مستقبل أردوغان بين العزلة والعزل.. تركيا تجاوزت الخط الأحمر(3-5)
تركيا الدولة الجارة التى كان يتفاخر بها العرب قبل سنوات قليلة، تحولت إلى
جار مزعج وضيف ثقيل وسيرة تثير المخاوف من مؤامرات وتدخلات، والكل بات يترقب سقوط
نظام الرئيس رجب طيب أردوغان، على امل عودة أنقرة إلى البوصلة الصحيحة.
واستمرارا لسلسلة التقديرات التى فتحتها "فيتو" حول مستقبل الرئيس أردوغان بين العزلة والعزل، بعدما لفظه العالم وبات العقوبات عنوانا لمرحلة حكمه، يستكمل فى الحلقة الـ 3 من هذه السلسلة، الخبير العراقى، سليمان أحمد، التصورات حول مستقبل أردوغان ويستعرض التدخلات التركية فى بلاده كشهادة لتوثيق مرحلة الحكم لرجل –أردوغان- تحول إلى حمل ثقيل على النظام الدولى كالتالي:
أدت احتجاجات أكتوبر من العام الماضى كما أطلق عليها العراقيون بـ “ثورة تشرين”، إلى استقالة رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، وبعد ترشيح عدد من الشخصيات لمنصب رئاسة الوزراء وفشلهم في تشكيل الحكومة، وتم انتخاب رئيس جهاز المخابرات العراقي مصطفى الكاظمي، وبات العراق يُدار استخباراتياً، ولا يخفى على أحد مدى العلاقات بين الكاظمي ورئيس الاستخبارات التركي فيدان هاكان، الذي زار العراق صيف الماضي بعد تنصيب الكاظمي رئيساً للوزراء.
التدخلات التركية
وتعد جغرافية العراق مهمة بالنسبة إلى العديد من الدول في العالم ويعتبر العراق همزة الوصل بين الدول سواء من ناحية المعابر البرية والبحرية وحتى الجوية أيضاً، وتاريخ التدخلات التركية لا يقتصر على ما بعد الإطاحة بالنظام السابق في عام 2003،حيث أن الاتفاقيات المبرمة بين العراق وتركيا منها قديمة جداً، لكن لم تكن العلاقات العراقیة التركیة السیاسیة جيدة في عھد نظام "صدام حسین"، وذلك لوجود مشاكل ترتبط أساساً بالعلاقات التركیة الممیزة مع كل من الولایات المتحدة وإسرائیل.
صراع المياه
علاوة على ذلك العلاقات المائیة التي تتمثل بنهري دجلة والفرات اللذين ینبعان من تركیا، والموقف التركي المناقض للقانون الدولي بخصوص ھذینالنھرین،كما ترتبط البلدان بعلاقات تجاریة واسعة النطاق تأخذ شكل استیراد العراق للبضائع التركیة بكمیات كبیرة، بما جعل نقطة العبور بین البلدین من أھم المناطق التجاریة التي تشھد حركة دخول الشاحنات التركیة إلى العراق بشكل یومي وكبیر، وبالمقابل فإن العراق يصدر النفط عبر الأنابيب إلى میناءجیھان ومنه إلى أنحاء العالم؛ لیكون عاملاً من عوامل توثیق الروابط الاقتصادیة بین البلدین الجارین وبما یعود بالمنفعة المشتركة علیھما.
لكن ملف الموارد المائية بین العراق وتركیا شهد تقلبات وأزمات، تمثلت في بناء تركیا للسدود ومشاريع على منابع نھري دجلة والفرات في داخل أراضیھا وخاصة بناء سد أتاتورك، ما أدى إلى نقص شديد في المياه الداخلة إلى العراق وانعكس سلبیاً على الزراعة والري، وزیادة مساحات التصحر والملوحة وانعدام الزراعة في مناطق واسعة، ما جعل القطاع الزراعي یعاني من نقص كبير في الإنتاج والاضطرار إلى استیراد أكثر احتیاجات العراق الزراعیة من الخارج، وعلى رأسها تركيا وإيران، ولاشك أن ھذا الوضع لایمكن القبول به لما یمثّله من مخاطر حقیقیة على الواقع الزراعي والمعیشي في العراق مستقبلاً.
