على مصر بين عامي (47هـ) و (68هـ) بُنِيت أول كنيسة بالفسطاط في حارة الروم، كما سمح عبد العزيز بن مروان حين أنشأ مدينة "حلوان" ببناء كنيسة فيها، وسمح كذلك لبعض الأساقفة ببناء ديرين.
ويذكر العلامة المؤرخ المقريزي في خطط مصر المُسمَّى "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" (4/ 374، ط. دار الكتب العلمية) أمثلة عديدة لكنائس أهل الكتاب، ثم يقول بعد ذلك: [وجميع كنائس القاهرة المذكورة محدَثة في الإسلام بلا خلاف] اهـ.
وأنَّ ما قاله جماعة من الفقهاء بمنع إحداث الكنائس في بلاد المسلمين: هي أقوال لها سياقاتها التاريخية وظروفها الاجتماعية المتعلقة بها؛ حيث مرت الدولة الإسلامية منذ نشأتها بأحوال السلم والحرب، وتعرضت للهجمات الضارية والحملات الصليبية التي اتخذت طابعًا دينيًّا يغذيه جماعة من المنتسبين للكنيسة آنذاك، مما دعا فقهاء المسلمين إلى تبني الأقوال التي تساعد على استقرار الدولة الإسلامية والنظام العام من جهة، ورد العدوان على عقائد المسلمين ومساجدهم من جهة أخرى. ولا يخفى أن تغير الواقع يقتضي تغير الفتوى المبنية عليه؛ إذ الفتوى تتغير بتغير العوامل الأربعة (الزمان والمكان والأشخاص والأحوال).
ولا يصح جعل هذه الأقوال حاكمة على الشريعة بحال؛ إذ لا يوجد نص شرعي صحيح صريح يمنع بناء الكنائس ودور العبادة وإحداثها في بلاد المسلمين عندما يحتاج إليها أهل الكتاب من رعايا الدولة الإسلامية، بل الأدلة الشرعية الواضحة ومُجمَل التاريخ الإسلامي وحضارة المسلمين -بل وبقاء الكنائس والمعابد نفسها في طول بلاد الإسلام وعرضها، وشرقها وغربها، في قديم الزمان وحديثه، واستحداث كثير منها في بلاد المسلمين في العهود الإسلامية -كل ذلك يشهد بجلاء كيف احترم الإسلام دور العبادة وأعطاها من الرعاية والحماية ما لم يتوفر لها في أي دين أو حضارة أخرى.
إن جمهور المفسرين للقرآن والفقهاء قد قالوا بمثل ما جاء في هذا التفسير المترجم؛ إذ قالوا: إن المراد من كلمة: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ﴾ [ المائدة: 5] في هذه الآية الذبائح أو اللحوم؛ لأنها هي التي كانت موضع الشك، أما باقي أنواع المأكولات فقد كانت حلالًا بحكم الأصل، وهي الإباحة والحل، فقد نقل ابن جرير وابن المنذر والبيهقي وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ﴾؛ أي ذبائحهم.
وأما ما جاء بالسؤال من أن اليهود والنصارى لا يُسَمُّون على الذبائح وقت الذبح باسم الله تعالى، فقد سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا حسبما رواه الدارقطني قال: إن قومًا سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن لحمٍ يأتيهم من ناس لا يُدرى أسَمُّوا الله عليه، أم لا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «سَمُّوا الله أنتُمْ وكُلُوا».
هل يجوز للمسلم أن يأكل من ذبيحة النصارى
كما حفلت كتب السنة والسيرة بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأكل من ذبائح اليهود دون أن يسأل هل سَمُّوا الله عند الذبح، أم لا؟ وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم.
وأما ما جاء بالسؤال من أن النصارى لا يذبحون، وإنما يُمِيتُون الحيوان بالخنق أو بضرب الرأس بنحو المسدس: فإنه إذا تبين أن الحيوان مخنوقٌ وأنه لم يُذبَح من المحلِّ المعروف بقطع الأربعة العروق؛ الودجين والمريء والحلقوم أو أكثرها، كان على المسلم الامتناع عن أكل لحمه؛ لأنه يدخل بهذا الاعتبار في الآية الأخرى في سورة المائدة: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ﴾ [المائدة: 2].
