رئيس التحرير
عصام كامل

القاضى بدون يد!


لعل ما يشتهر عن القضاة فى كل عصور مصر الفرعونية هو حبهم لواجبهم وإجلالهم لمفهوم العدالة نظرياً وعلمياً.. ولا أدل على ذلك مما وجد فى بهو الأعمدة من نقوش تعكس وجود مجموعة من التماثيل الخشبية تمثل خصوماً تعلقت أعينهم بقضائهم - وهؤلاء القضاة مصورون على الجدران بدون أيد وقد بلغوا الثلاثين عدداً ويتوسطهم قاضى القضاة وقد عصبت عيناه وتدلت صورة الحق من رقبته وبجانبه كثير من الكتب.


هذه الصورة المملوءة بالرموز توضح لنا أن وجود القاضى بدون يد معناه أنه يمتنع عليه - بأى حال من الأحوال - محاولة تقبل الرشوة لأنه يجب أن يكون منزهاً عن ذلك لتعارضه مع مقتضيات العدالة التى يجب أن تكون منصفة بالنزاهة بعيدة عن الميل والتحيز - وأما كون قاضى القضاة معصوب العينين تتدلى من رقبته علامة الحق فمعناه أنه يجب ألا ينظر لأى شىء إلا تحقيق الحق واستتباب العدالة - وعليه أن يجد الحل العادل فى الكتب إلى أمامه وأن ينزه الآخذ برأيه الشخصى أو أن يختار رأياً لا تؤيده أحكام القانون والعدالة الموجودة فى الكتب - هذا النقش يتضمن دلالة واضحة على تعمق فكرة العدالة لدى القضاء فى العصر الفرعونى - بل وأكثر من هذا فإن القاضى فى مصر الفرعونية كان يقسم يميناً عن تعيينه فى حضرة الملك يأخذ فيه على نفسه عدم طاعة الملك إلا فيما يطابق العدل - بحيث تجوز مخالفة الملك إذا ما أمره بما ينافى قواعد العدالة وهذا يعطينا فكرة عن مفهوم العدالة فى نظرهم بالرغم من أنه من الناحية الواقعية غير متصور قبوله لأن الملك - الإله - لا ينطق عما قد يتنافى مع العدالة ولكنه احتياط نظرى لا أثر له واقعياً.

صور فنان قديم العدالة بأنها امرأة معصومة العينين تمسك سيفاً بيد وبالأخرى ميزاناً - إنها معصومة العينين لا ترى الناس فلا تميز بينهم لا تجور على عدو بغيض ولا تحابى صديقاً ولا يميل فؤادها عن طريق عينيها إما حباً أو كرهاً وهى ممسكة بسيف الحق تقطع به الباطل وتمضى به على أعناق الآثمين وترفعه عن رقاب المظلومين - ما أجمل الصورة وأروع الرمز وأدق التعبير.. وللحديث بقية

الجريدة الرسمية