القواعد التركية
في حين بلغ عدد القواعد التركية الموجودة ضمن الأراضي العراقية في إقليم كردستان العراق30 قاعدة عسكرية واستخباراتية، بالإضافة إلى ذلك ما زالت العلاقات التركية العراقية متوترة بخصوص وجود القاعدة التركية في بعشيقة القريبة من محافظة موصل، والتي أنشأتها تركيا إبان سيطرة تنظيم داعش على الموصل بحجة محاربة التنظيم وقتها، لكن لم تتدخل تركيا في محاربة داعش إبان عمليات التحرير، التي قادها العراق بمساندة التحالف الدولي لمحاربة داعش، بل وسعت قاعدتها للبقاء الدائم، وذلك لتامين الحماية للمكون التركماني في العراق وخاصة في المناطق المتنازعة عليها، وبالتالي استعادة الموصل وكركوك وضمها إلى الاراضي التركية وفقاً لميثاقها المللي، الذي يروّج له الرئيس التركي مراراً وتكراراً.
غياب الدور العربى
تدخلات تركيا في العراق تزداد بشكل كبير في ظل غياب دور عربي يلجم هذه التدخلات والتي يستفيد منها أردوغان بشكل كبير. وهو يستخدم بعض التنظيمات الكردية والمرتبطة به من أجل إعطاء شرعية لتلك التدخلات التي لم تتوقف منذ عقود. وكل ذلك تحت حجة محاربة حزب العمال الكردستاني التي لم تهدأ منذ أكثر من أربعة عقود والجيش التركي يقوم بحملات عسكرية في شمالي العراق. والآن يسيطر على مساحات كبيرة جداً في الشمال العراقي بحجج كثيرة والاقتصاد أيضاً والذي حول هذه المنطقة إلى سوق استهلاكية كبيرة والتي يقدر أن حجم التبادل التجاري بينهما وصل إلى 14 مليار دولار في السنة وكل ذلك لصالح تركيا. ولا يمكن ان ننسى عمليات بيع النفط غير الشرعية بين البارزاني وأردوغان، والتي تتم بعيداً عن بغداد وهذا ما سبب مشاكل كبيرة بين أربيل وبغداد والتي ما زالت مستمرة.
الشرق الأوسط
كما أن التدخلات التركية لم تقتصر على العراق بل وسعت من نفوذها في باقي المناطق من الشرق الأوسط ووصل إلى ليبيا واليمن وتونس وسوريا وحتى لبنان عبر تنظيمات خيرية تابعها لها بحجة تقديم المساعدات الخيرية، والحقيقة أن هذه الجمعيات الخيرية تعمل تحت مظلة الاستخبارات التركية، وعلى رأسها منظمة TİKA وما يقابلها بالعربي "وكالة التعاون والتنسيق التركية" التي تأسست في عام 1992، وتنظم نفسها في العديد من بلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وحتى أوروبا تحت اسم المساعدات الإنسانية والتعليم من أجل الدولة التركية، وهي مرتبطة وممولة بشكل مباشر من قبل الرئاسة التركية والاستخبارات التركية “الميت” وكان هاكان فيدان رئيساً لـ TİKA في السنوات السابقة قبل أن يتولي منصب جهاز الاستخبارات "الميت"، وهذه المنظمة تعمل بشكل سري في كل من إقليم كردستان العراق وكركوك ومناطق أخرى في العراق؛ بهدف تدريب التركمان تمهيداً لإعادة الموصل وكركوك لضمها إلى تركيا.
غزو عثمانى
بعد أن تولى الرئيس التركي رجب أروغان زمام المبادرة عقب وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا، وبدعم من الدول الغربية الذين حضّروا أردوغان لتنفذ مشاريعهم الاستعمارية في الشرق الأوسط، بغاية إنشاء نموذج جديد فيه وإظهارها دول علمانية ونموذجية، حيث فتحت تلك الدول الأبواب لحزب العدالة والتنمية وأردوغان من كافة النواحي ليكون قادراً على إدارة الشرق الأوسط والمساهمة في بناء مشروع الشرق الأوسط الجديد.
تلاعب بالمشاعر
وتلاعب الرئيس التركي بمشاعر الشارع العربي وخاصة العزف على وتر القضية الفلسطينية والقدس، هذا الوتر الذي فتح له المجال لتوسيع نفوذه في الوطن العربي، وبالتالي فتحت الدول العربية أبوابها لتركيا،من دون أن يدرك الشارع العربي المخاطر والخفايا والأجندات الحقيقية لتركيا، هذا الانفتاح السريع الغربي والعربي فتح للرئيس التركي أن يرى نفسه سلطاناً عثمانياً جديداً في المنطقة.
العثمانية الجديدة
والثورات العربية أيضاً فتحت لأردوغان المجال وكانت لها دور في فكرة إنشاء العثمانية الجديدة في الشرق الأوسط رويداً رويداً، وبشكل سري عبر دعم الجماعات الإسلامية المتطرفة كجماعة الإخوان المسلمين واحتوائهم في تركيا، وخاصة في مصر وسوريا والعراق وباقي البلدان العربية، ويذكر الكل جيداً دعم الرئيس التركي لمحمد مرسي الذي وصل إلى الحكم بعد تنحي حسني مبارك.
مستقبل أردوغان بين العزلة و العزل.. "فيتو" تفتح الملف الشائك (1- 5)
لكن أردوغان فشل في الخطوة الأولى في مصر نتيجة إدراك المصريين لمخططاته، ما أجبره على تغيير بوصلة صولجانه إلى سوريا والعراق عبر جماعات إسلامية متطرفة مثل الفرع السوري لتنظيم القاعدة جبهة النصرة وتنظيم داعش الإرهابي، و قدمت تركيا بشكل علني الدعم له طيلة فترة وجود داعش على حدوده، ولم يطق رصاصة واحدة تجاهه، وما يزال يدعم جبهة النصرة في إدلب، بغاية احتلال المزيد من الأراضي السورية وضمها إلى أراضي الدولة التركية على غرار لواء اسكندرون.
حلم استعماري
أردوغان وحلمه الاستعماري لم يكتفِ بهذا القدر بل واصل بدعمه عبر الجماعات السورية المرتزقة لحكومة فايز السراج ضد قوات خليفة حفتر في ليبيا،ومؤخراً دعمهعبر المرتزقة السوريين أذربيجان في معارك إقليم آرتساخ/ قره باغ.
سجون أنقرة
لكن الوضع الداخلي لتركيا لم يكن جيداً مقارنة مع باقي الدول، حيث لم يترك النظام التركي أي معارضة لحكمه في البلاد، وزج بجميع معارضيه في السجون، وخاصة أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي المعارض، وعلى رأسهم الرئيس المشترك للحزب صلاح الدين دميرتاش، الذي ما زال مغيباً في السجون التركية منذ بداية 2017، ولم يقتصر على ذلك أيضاً بل وشن هجوماً على المناطق ذات الغالبية الكردية في عام 2016 في كل من آمد (ديار بكر) ومناطق أخرى في البلاد، فضلاً عن اعتقال المئات من العلويين في تركيا أيضاً، ولم تقف الاعتقالات العشوائية للنظام التركي عند هذا الحد، بل واصل ملاحقته كل مناصري جماعة فتح الله غولن وخاصة بعد أحداث 14 تموز 2016 في "الانقلاب العسكري" المزعوم حسب رواية حزب العدالة والتنمية،حيث اعتقل بعد هذه الحادثة آلاف العسكريين والمدنيين المناصرين لجماعة فتح الله غولن.
انهيار الاقتصاد
كما أن الاقتصاد التركي والهبوط المتسارع لليرة التركية أمام الدولار وخاصة بعد العقوبات الأوربية والأمريكية نتيجة تدخله في البحر المتوسط ومناوراته ضد اليونان والتحالفات والاتفاقيات بينها وبين روسيا وعلى رأسها صفقة صواريخ إس 400 الروسية، التيأغضبتحلفاءه في الناتو، إلى فرض عقوبات اقتصادية شديدة وخاصة في كانون الأول ديسمبر الجاري، حيث فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات شديدة على الصناعات الدفاعية التركية.
الخط الأحمر
تجاوزات تركيا للخطوط الحمراء لدى الناتو وخاصة صفقة إس 400،ودعم جماعة الإخوان والجماعات الإسلامية المتطرفة في البلدان العربية، وبحثها المستمر عن النفط والتنقيب الجاري في المتوسط بداخل الحدود البحرية اليونانية والتقارب وعقد الاتفاقيات العسكرية والتجارية مع روسيا شكل خطراً على الدول الأوروبية والناتو، الذي بات يخشى أن تكشف تركيا أسرار الحلف وتسرب معلومات لروسيا، كما أن ميول تركيا لحلف وارسو الروسية باتت مقلقة جداً للدول الدول الأوربية ودول الناتو.
عقوبات أمريكا وأوروبا
إن العقوبات الاقتصادية الحديثة من قبل الاتحاد الأوربي ووزارة الخزانة الأمريكية هي بداية مرحلة جديدة وخاصة مع قدوم جون بايدن إلى سدة الحكم في أمريكا، وستخلق العديد من المشاكل في العلاقات الأمريكية التركية، لتهديد تركيا المصالح الأوربية والأمريكية في الشرق الأوسط من خلال عقد اتفاقيات مع الجانب الروسي والإيراني العدوانِ اللدودانِ للناتو، العقوبات الجديدة على تركيا ستجبرها على اتخاذ خطوات مصيرية،أو أن تنهار ويسحب البساط من تحت أقدامها، وتفضح تركيا وتحاكم أردوغان وحاشيته في الحكم المتورطين في دعم الجماعات الإسلامية وخاصة داعش.
سيناريوهات السقوط
السنياريوهات المحتملة لتركيا في الفترة المقبلة عديدة، أولها أن تركع لشروط الدول الأوربية وأمريكا أو أن تتجه إلى حلف وارسو بقيادة روسيا، حيث أن سيناريو التوجه إلى حلف وارسو خطيرة للغاية وخاصة بعد أن باتت تركيا قنبلة موقوتة في الشرق الأوسط، حيث يتواجد فيها الآلاف من مقاتلي الجماعات الإسلامية المتطرفة،وقد تستخدمها تركيا بالتعاون مع روسيا وإيران ضد مصالح الناتو في الشرق الأوسط وحتى أوروبا.
مستقبل أردوغان بين العزلة والعزل.. النظام التركى ينتظر أياما عصيبة (2-5)
أما السيناريو الثاني فقد تتنازل تركيا عن العديد من القضايا لصالح الدول الأوربية، وخاصة من ناحية النفوذ وإرجاع خطوات إلى الوراء لإنقاذ بلاده من حافة الهاوية كونها تعاني حالياً أزمة كبيرة وخاصة من الناحية الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة فيها مرتفعة جداً، وتطمع دائماً في الالتحاق بالدول الأوربية فضلاً على أنها تأخذ مليارات الدولارت من الدول الأوربية بخصوص ملف اللاجئين، كما أنهابحاجة إلى الدول الأوربية، لأن كل من روسيا وإيران لا يمتلكان الاقتصاد الكافي لتعتمد تركيا عليهما من هذه الناحية وإنقاذ الليرة التركية من الهبوط.
قنبلة موقوتة
قد نشهد سيناريو آخر ألا وهو انقلاب ضد قيادة أردوغان، لأن تركيا حالياً كقنبلة موقوتة وتعاني من عدة أزمات اقتصادية وسياسية وتجارية، كما أن الانشقاقات الكبيرة التي حصلت بداخل حزبه وعلى رأسهم عليباباجان الذي شكل حزبه الجديد "حزب الديمقراطية والتقدم" وأحمد داوود أغلو الذي شكله حزباً ثانياً، وهذه الحزبان سيكونان منافسان لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات التركية القادمة،وهذه الانتخابات ستكون مصيرية بالنسبة لحزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب أردوغان.
كما أن الوضع في عموم الشرق الأوسط يتغير بشكل شبه يومي، وقد تحدث تحالفات جديدة في المنطقة بين الشعوب الكردية والعربية في مواجهة الاحتلال التركي الجديد في المنطقة، على غرار ثورة الشريف حسين.
واستمرارا لسلسلة التقديرات التى فتحتها "فيتو" حول مستقبل الرئيس أردوغان بين العزلة والعزل، بعدما لفظه العالم وبات العقوبات عنوانا لمرحلة حكمه، يستكمل فى الحلقة الـ 3 من هذه السلسلة، الخبير العراقى، سليمان أحمد، التصورات حول مستقبل أردوغان ويستعرض التدخلات التركية فى بلاده كشهادة لتوثيق مرحلة الحكم لرجل –أردوغان- تحول إلى حمل ثقيل على النظام الدولى كالتالي:
أدت احتجاجات أكتوبر من العام الماضى كما أطلق عليها العراقيون بـ “ثورة تشرين”، إلى استقالة رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، وبعد ترشيح عدد من الشخصيات لمنصب رئاسة الوزراء وفشلهم في تشكيل الحكومة، وتم انتخاب رئيس جهاز المخابرات العراقي مصطفى الكاظمي، وبات العراق يُدار استخباراتياً، ولا يخفى على أحد مدى العلاقات بين الكاظمي ورئيس الاستخبارات التركي فيدان هاكان، الذي زار العراق صيف الماضي بعد تنصيب الكاظمي رئيساً للوزراء.
التدخلات التركية
وتعد جغرافية العراق مهمة بالنسبة إلى العديد من الدول في العالم ويعتبر العراق همزة الوصل بين الدول سواء من ناحية المعابر البرية والبحرية وحتى الجوية أيضاً، وتاريخ التدخلات التركية لا يقتصر على ما بعد الإطاحة بالنظام السابق في عام 2003،حيث أن الاتفاقيات المبرمة بين العراق وتركيا منها قديمة جداً، لكن لم تكن العلاقات العراقیة التركیة السیاسیة جيدة في عھد نظام "صدام حسین"، وذلك لوجود مشاكل ترتبط أساساً بالعلاقات التركیة الممیزة مع كل من الولایات المتحدة وإسرائیل.
صراع المياه
علاوة على ذلك العلاقات المائیة التي تتمثل بنهري دجلة والفرات اللذين ینبعان من تركیا، والموقف التركي المناقض للقانون الدولي بخصوص ھذینالنھرین،كما ترتبط البلدان بعلاقات تجاریة واسعة النطاق تأخذ شكل استیراد العراق للبضائع التركیة بكمیات كبیرة، بما جعل نقطة العبور بین البلدین من أھم المناطق التجاریة التي تشھد حركة دخول الشاحنات التركیة إلى العراق بشكل یومي وكبیر، وبالمقابل فإن العراق يصدر النفط عبر الأنابيب إلى میناءجیھان ومنه إلى أنحاء العالم؛ لیكون عاملاً من عوامل توثیق الروابط الاقتصادیة بین البلدین الجارین وبما یعود بالمنفعة المشتركة علیھما.
لكن ملف الموارد المائية بین العراق وتركیا شهد تقلبات وأزمات، تمثلت في بناء تركیا للسدود ومشاريع على منابع نھري دجلة والفرات في داخل أراضیھا وخاصة بناء سد أتاتورك، ما أدى إلى نقص شديد في المياه الداخلة إلى العراق وانعكس سلبیاً على الزراعة والري، وزیادة مساحات التصحر والملوحة وانعدام الزراعة في مناطق واسعة، ما جعل القطاع الزراعي یعاني من نقص كبير في الإنتاج والاضطرار إلى استیراد أكثر احتیاجات العراق الزراعیة من الخارج، وعلى رأسها تركيا وإيران، ولاشك أن ھذا الوضع لایمكن القبول به لما یمثّله من مخاطر حقیقیة على الواقع الزراعي والمعیشي في العراق مستقبلاً.
القواعد التركية
في حين بلغ عدد القواعد التركية الموجودة ضمن الأراضي العراقية في إقليم كردستان العراق30 قاعدة عسكرية واستخباراتية، بالإضافة إلى ذلك ما زالت العلاقات التركية العراقية متوترة بخصوص وجود القاعدة التركية في بعشيقة القريبة من محافظة موصل، والتي أنشأتها تركيا إبان سيطرة تنظيم داعش على الموصل بحجة محاربة التنظيم وقتها، لكن لم تتدخل تركيا في محاربة داعش إبان عمليات التحرير، التي قادها العراق بمساندة التحالف الدولي لمحاربة داعش، بل وسعت قاعدتها للبقاء الدائم، وذلك لتامين الحماية للمكون التركماني في العراق وخاصة في المناطق المتنازعة عليها، وبالتالي استعادة الموصل وكركوك وضمها إلى الاراضي التركية وفقاً لميثاقها المللي، الذي يروّج له الرئيس التركي مراراً وتكراراً.
غياب الدور العربى
تدخلات تركيا في العراق تزداد بشكل كبير في ظل غياب دور عربي يلجم هذه التدخلات والتي يستفيد منها أردوغان بشكل كبير. وهو يستخدم بعض التنظيمات الكردية والمرتبطة به من أجل إعطاء شرعية لتلك التدخلات التي لم تتوقف منذ عقود. وكل ذلك تحت حجة محاربة حزب العمال الكردستاني التي لم تهدأ منذ أكثر من أربعة عقود والجيش التركي يقوم بحملات عسكرية في شمالي العراق. والآن يسيطر على مساحات كبيرة جداً في الشمال العراقي بحجج كثيرة والاقتصاد أيضاً والذي حول هذه المنطقة إلى سوق استهلاكية كبيرة والتي يقدر أن حجم التبادل التجاري بينهما وصل إلى 14 مليار دولار في السنة وكل ذلك لصالح تركيا. ولا يمكن ان ننسى عمليات بيع النفط غير الشرعية بين البارزاني وأردوغان، والتي تتم بعيداً عن بغداد وهذا ما سبب مشاكل كبيرة بين أربيل وبغداد والتي ما زالت مستمرة.
الشرق الأوسط
كما أن التدخلات التركية لم تقتصر على العراق بل وسعت من نفوذها في باقي المناطق من الشرق الأوسط ووصل إلى ليبيا واليمن وتونس وسوريا وحتى لبنان عبر تنظيمات خيرية تابعها لها بحجة تقديم المساعدات الخيرية، والحقيقة أن هذه الجمعيات الخيرية تعمل تحت مظلة الاستخبارات التركية، وعلى رأسها منظمة TİKA وما يقابلها بالعربي "وكالة التعاون والتنسيق التركية" التي تأسست في عام 1992، وتنظم نفسها في العديد من بلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وحتى أوروبا تحت اسم المساعدات الإنسانية والتعليم من أجل الدولة التركية، وهي مرتبطة وممولة بشكل مباشر من قبل الرئاسة التركية والاستخبارات التركية “الميت” وكان هاكان فيدان رئيساً لـ TİKA في السنوات السابقة قبل أن يتولي منصب جهاز الاستخبارات "الميت"، وهذه المنظمة تعمل بشكل سري في كل من إقليم كردستان العراق وكركوك ومناطق أخرى في العراق؛ بهدف تدريب التركمان تمهيداً لإعادة الموصل وكركوك لضمها إلى تركيا.
غزو عثمانى
بعد أن تولى الرئيس التركي رجب أروغان زمام المبادرة عقب وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا، وبدعم من الدول الغربية الذين حضّروا أردوغان لتنفذ مشاريعهم الاستعمارية في الشرق الأوسط، بغاية إنشاء نموذج جديد فيه وإظهارها دول علمانية ونموذجية، حيث فتحت تلك الدول الأبواب لحزب العدالة والتنمية وأردوغان من كافة النواحي ليكون قادراً على إدارة الشرق الأوسط والمساهمة في بناء مشروع الشرق الأوسط الجديد.
تلاعب بالمشاعر
وتلاعب الرئيس التركي بمشاعر الشارع العربي وخاصة العزف على وتر القضية الفلسطينية والقدس، هذا الوتر الذي فتح له المجال لتوسيع نفوذه في الوطن العربي، وبالتالي فتحت الدول العربية أبوابها لتركيا،من دون أن يدرك الشارع العربي المخاطر والخفايا والأجندات الحقيقية لتركيا، هذا الانفتاح السريع الغربي والعربي فتح للرئيس التركي أن يرى نفسه سلطاناً عثمانياً جديداً في المنطقة.
العثمانية الجديدة
والثورات العربية أيضاً فتحت لأردوغان المجال وكانت لها دور في فكرة إنشاء العثمانية الجديدة في الشرق الأوسط رويداً رويداً، وبشكل سري عبر دعم الجماعات الإسلامية المتطرفة كجماعة الإخوان المسلمين واحتوائهم في تركيا، وخاصة في مصر وسوريا والعراق وباقي البلدان العربية، ويذكر الكل جيداً دعم الرئيس التركي لمحمد مرسي الذي وصل إلى الحكم بعد تنحي حسني مبارك.
مستقبل أردوغان بين العزلة و العزل.. "فيتو" تفتح الملف الشائك (1- 5)
لكن أردوغان فشل في الخطوة الأولى في مصر نتيجة إدراك المصريين لمخططاته، ما أجبره على تغيير بوصلة صولجانه إلى سوريا والعراق عبر جماعات إسلامية متطرفة مثل الفرع السوري لتنظيم القاعدة جبهة النصرة وتنظيم داعش الإرهابي، و قدمت تركيا بشكل علني الدعم له طيلة فترة وجود داعش على حدوده، ولم يطق رصاصة واحدة تجاهه، وما يزال يدعم جبهة النصرة في إدلب، بغاية احتلال المزيد من الأراضي السورية وضمها إلى أراضي الدولة التركية على غرار لواء اسكندرون.
حلم استعماري
أردوغان وحلمه الاستعماري لم يكتفِ بهذا القدر بل واصل بدعمه عبر الجماعات السورية المرتزقة لحكومة فايز السراج ضد قوات خليفة حفتر في ليبيا،ومؤخراً دعمهعبر المرتزقة السوريين أذربيجان في معارك إقليم آرتساخ/ قره باغ.
سجون أنقرة
لكن الوضع الداخلي لتركيا لم يكن جيداً مقارنة مع باقي الدول، حيث لم يترك النظام التركي أي معارضة لحكمه في البلاد، وزج بجميع معارضيه في السجون، وخاصة أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي المعارض، وعلى رأسهم الرئيس المشترك للحزب صلاح الدين دميرتاش، الذي ما زال مغيباً في السجون التركية منذ بداية 2017، ولم يقتصر على ذلك أيضاً بل وشن هجوماً على المناطق ذات الغالبية الكردية في عام 2016 في كل من آمد (ديار بكر) ومناطق أخرى في البلاد، فضلاً عن اعتقال المئات من العلويين في تركيا أيضاً، ولم تقف الاعتقالات العشوائية للنظام التركي عند هذا الحد، بل واصل ملاحقته كل مناصري جماعة فتح الله غولن وخاصة بعد أحداث 14 تموز 2016 في "الانقلاب العسكري" المزعوم حسب رواية حزب العدالة والتنمية،حيث اعتقل بعد هذه الحادثة آلاف العسكريين والمدنيين المناصرين لجماعة فتح الله غولن.
انهيار الاقتصاد
كما أن الاقتصاد التركي والهبوط المتسارع لليرة التركية أمام الدولار وخاصة بعد العقوبات الأوربية والأمريكية نتيجة تدخله في البحر المتوسط ومناوراته ضد اليونان والتحالفات والاتفاقيات بينها وبين روسيا وعلى رأسها صفقة صواريخ إس 400 الروسية، التيأغضبتحلفاءه في الناتو، إلى فرض عقوبات اقتصادية شديدة وخاصة في كانون الأول ديسمبر الجاري، حيث فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات شديدة على الصناعات الدفاعية التركية.
الخط الأحمر
تجاوزات تركيا للخطوط الحمراء لدى الناتو وخاصة صفقة إس 400،ودعم جماعة الإخوان والجماعات الإسلامية المتطرفة في البلدان العربية، وبحثها المستمر عن النفط والتنقيب الجاري في المتوسط بداخل الحدود البحرية اليونانية والتقارب وعقد الاتفاقيات العسكرية والتجارية مع روسيا شكل خطراً على الدول الأوروبية والناتو، الذي بات يخشى أن تكشف تركيا أسرار الحلف وتسرب معلومات لروسيا، كما أن ميول تركيا لحلف وارسو الروسية باتت مقلقة جداً للدول الدول الأوربية ودول الناتو.
عقوبات أمريكا وأوروبا
إن العقوبات الاقتصادية الحديثة من قبل الاتحاد الأوربي ووزارة الخزانة الأمريكية هي بداية مرحلة جديدة وخاصة مع قدوم جون بايدن إلى سدة الحكم في أمريكا، وستخلق العديد من المشاكل في العلاقات الأمريكية التركية، لتهديد تركيا المصالح الأوربية والأمريكية في الشرق الأوسط من خلال عقد اتفاقيات مع الجانب الروسي والإيراني العدوانِ اللدودانِ للناتو، العقوبات الجديدة على تركيا ستجبرها على اتخاذ خطوات مصيرية،أو أن تنهار ويسحب البساط من تحت أقدامها، وتفضح تركيا وتحاكم أردوغان وحاشيته في الحكم المتورطين في دعم الجماعات الإسلامية وخاصة داعش.
سيناريوهات السقوط
السنياريوهات المحتملة لتركيا في الفترة المقبلة عديدة، أولها أن تركع لشروط الدول الأوربية وأمريكا أو أن تتجه إلى حلف وارسو بقيادة روسيا، حيث أن سيناريو التوجه إلى حلف وارسو خطيرة للغاية وخاصة بعد أن باتت تركيا قنبلة موقوتة في الشرق الأوسط، حيث يتواجد فيها الآلاف من مقاتلي الجماعات الإسلامية المتطرفة،وقد تستخدمها تركيا بالتعاون مع روسيا وإيران ضد مصالح الناتو في الشرق الأوسط وحتى أوروبا.
مستقبل أردوغان بين العزلة والعزل.. النظام التركى ينتظر أياما عصيبة (2-5)
أما السيناريو الثاني فقد تتنازل تركيا عن العديد من القضايا لصالح الدول الأوربية، وخاصة من ناحية النفوذ وإرجاع خطوات إلى الوراء لإنقاذ بلاده من حافة الهاوية كونها تعاني حالياً أزمة كبيرة وخاصة من الناحية الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة فيها مرتفعة جداً، وتطمع دائماً في الالتحاق بالدول الأوربية فضلاً على أنها تأخذ مليارات الدولارت من الدول الأوربية بخصوص ملف اللاجئين، كما أنهابحاجة إلى الدول الأوربية، لأن كل من روسيا وإيران لا يمتلكان الاقتصاد الكافي لتعتمد تركيا عليهما من هذه الناحية وإنقاذ الليرة التركية من الهبوط.
قنبلة موقوتة
قد نشهد سيناريو آخر ألا وهو انقلاب ضد قيادة أردوغان، لأن تركيا حالياً كقنبلة موقوتة وتعاني من عدة أزمات اقتصادية وسياسية وتجارية، كما أن الانشقاقات الكبيرة التي حصلت بداخل حزبه وعلى رأسهم عليباباجان الذي شكل حزبه الجديد "حزب الديمقراطية والتقدم" وأحمد داوود أغلو الذي شكله حزباً ثانياً، وهذه الحزبان سيكونان منافسان لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات التركية القادمة،وهذه الانتخابات ستكون مصيرية بالنسبة لحزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب أردوغان.
كما أن الوضع في عموم الشرق الأوسط يتغير بشكل شبه يومي، وقد تحدث تحالفات جديدة في المنطقة بين الشعوب الكردية والعربية في مواجهة الاحتلال التركي الجديد في المنطقة، على غرار ثورة الشريف حسين.