رئيس التحرير
عصام كامل

الجندي المقاتل محمد يعقوب : تركت «التدريس» من أجل «النصر أو الشهادة».. وعبرت الساتر الترابي مع أول موجة ( حوار )

الجندى محمد طه يعقوب
الجندى محمد طه يعقوب لحظة تلويحه بعلامة النصر

رأيت بعيني كأحد أبناء محافظة بورسعيد الباسلة كيف تم تهجير أهلي وجيراني بسبب استهداف الاحتلال للمدنيين حتى تستسلم مصر


كان ولا يزال الشعب المصرى وجيشه كيانًا واحدًا، تلك حقيقة وليس شعارًا، ومن لا يصدق ينبغى عليه قراءة تاريخ نصر 6 أكتوبر المجيد، هذا النصر الذي أعاد الأمور إلى مسارها الصحيح، وأعاد الحق إلى أهله، وأعاد الأرض المسلوبة إلى أصحابها.

ربما لم يشهد التاريخ هذا الارتباط القوى بين شعب وجيشه في السلم والحرب كما هو الحال في مصر، فلم تكن الشعارات التي أطلقت قبل عقود عن وحدة هذا الشعب وقواته المسلحة مجرد كلمات لحفز الهمم أوقات الحروب والأزمات، لكنها حقيقة واقعة لا نزال نعيشها ونجني ثمار هذه الثقة اللا محدودة في جيش وطني قوي أخذ على عاتقه مسئوليات جسامًا على جبهات القتال وميادين التنمية على حد سواء من أجل رفعة هذا الوطن الكبير والشامخ رغم أنف أعداء الداخل والخارج. 

في الذكرى السابعة والأربعين لانتصارات أكتوبر "فيتو" حاورت البطل المقاتل محمد طه يعقوب صاحب صورة «علامة النصر» الشهيرة التى تعد من أيقونات حرب السادس من أكتوبر، ويظهر فيها ملوحًا بعلامة النصر، بعد نجاح قواتنا المسلحة في عبور «خط بارليف» وتدمير «الأسطورة الإسرائيلية» ، ليتحدث عن كواليس الأيام التي سبقت لحظة انطلاق المعركة، والأسباب التي دفعته للتخلى عن مهنة «التدريس» مقابل الالتحاق بصفوف القوات المسلحة المصرية.. وكان الحوار التالى: 


*ما تفاصيل التحاقك بالقوات المسلحة؟

عقب تخرجي في الجامعة عينت مدرسا في مدرسة بقريتي، وعندما حدثت نكسة 67 لم أستطع المضي قدمًا في أي شيء آخر سوى أن ألتحق بصفوف القوات المسلحة للدفاع عن أرضي، لا سيما وأننى أحد أبناء محافظة بورسعيد الباسلة التي صدت العدوان الثلاثي عام 1956 ، ورأيت بعيني كيف تم تهجير أهلي وجيراني بسبب استهداف الاحتلال للمدنيين حتى تستسلم مصر، ويرضخ الرئيس الخالد جمال عبد الناصر لمطالب دول العدوان الثلاثي (فرنسا، إنجلترا، وإسرائيل)، وتعود مصر مرة ثانية تحت وصاية الاستعمار.

كنا كشباب في ذلك الوقت نعي جيدا التحديات التي تواجه بلدنا، وكنا مؤمنين بما تفعله القيادة السياسية ونقف خلفها، وبالفعل نجحت في الالتحاق بصفوف الجيش المصري، وأصبحت مقاتلا بسلاح المشاة في الجيش الثاني، وكان هذا الشرف لا يضاهيه شرف أن أكون مقاتلًا مدافعا عن وطني.

*صف لنا شعورك في لحظة العبور؟

منذ انضمامي إلى القوات المسلحة بعد أشهر قليلة من نكسة 67 بدأنا تدريبات شاقة على عمليات العبور، وكانت أمنية كل جندي وضابط العبور إلى الضفة الشرقية طمعًا في «النصر أو الشهادة» ونروي بدمائنا أرضها الطاهرة التي احتلها العدو الإسرائيلي في غفوة من الزمن تحت سمع وبصر دول عظمي تحمي مصالحها بزرع الاحتلال في قلب منطقة الشرق الأوسط، وأذكر أنه في الخامس من أكتوبر 1973 صدرت إلينا الأوامر بالاستعداد بكامل معداتنا.

