رئيس التحرير
عصام كامل

ضحية فشل أردوغان.. من هو وزير المالية التركي المستقيل؟

أردوغان والبيرق
أردوغان والبيرق
جاءت استقالة بيرات البيرق وزير المالية التركي وصهر أردوغان من منصبه، اليوم الأحد، وفق ما أعلنه في بيان على حسابه على إنستجرام إثر تراجع تاريخي لليرة التركية، أمام العملات الأجنبية، وتجاوز سعر صرفها في نهاية الأسبوع الجاري عتبة 8.45 أمام الدولار.


والبيرق هو من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في البلاد، وأكثر الوزراء الذين يختصم السياسيون الأتراك حولهم، ما بين داعم ومعارض، ولا شك أن زواجه من ابنة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إسراء، زاد من نقمة المعارضة عليه، خصوصاً مع أزمات متتالية يعانيها الاقتصاد في البلاد، جعلت "صهر الرئيس" في عين العاصفة.

كما تأتي استقالته بعد يوم واحد، من إقالة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مراد أويصال محافظ البنك المركزي من منصبه، وتعيين ناجي آغبال، رئيس إدارة الإستراتيجية والموازنة بالرئاسة، حسبما أفادت قناة "العربية".

فمن هو "البيرق" وكيف وصل إلى أكثر مراكز صنع القرار تأثيراً، سواء في حكومة أردوغان، أو في حزب العدالة والتنمية الحاكم، إذ يعتبر من الشخصيات النافذة في الحزب.

ولد "بيرات البيرق" في 21 فبراير 1978 في إسطنبول، هو ابن رجل الأعمال المعروف "صادق البيرق"، لديه أخ وحيد يكبره سناً هو "سرهاد البيرق"، يرجع أصل العائلة إلى مدينة طرابزون شمال البلاد.

درس في ثانوية الفاتح الخاصة، وأكمل تعليمه الجامعي في كلية الاقتصاد (قسم اللغة الإنجليزية) في جامعة إسطنبول، وفي عام 2002 حصل على درجة الماستر في الاقتصاد من جامعة (pace) في نيويورك، ثم حصل على درجة الدكتوراه من جامعة "قدير حاس" بعد تقديمه أطروحة بعنوان "توليد الطاقة الكهربائية عن طريق مصادر الطاقة البديلة".
تزوج بيرات من "إسراء أردوغان" ابنة الرئيس التركي عام 2004، وحينها كان أردوغان رئيساً للوزراء، و حضر حفل الزفاف كشهود شخصيات بارزة في حزب العدالة والتنمية آنذاك كـ"عبدالله غل" الذي كان وزيراً للخارجية وقتها، ورئيس مجلس الأمة "بولنت أرينتش".
عمل في شركة "تشاليك هولدينج" أثناء دراسته الماستر بين عامي 2002-2006 كمنسق مالي في مكتب الشركة (فرع الولايات المتحدة)، في عام 2006 عاد إلى تركيا، وعمل معاون المدير العام للشؤون المالية لشركة هولدينج، مع نهاية 2007 عُين كمدير عام لشركة هولدينج.
دخل "البيرق" البرلمان من بوابة حزب العدالة والتنمية في انتخابات 7 يونيو 2015، عين كوزير للطاقة في حكومة "أحمد داوود أوغلو"، واستمر في منصبه خلال فترة حكومة رئيس الوزراء "بن علي يلدرم"، وفي عام 2018 مع تأسيس أول حكومة في ظل النظام الرئاسي، عين "أردوغان" صهره "البيرق" كوزير للخزانة والمالية ومازال في ذات المنصب إلى الآن.
مع بداية تسلمه منصب وزير الخزانة و المالية في يوليو 2018، تلقى "البيرق" العديد من الانتقادات، منها تسلم سياسي لهذا المنصب الحساس، ما خلق وفق معارضيه، قلقاً متزايداً على بيئة البلاد الاقتصادية، لا سيما أن العروض التي قدمها الوزير لممثلي الاقتصاد والاستثمار العالميين لم تكن مقنعة.
ولم يكن تراجع حركة الاستثمار في تركيا، مشكلة الاقتصاد التركي الوحيدة، إذ ما لبث "البيرق" أن افتتح عهده في وزارته الجديدة، حتى داهمت تركيا أزمة اقتصادية حادة، في أغسطس 2018، سببها تراجع سعر صرف الليرة إلى مستويات تاريخية حينها، وتجاوز سعر صرفها في ذاك التوقيت، 7.31 مقابل الدولار، على خلفية أزمة القس "برونسون" بين الرئيسين التركي والأمريكي.
في نهاية 2013 ترك "البيرق" القطاع الخاص، وبدأ العمل ككاتب لأحد زوايا صحيفة "صباح"، كما عمل كمدير في القسم المالي والمصرفي في جامعة مرمرة باسطنبول، وتبنى العديد من المهام في منظمات المجتمع المدني.
ولم يستقر سعر الصرف إلا بعد جهود مضنية، لكن آثارها على الاقتصاد التركي، لم تندمل، لاسيما أن أوائل العام الحالي، ومع بداية التعافي الجزئي للاقتصاد التركي، بدأت أخبار وباء كورونا تسيطر على الأسواق، ليعاود الهبوط بشكل حاد.
ردود فعل "البيرق" على تراجع سعر صرف الليرة التاريخي، أثارت عاصفة انتقادات، حيث صرح في لقاء تلفزيوني بتاريخ في أغسطس الفائت، بعد سؤال الصحفي "أحمد هاكان" له عن مدى تأثر حياة المواطنين بارتفاع الدولار، وكان سعر صرف الليرة التركية أثناء بث الحلقة، بحدود 7.30 مقابل الدولار، فكان جواب "البيرق" على الشكل التالي "هل تقبض راتبك بالدولار؟ هل لديك ديون بالدولار؟ هل لديك أي عمل بالدولار؟
هذا الجواب أثار سيلاً من الانتقادات ضده، لاسيما من زعيمي حزب الشعب الجمهوري "كمال كيلتشدار أوغلو"، وزعيم حزب المستقبل "أحمد داوود أوغلو"، خصوصاً أن الفترة التي سبقت ظهور "البيرق" على شاشة التلفاز، شهدت حملة تضامن واسعة أطلقها مسؤولون في حزب العدالة والتنمية الحاكم، لدعم وزير الاقتصاد مع بدء أزمة الليرة التركية في أغسطس الفائت.
وترى قيادة حزب الشعب الجمهوري المعارض أن "البيرق" بات "خاصرة أردوغان الرخوة"، لاسيما أن استطلاعات الرأي التي يجريها حزب الشعب الجمهوري، تؤكد أن أداء الوزير بات يؤثر بشكل مباشر وصريح على شعبية "أردوغان" في الشارع.
وشكل شراء "البيرق" مجموعة من الأراضي بمساحة 13 دونماً ضمن مشروع قناة إسطنبول المائية، فرصة جديدة لمعارضيه بيرات لشن حملة انتقادات لاذعة، وجهتها صحف المعارضة للوزير، الذي أوكل محاميه للرد على الانتقادات، فقال محاميه إن "والد الوزير (صادق البيرق) اشترى قطعة أرض في المنطقة عام 2003، وأن الوزير اشترى القطعة المجاورة عام 2012 بعد عرضها من قبل صاحبها للبيع كي لا تشتريها أحد الغرباء، وهو حق لكل مواطن لديه إمكانية الشراء"، لكن هذا التوضيح لم يوقف حملة الانتقادات ضده، ما دفع "البيرق" إلى السعي لإصدار قرار بحظر الوصول لمواقع الخبر.
بالإضافة إلى كل ذلك، ليس خفياً على أحد في تركيا دعم "البيرق" نادي مدينته (طرابزون سبور)، أحد أبرز أندية دوري كرة القدم الممتاز في تركيا، ولم يُخفِ "البيرق" دعمه وأفراد عائلته للنادي، مؤكداً أنه ومن معه من الوزراء مشجعي النادي يعملون خلف الكواليس بكل الإمكانات لنجاح النادي.
هذا الدعم المصرح به من عائلة "البيرق" ككل، ومن الوزير على وجه الخصوص، أثار قضية الارتباط السري بين عالم السياسة و الرياضة في البلاد، وتلقى على إثرها مطالبات عديدة من جماهير الفرق المنافسة، بالاستقالة من منصبه.
أما المفاجأة الأبرز، فتكمن في أن البيرق درس في ثانوية الفاتح التي تتبع لتنظيم "فتح الله جولن في إسطنبول، وهو ما أثار انتقادات خصومه، مع بدء ملاحقة أعضاء التنظيم، والمستفيدين من مؤسساته، إذ أضحى العشرات من زملائه في مقاعد الدراسة ما بين مساجين، أو متهمين يمثلون أمام المحاكم التركية، بينما البيرق في أعلى سلطات الدولة، الأمر الذي تسبب مراراً في جدل داخل البرلمان، بين نواب المعارضة، والوزير، أبرزها النقاش الشهير الذي حصل بين البيرق، و نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري المعارض "أوزغور أوزال" في نوفمبر 2018.
وتمتلك عائلة البيرق إحدى أهم المجموعات الإعلامية في تركيا، مجموعة "تركواز" ، ينبثق عنها العديد من الصحف و القنوات التلفزيونية، إما عبر الملكية المباشرة الكاملة، أو عبر امتلاك الأسهم، وأهم دعائم هذه الامبراطورية الإعلامية، صحف "تقويم" و"صباح"، و قنوات "ATV" و "A HABER"، وجميعها داعمة لأردوغان، والحزب الحاكم، ما شكل نواة صلبة داعمة تروج لسياسات أردوغان، ومنصات تهاجم خصومه من المعارضين.
كذلك تمتلك عائلة البيرق صحيفة "يني شفق"، وهي صحيفة يومية محافظة.
ففي دراسة أجراها وقف "هرانت دينك" عام 2015، فإن الصحيفة تعد من أكثر الصحف المحرضة على الكراهية في البلاد، وحل اسمها في الترند العالمي بعد نشرها لمقابلة أجرتها مع العالم الأمريكي الشهير "Noam Chomsky"، وتبين فيما بعد أن بعضا من أجزائها مزيف.

الجريدة الرسمية