رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

هل يفعلها رئيس هيئة النيابة الإدارية؟ (1)

الخلاف القانوني هو الحقيقةٌ المؤكدة التي لا خلاف فيها بين رجال القانون، فما أن تجلس بينهم حتى تجد اختلافًا في المدارس الفكرية، والاتجاهات الفقهية، وقد يصل الأمر إلى الانفعال والشجار، ثم تهدأ العاصفة، وتبقى الحقيقة المؤلمة، أن العدالة نسبية.

 
ومن الأمثلة المعاصرة لمفهوم العدالة النسبية هو محاولة رئيس هيئة النيابة الإدارية الأسبق تطبيق ما رأى أنه الرأي الصواب، حين أنشأ ما يُسمى بلجان التأديب والتي تختص بتحديد مقدار الجزاء على الموظف المخالف الذي انتهت التحقيقات إلى مسئوليته، وضرورة توقيع الجزاء عليه.

النائب العام يُجدد للنيابة العامة شبابها
 
وكعادة رجال القانون عند ظهور نص جديد،  ينقسمون إلى فريقين أو أكثر، وسرعان ما فرح المؤيدون لما في ذلك من تحقيقٍ لما نص عليه قانون الخدمة المدنية وما تُحققه تلك اللجان من عدالة تحول دون تدخل الجهة الإدارية بالإفراط أو التفريط في مجازاة الموظف العام، كما تنطوي تلك الخطوة على الردع الكافي وتوفر في ذات الوقت الحماية للموظف من عنت رؤسائه.
 
وعلى صعيد آخر، وقف المعارضون شاهرين سُيوفهم، ولسان حالهم "كل محدثة بدعة"، فقد رأوا أن في ذلك افتئاتا على حق الجهة الادارية التي هي أقدر على تقدير الجزاء، كما أنه عملٌ لا سند له في قانون النيابة الإدارية، ومن ثمَّ فلا يصح أن يركن رئيس هيئة النيابة الإدارية الأسبق إلى نص دستوري لا ينظم تفصيلاته القانون، وأن في ذلك اغتصاب سلطة دون وجه حق، فضلًا عن الأصوات التي تعالت من داخل الهيئة نفسها تستنكر أن يُسند إلى كبار مستشاريها مُجرد تقدير الجزاء على نموذج مطبوع.

وحتى هذه المرحلة، لم يُفسد الخلاف للود قضية، إلى أن تبين أن قضاء مجلس الدولة كان مع الرأي المُعارِض، وهو ما دعا دوائر المحاكم التأديبية بالقاهرة والمحافظات للحكم ببطلان الجزاءات الموقعة على الموظفين بمعرفة النيابة الإدارية، وأيدتها في ذلك المحكمة الإدارية العليا، وذلك بوصف قرار الجزاء قرار إداري يكون الطعن عليه من اختصاص مجلس الدولة، فهو ليس بعملٍ قضائي مثل التحقيقات التي تجد سندها في القانون، ومن ثمَّ فقد أبطلت المحاكم التأديبية عمل هذه اللجان.

ومن هنا دبت الفوضى في ربوع الجهات والمؤسسات الحكومية التي تخضع لولاية النيابة الإدارية والمحاكم التأديبية، وتكبد الموظفون مشقة اللجوء إلى قضاء مجلس الدولة لإلغاء الجزاءات، وهناك من رضي بالأمر الواقع، وترتب على ذلك إفلات بعض المنحرفين من العقاب، وما زالت الفوضى قائمة، وكلُ فريقٍ يعتصم برأيه برغم إحالة رئيس الهيئة (مُصدِر قرار إنشاء لجان التأديب) للمعاش منذ سنوات.

رئيس نظافة وتجميل القاهرة.. ومنظومة «تيتانيك»

ولا شك أن السادة شيوخ قضاة التحقيق الأجلاء رؤساء هيئة النيابة الإدارية المتعاقبين قد حاولوا التخفيف من حدة ذلك الخلاف، تارة بزيادة الإحالات إلى المحاكمة التأديبية وتارة بالحد من شدة الجزاء فلا يزيد الجزاء الموقع بمعرفة لجان التأديب عن سبعة أيام، ولكن ذلك لم ينهِ الجدل، ولم يحسم الخلاف، فما ذنب الموظف الذي يستحق فوق سبعة أيام أن يُحال إلى المحاكمة التأديبية التي قد تمتد لعدة أشهر وتكبده مصروفات المحاماة، ثم يوقع عليه الجزاء الذي كانت تملكه الجهة الادارية، وربما كان الأفضل له أن يقبل الجزاء الذي توقعه النيابة الإدارية.
 
ومن رحم هذه الأزمة، يخرج صوتٌ هادئ وقور من داخل النيابة الإدارية، وهو أحد السادة المستشارين الأجلاء قضاة التحقيق، ولسان حاله يقول "تعالوا إلى كلمةٍ سواء"، نعم.. كلمة تحقق العدالة المنشودة، وتحول دون لدد الخصام، والتعنت الذي يدفع ثمنه الموظف الذي يئن من ضيق العيش، حتى ولو كان مُخطئًا، فلا يصح أن يبحث عن العدالة فلا يجدها، ومن هنا كان لِزامًا علينا أن نستمع لرأي من شأنه نزع فتيل المعركة القضائية المستمرة للآن، وحل الأزمة من طرفٍ واحد، وتحقيق العدالة التي يُفترض أن يسعى إليها الجميع؛ فماذا قال؟.. وللحديث بقية

Advertisements
الجريدة الرسمية