هل يجوز للمسلم أن يأكل من ذبيحة النصارى
لَمَّا كان هذا هو ما نقله المفسرون والفقهاء وأصحاب كتب السنة تفسيًرا لهذه الآية وهو موافق للترجمة الواردة في السؤال كان ما قال به ذلك المفسر في ترجمته على هذا الوجه الوارد بالسؤال صوابًا لا خروج فيه على حكم الإسلام
كما أوضحت دار الإفتاء أن هناك العديد من الشبهات المنتشرة بين أوساط بعض المسلمين حول حكم بناء الكنائس وترميمها، وكان من ضمن هذه الشبهات هي:
بناء الكنائس والبِيَع حرام؛ حيثُ إنَّ المساجد بيوت عبادة الله للمسلمين، والكنائس والبِيَع معابد اليهود والنصارى يعبدون فيها غير الله، والأرض لله عز وجل، وقد أمر ببناء المساجد وإقامة العبادة فيها لله عز وجل، ونهى سبحانه عن كل ما يُعبَد فيه غير الله؛ لِمَا فيه من إقرار بالباطل، وتهيئة الفرصة للقيام به، وغش الناس بوضعه بينهم، قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18]، وقال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].
وبهذا يُعلم أنَّ السماح والرضا بإنشاء المعابد الكفرية؛ مثل الكنائس، أو تخصيص مكان لها في أي بلد من بلاد الإسلام، من أعظم الإعانة على الكفر وإظهار شعائره، والله عز شأنه يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2]، وجاء رد الكتور شوقي علام مفتي الجمهورية على هذه الشبهة كالتالي:
حكم بناء الكنائس
بناء الكنائس والبِيَع حرام؛ حيثُ إنَّ المساجد بيوت عبادة الله للمسلمين، والكنائس والبِيَع معابد اليهود والنصارى يعبدون فيها غير الله، والأرض لله عز وجل، وقد أمر ببناء المساجد وإقامة العبادة فيها للهِ عز وجل، ونهى سبحانه عن كل ما يُعبَد فيه غير الله؛ لِمَا فيه من إقرار بالباطل، وتهيئة الفرصة للقيام به، وغش الناس بوضعه بينهم، قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18]، وقال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].
وبهذا يُعلم أنَّ السماح والرضا بإنشاء المعابد الكفرية؛ مثل الكنائس، أو تخصيص مكان لها في أي بلد من بلاد الإسلام، من أعظم الإعانة على الكفر وإظهار شعائره، والله عز شأنه يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2].
الجواب:
أمر الإسلام أتباعه بترك الناس وما اختاروه من أديانهم، ولم يُجبِرْهم على الدخول في الإسلام قهرًا، وسمح لهم بممارسة طقوس أديانهم في دور عبادتهم، وضمن لهم من أجل ذلك سلامة دور العبادة، وأَوْلاها عناية خاصة؛ فحرم الاعتداء بكافة أشكاله عليها.
وجعل القرآن الكريم تغلُّب المسلمين وجهادهم لرفع الطغيان ودفع العدوان وتمكين الله تعالى لهم في الأرض سببًا في حفظ دور العبادة من الهدم وضمانًا لأمنها وسلامة أصحابها، سواء أكانت للمسلمين أم لغيرهم، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ۞ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [الحج: 40-41].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "الصوامع: التي تكون فيها الرهبان، والبِيَع: مساجد اليهود، وصلوات: كنائس النصارى، والمساجد: مساجد المسلمين" أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم في "التفسير".
وقال مقاتل بن سليمان في "تفسيره" (2/ 385، ط. دار الكتب العلمية) عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا﴾: [كل هؤلاء الملل يذكرون اللهَ كثيرًا في مساجدهم، فدفع الله عز وجل بالمسلمين عنها] اهـ.
وبذلك جاءت السنة النبوية الشريفة؛ فكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأسقف بني الحارث بن كعب وأساقفة نجران وكهنتهم ومن تبعهم ورهبانهم: «أنّ لهم على ما تحت أيديهم من قليل وكثير من بيعهم وصلواتهم ورهبانيتهم، وجوار الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ألّا يُغَيَّرَ أسقف عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا كاهن عن كهانته، ولا يغير حق من حقوقهم، ولا سلطانهم، ولا شيء مما كانوا عليه؛ ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم، غيرَ مُثقَلين بظلم ولا ظالمين» أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب "الأموال" (ص: 244، ط. دار الفكر)، وأبو عمر بن شبة النُّمَيْري في "تاريخ المدينة المنورة" (2/ 584-586، ط. دار الفكر)، وابن زنجويه في "الأموال" (2/ 449، ط. مركز فيصل للبحوث)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (1/ 264، ط. دار صادر)، والحافظ البيهقي في "دلائل النبوة" (5/ 389، ط. دار الكتب العلمية)، وذكره الإمام محمد بن الحسن الشيباني في كتاب "السير" (1/ 266، ط. الدار المتحدة للنشر).
دليل مشروعية بناء الكنائس
وقد كلفت الشريعة الإسلامية المسلمينَ بتوفير الأمان لأهل الكتاب في أداء عبادتهم، وهذا كما يقتضي إبقاء الكنائس ودور العبادة على حالها من غير تعرض لها بهدم أو تخريب، وإعادتها إذا انهدمت أو تخربت، فإنه يقتضي أيضًا جواز السماح لهم ببناء الكنائس وأماكن العبادة عند احتياجهم إلى ذلك؛ فإن الإذنَ في الشيء إذنٌ في مُكَمِّلات مَقصودِه؛ كما يقول الإمام أبو الفتح بن دقيق العيد في "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (ص: 479، ط. مؤسسة الرسالة)، [والرضا بالشيء رضًا بما يتولد عنه] اهـ. كما نصَّ على ذلك الإمام السبكي في "الأشباه والنظائر" (1/ 456، ط. دار الكتب العلمية)، والإمام السيوطي في "الأشباه والنظائر" (4/ 410، ط. مؤسسة الرسالة).
وإلا فكيف يُقرّ الإسلام أهل الذمة على بقائهم على أديانهم وممارسة شعائرهم ثم يمنعهم من بناء دور العبادة التي يتعبدون فيها عندما يحتاجون ذلك! فما دام أنَّ المسلمين قد ارتضوا بمواطنة غير المسلمين، ومعايشتهم، وتركهم وما يعبدون، والحفاظ على مقدساتهم وأماكن عبادتهم؛ فينبغي أن يجتهدوا في توفير دور العبادة لهم وسلامة تأديتهم لعبادتهم.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أقرَّ في عام الوفود وفد نصارى نجران على الصلاة في مسجده الشريف، والمسجد هو بيت الله المختص بالمسلمين، فإنه يجوز -مِن باب أَوْلَى- بناءُ الكنائس ودور العبادة التي يؤدون فيها عباداتهم وشعائرهم التي أقرهم المسلمون على البقاء عليها إذا احتاجوا لذلك:
فروى ابن إسحاق في "السيرة" -ومن طريقه ابن جرير في "التفسير" واللفظ له، والبيهقي في "دلائل النبوة"- عن محمد بن جعفر بن الزبير: أن وفد نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة، فدخلوا عليه في مسجده حين صلى العصر، عليهم ثياب الحبرات جُبَبٌ وأردية في بلحارث بن كعب، قال: يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ: ما رأينا بعدهم وفدًا مثلهم، وقد حانت صلاتهم، فقاموا يُصلُّون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -زاد في "السيرة" و"الدلائل": فأراد الناس منعهم-، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «دَعُوهُم»، فصلَّوْا إلى المشرق.
وعلى ذلك جرى عمل المسلمين عبر تاريخهم المشرف وحضارتهم النقية وأخلاقهم النبيلة السمحة؛ منذ العصور الأولى وعهود الصحابة والتابعين وهلم جرًّا.
فنصَّ عالِما الديار المصرية: الإمام المجتهد المحدث الفقيه أبو الحارث الليث بن سعد، والإمام المحدث قاضي مصر أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة على أن كنائس مصر لم تُبْنَ إلا في الإسلام، وأشارا على والي مصر في زمن هارون الرشيد موسى بن عيسى بإعادة بناء الكنائس التي هدمها مَن كان قبله، وجعلا ذلك مِن عمارة البلاد، وكانا أعلم أهل مصر في زمنهما بلا مدافعة.
فروى أبو عمر الكندي في كتاب "الولاة والقضاة" (ص: 100، ط. دار الكتب العلمية): [أن مُوسَى بْن عيسى لمّا ولِّيَ مصر من قِبَل أمير المؤمنين هارون الرشيد أَذِن للنصارى فِي بُنْيان الكنائس التي هدمها عليّ بْن سُليمان، فبُنيت كلّها بمشْوَرة الليث بْن سعد وعبد الله بْن لَهِيعة، وقالا: هُوَ من عِمارة البِلاد، واحتجَّا أن عامة الكنائس التي بِمصر لم تُبْنَ إلَّا فِي الْإِسْلَام فِي زمَن الصحابة والتابعين] اهـ.
وقال الإمام أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الحكم في "فتوح مصر والمغرب" (ص: 159، ط. مكتبة الثقافة الدينية): [وأوَّل كنيسة بنيت بفسطاط مصر، كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة، عن ابن لهيعة، عن بعض شيوخ أهل مصر، الكنيسة التي خلف القنطرة أيام مسلمة بن مخلّد، فأنكر ذلك الجند على مسلمة وقالوا له: أتقّر لهم أن يبنوا الكنائس! حتى كاد أن يقع بينهم وبينه شرّ، فاحتجّ عليهم مسلمة يومئذ فقال: إنها ليست في قيروانكم، وإنما هي خارجة في أرضهم، فسكتوا عند ذلك] اهـ.
ويذكر المؤرخون أنه قد بُنِيت في مصر عدة كنائس في القرن الأول الهجري، مثل كنيسة "مار مرقص" بالإسكندرية ما بين عامي (39هـ) و (65هـ)، وفي ولاية مسلمة بن مخلد على مصر بين عامي (47هـ) و (68هـ) بُنِيت أول كنيسة بالفسطاط في حارة الروم، كما سمح عبد العزيز بن مروان حين أنشأ مدينة "حلوان" ببناء كنيسة فيها، وسمح كذلك لبعض الأساقفة ببناء ديرين.
ويذكر العلامة المؤرخ المقريزي في خطط مصر المُسمَّى "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" (4/ 374، ط. دار الكتب العلمية) أمثلة عديدة لكنائس أهل الكتاب، ثم يقول بعد ذلك: [وجميع كنائس القاهرة المذكورة محدَثة في الإسلام بلا خلاف] اهـ.
وأنَّ ما قاله جماعة من الفقهاء بمنع إحداث الكنائس في بلاد المسلمين: هي أقوال لها سياقاتها التاريخية وظروفها الاجتماعية المتعلقة بها؛ حيث مرت الدولة الإسلامية منذ نشأتها بأحوال السلم والحرب، وتعرضت للهجمات الضارية والحملات الصليبية التي اتخذت طابعًا دينيًّا يغذيه جماعة من المنتسبين للكنيسة آنذاك، مما دعا فقهاء المسلمين إلى تبني الأقوال التي تساعد على استقرار الدولة الإسلامية والنظام العام من جهة، ورد العدوان على عقائد المسلمين ومساجدهم من جهة أخرى. ولا يخفى أن تغير الواقع يقتضي تغير الفتوى المبنية عليه؛ إذ الفتوى تتغير بتغير العوامل الأربعة (الزمان والمكان والأشخاص والأحوال).
ولا يصح جعل هذه الأقوال حاكمة على الشريعة بحال؛ إذ لا يوجد نص شرعي صحيح صريح يمنع بناء الكنائس ودور العبادة وإحداثها في بلاد المسلمين عندما يحتاج إليها أهل الكتاب من رعايا الدولة الإسلامية، بل الأدلة الشرعية الواضحة ومُجمَل التاريخ الإسلامي وحضارة المسلمين -بل وبقاء الكنائس والمعابد نفسها في طول بلاد الإسلام وعرضها، وشرقها وغربها، في قديم الزمان وحديثه، واستحداث كثير منها في بلاد المسلمين في العهود الإسلامية -كل ذلك يشهد بجلاء كيف احترم الإسلام دور العبادة وأعطاها من الرعاية والحماية ما لم يتوفر لها في أي دين أو حضارة أخرى.