وقلنا وقتها إن الأمر لا يتعدى كونه «مشروع تدريب» لا سيما وأننا تدربنا عشرات المرات على العبور، وكل مرة نعود ولا نحارب العدو، لكننا في الساعة الثانية و10 دقائق وجدنا الطيران المصري يحلق فوقنا لأول مرة يتجه ناحية سيناء «أرض الأمل» ويضرب بكل قوة المواقع الحصينة على ضفاف القناة والمواقع الإسرائيلية، فرددنا تلقائيا «الله أكبر الله أكبر»، وكان من نصيبي أن أعبر مع أول موجة الساتر الترابي، فتلاشت أوهام إسرائيل التي أخذت تحذرنا منها لسنوات بأن الساتر الترابي أكبر مانع صناعي في العالم، وبأنه سيكون «محرقة للمصريين» إذا فكروا في الاقتراب منه وليس عبوره، وكل هذه الأساطير تحطمت تحت أقدام جنود الجيش المصرى في دقائق.

*حدثنا عن أبرز المعارك التي شاركت فيها خلال معركة السادس من أكتوبر؟

معركة «جبل المر» في منطقة عيون موسى، فبعد عبورنا بدقائق قبل عبور المعدات الثقيلة، وبناء رءوس الكباري وصلت إلينا تعليمات بأن نستخدم أسلحتنا الخفيفة حتى لا تعترض احتياطيات العدو قواتنا العابرة، وكنا وقتها قوة مكونة من 22 ضابطا وعسكريا نواجه نحو 23_26 دبابة إسرائيلية، فأمرنا القائد بالانتشار السريع خلف دبابات العدو.

وضرب طلقات من تسليحنا الشخصي في الهواء حتى لا يعرف أننا قوة صغيرة، وتسليحنا شخصي وخفيف، وبالفعل انتشرنا ونفذنا كلامه، وبالفعل قذف الله الرعب في قلوب العدو، وبعد مناورة استمرت ساعات استسلمت 22 مدرعة وخرج قادتها رافعين رايات الاستسلام، وأسرنا العشرات منهم، وكانت ضربة موجعة للعدو ، لأن هذا الموقع كانت إحدى دفاعاته قريبة من شاطئ القناة، وكان يقع بسببه خسائر كبيرة في صفوف الجيش المصري سواء على الضفة الغربية أو صد هجوم أي قوة تعبر القناة.

*ما أبرز الذكريات التي لا تزال تحتفظ بها عن نصر أكتوبر؟

الحرب شريط يمر أمام عيني، وكأنها حدثت منذ ساعتين لكن أهم المواقف التي لا أنساها مع زملائي هو أحد الاشتباكات مع العدو وقتها أصيبت يدي اليمني بمنطقة الرسغ، وكنت لا أستطيع تحريك كف يدي لأنه انفصل عن الذراع ، وجاء زميلي الجندي كيرلس وخلع فانلته الداخلية، وأحضر خشبتين وصنع جبيرة، لأن الكسر كان خطيرا ولا بد من تجبيرها.

وهمس في أذني قائلا : «يهدي القتال ونخلص من العدو ابن الكلب ونعالجها»، وفعلا عقب انتهاء الاشتباكات مع العدو في ذلك اليوم، وكنا نقوم بتطهير النقاط القوية من جنودهم بعد تطهير المكان دخل «كيرلس» الدشمة وعاد بصندوق إسعاف من الداخل، وفك الجبيرة وبدأ في تطهير الجرح، هذه بطولة من عشرات البطولات التي قام بها زميلي المجند «كيرلس» بكل مهارة.

ولهذا أطلقنا عليه في الكتيبة لقب «دكتور كيرلس» لأنه كان سباقا لنجدة زملائه في الكتيبة، وظل محتفظا بشنطة الإسعاف لأي جندي يصاب حتى أنهى فترة تجنيده، وفي صورتي بعلامة النصر الشهيرة تظهر يدي وهي مربوطة بشاش «دكتور كيرلس» بعد أن خفت وكلما نظرت إلى صورتي أتذكره، وأتمنى أن تصل رسالتي هذه له، وأنا أشكره على ما بذله من تضميد جرحي وجراح بقية زملائي.

*ماذا عن لحظة تصويرك وأنت تلوح بعلامة النصر؟

بعد انتهاء فترة الحرب أخذت إجازة، وأثناء عبوري لأحد جسور الجيش الثاني، وكنت وقتها في طريق العودة لم أغير ملابسي وآثار القتال تظهر علينا ، فطلب مني أحد المراسلين العسكريين أن يصورني، فقلت له بهذه الملابس؟!.. فقال: «نعم فهي شرف لكل المصريين بعد أن هزمنا العدو شر هزيمة»، وتذكرت وقتها خريطة شبه جزيرة سيناء وهي تشبه علامة النصر، فرفعت يدي تلقائيا أمام الكاميرا فكانت الصورة محط إعجاب كل المصريين، بالرغم من أنها صدفة وبكل تلقائية.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية