رئيس التحرير
عصام كامل

صفحة من تاريخنا: الخلافة ليست من أصول الدين!

لا يزال هناك من يؤمن بأن الخلافة جزء من أصول الدين الإسلامى، وهذا الاعتقاد أحدث توابع كثيرة ليس لدى العامة البسطاء فقط، بل لدى النخبة أيضا، الذين اعتقدوا أن الولاء إلى الخليفة الساكن فى قصره المنيف أى كان مكانه له حقوق السمع والطاعة، ولو أننا تصفحنا بعض صفحات التاريخ سنجد أن الاستعمار التركي الذي قبع على صدر الشعب المصرى، ما يقرب من ثلاثمائة عام، لم ير فى مصر سوى البقرة الحلوب التي يتكسب منها ويستولى عليها..


فكان الولاة العثمانيون الذين يأتون مصر، محدودى المدة، وهذا جعلهم لا يهتمون إلا بجمع المال عن طريق الضرائب التى يفرضونها على المصريين، والحصول على أكبر المكاسب الشخصية لهم ولم ينشغلوا بأي شيء يحقق أى تنمية للمجتمع فى أى مجال، ومنها التعليم الذى عن طريقه يمكن الانتقال من مستوى إلى آخر أرقى وأكثر تقدما..

120 ألف شهيد في حفر قناة السويس.. ثم بيعها مجانا!
وبالتالى عاشت مصر فى حالة من التدهور المستمر، ومنذ دخل سليم الأول مصر فقد نقل المهرة فى كل المجالات إلى القسطنطينية عاصمة الخلافة والتى كانت على مدار تاريخهم مصدر الاهتمام الأول والأخير، ويذكر ابن إياس المؤرخ المصرى الذى عاصر حقبة من هذا العصر: إن سليم الأول أمر بجمع ألفين من رجال مصر المهرة فى كل المجالات من حرف وصناعات وكبار التجار وحتى القضاة والأعيان ومن لهم صلة بالعلوم أو التعليم، والمخطوطات والمنابر، وسرق الكتب من المدارس والمساجد، مثل مؤلفات السخاوى والمقريزى،..الخ وأرسلهم إلى القسطنطينية..

هنا تؤكد كل آراء المؤرخين أن مصر عاشت فترة من الكمون التام طوال ثلاثة قرون، وفيها فقدت مصر كافة الموارد الاقتصادية مع البحر الأبيض وأفريقيا، ومع تجاهل التعليم للشعب المصرى ومع نظرة التعالى من الأتراك للمصريين، احتكر الأتراك كل شيء واستعانوا بالمماليك الشركس فى كافة مجالات إدارة الولاية (مصر)، ومع إهمال التعليم والعلم إنتشرت الخرافات وأصبح للدجالين والمشعوذين سوقا رائجة واختفى العلماء، وتراجعت قيمة اللغة العربية وانحط مستواها، بسبب جعل اللغة التركية اللغة الرسمية للبلاد، بسبب استخدام الأتراك ومن استعانوا بهم من المماليك الشركس لها..

وبقى الأزهر هو المكان الوحيد لتلقى التعليم، وهذا ضيق الفرصة بل جعلها معدومة لكل من أراد أن يتعلم، وبالرغم من هذا فإن الدولة العثمانية، كانت تهتم بإعداد الموظفين والقضاة لتسيير أمور البلاد، بحيث إنه لم يكن مسموحا لغير خريجى المدارس العثمانية بتولى الوظائف العلمية والعدل فى الدولة، وأيضا لزيادة أحكام الدولة على المساحات الشاسعة التى تحكمها من العالم.

ويذكر أنه من عام 732هـ حتى 855 هـ أى فى أكثر من 120 سنة تم بناء 82 مدرسة فى المدن التركية، متجاهلة الدولة تماما الولايات التى تعد ضمن حدودها التى من بينها مصر، وأصبح التعليم فى المسجد، وفى دور الأثرياء والعلماء فقط، أما الشعب وفقراء الوطن ليس لهم مكان فى اهتمام الحكام، الغريب يأتي بعد كل هذا من يتحدث عن الدولة العثمانية والخلافة، ولم يسأل أحد من هؤلاء لماذا تقدمت تركيا فى كافة المجالات ودونها من الدول الإسلامية التى كانت تتبع الحكم التركى غارقة فى التخلف والجهل؟ لماذا قفزت تركيا إلى مصاف الدول الأوروبية وبقية الدول لاتزال تبحث عن مكان لقدم فى طريق النمو؟

صفحة من تاريخنا المجهول!

لأن تركيا لم تعتبر الدول التى تحت ما سمى بالخلافة الإسلامية جزءا أصيلا من الدولة الاسلامية، ولكن اعتبرها مجرد دول يستنزف خيراتها والصناع المهرة منها لبناء وتشييد دولة واحدة فقط وهى تركيا، وهو ما حدث والواقع يؤكد هذا، الغريب أن أحد لم يسأل نفسه هذا السؤال: لماذا تركيا تقدمت بشكل أصبحت دولة فى مصاف دول أوروبا المتقدمة وتخلف الدول الإسلامية التى عاشت مئات السنين تحت الحكم التركى؟

البعض يرجع هذا إلى حكم مصطفى أتاتورك والعلمانية التى قدمها على إسلامية الدولة ونظام الحكم، هذا صحيح من حيث الشكل الواضح للعيان، ولكن هناك أسبابا أخرى فى غاية الأهمية، وهى أن مصطفى أتاتورك وجد كافة مقومات التقدم والتحضر متوفرة تحت يديه، ولكنه أدار تركيا بفكر جديد وبرؤية جديدة استطاع من خلالها تسريع التقدم فى تركيا، لأنه وجدت خبرات فى كل المجالات التى تراكمت على مدى السنين التى اغتصبتها الحكومات من بلدانها الأصلية.

وبعد.. هذه صفحة من تاريخ الاستعمار التركي الذى ظل 300 سنة يعتبر مصر البقرة الحلوب ولا يحق لأحد سوى الباب العالى من الحصول عليه واستغلاله.
العودة للتاريخ هدفها الاهتمام بالتعلم وليس حواديت للحكي.

الجريدة الرسمية