رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

كيف نفكك منظومة الفساد في الوطن العربي؟!

ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن منظومة الفساد المركبة داخل مجتمعاتنا العربية، والتي تعد أحد أهم معوقات عملية النهوض والتنمية، وإذا ما أخذنا مصر نموذجا فسوف نجدها مثل كل المجتمعات العربية شهدت خلال تاريخها الممتد عبر ألاف السنين أشكالا متعددة من الفساد، لكن ما تبلور فى مصر من فساد منذ مطلع السبعينيات وحتى الآن لا يمكن أن يضاهيه كل ما مر بمصر من أشكال الفساد..

 

فمنذ أعلن الرئيس السادات عن تخلي مصر عن مشروعها التنموى المستقل لصالح مشروع التبعية والانفتاح والتخلف، والفساد ينمو بشكل سرطانى فى جسد الوطن، فلا يمكن أن ننسى مقولات البسطاء من أبناء الشعب المصري حين يتحدثون عن الرئيس السادات وأيامه ويؤكدون على مقولته الشهيرة "أن من لم يغتنى فى عصري لن يرى غنى أو نعمة من بعدي".

 

مصياف.. مدينة الشهداء تتألم!
وهى الجملة التي تلخص مجمل سياساته الاقتصادية، والتي تمثلت في الانفتاح الاقتصادى والسمسرة والمضاربة والسرقة والنهب والاتجار فى كل شيئ دون وازع من أخلاق أو ضمير وهو ما أدى إلى نمو ظواهر اجتماعية تعبر عن انهيار تام فى منظومة القيم داخل المجتمع، وهو ما أكد مقولة الكاتب الصحفى الكبير أحمد بهاء الدين للرئيس السادات نفسه أن هذا الانفتاح يشكل وبالا على الشعب المصرى لأنه "انفتاح سداح مداح" والذى بفضله ظهرت أنواع وأشكال متعددة من الفساد.


ويأتى الفساد الكبير فى مقدمة ذلك الفساد الذى تجسد فى البداية فيما أطلق عليه "القطط السمان" وهم مجموعة من الفاسدين الكبار الذين يرتبطون بعلاقات وطيدة مع السلطة السياسية، وصلت إلى علاقات مصاهرة مع رأس الدولة ذاته.. وتاجر وسمسر هؤلاء فى كل شيئ حتى كونوا ثروات ضخمة وبدأنا نسمع عن أصحاب "الأرانب" والمقصود بها المليون جنيه فتشكلت مجموعة من المليونيرات من أصول اجتماعية واقتصادية لم تكن تسمح لهم بتشكيل تلك الثروات غير المبررة.


لكن تحالفاتهم مع السلطة السياسية هى التى منحتهم فرصة تكوين هذه الثروات بطرق مشروعة أحيانا وغير مشروعة غالبا، وهذا النوع من الفساد الكبير ظل موجودا بل دخلت عليه تطورات كبيرة خلال حكم الرئيس مبارك وهو ما تبلور مؤخرا فى شكل مجموعة من رجال الأعمال الذين يسيطرون على الاقتصاد الوطنى غير المنتج عن طريق علاقات وثيقة الصلة بالسلطة السياسية، تحولت فى أواخر عصر مبارك الى بروز ظاهرة تزاوج رأس المال والسلطة، فأصبحوا شركاء لمبارك فى حكم مصر، وبعد مبارك احتموا بعلاقاتهم مع الرأسمالية العالمية خاصة الأمريكية والصهيونية.


أما النوع الثانى فهو الفساد المتوسط والذى بدأ ينمو وينتشر داخل الجهاز البيروقراطى للدولة حيث كبار الموظفين في مؤسسات الدولة المختلفة، والذين تعاملوا مع المال العام على أنه مال خاص فأخذوا منه ما لا يستحقون، وبدأت عمليات الرشوة والمحسوبية والوساطة تنتشر بشكل وبائي داخل الجهاز الإدارى للدولة، مما أدى إلى إنهيار المؤسسات العامة وتراجع العملية الانتاجية..

 

رأسمالية المحاسيب في زمن كورونا!

 

وبدلا من تحقيق مكاسب داخل هذه المؤسسات بدأت تحقق خسائر ضخمة كمقدمة لاتخاذ قرارات بضرورة التخلص من ممتلكات الشعب بدلا من التخلص من هؤلاء الفاسدين الذين يديرونها ومتخذي القرار هم الفاسدون الكبار الذين سيشترون وسيسمسرون من وراء عمليات البيع.


وفى ظل هذه السياسات انتشر الفقر وبدأ الفساد الصغير يظهر فى كل ربوع الوطن، فلا مصلحة تقضى إلا بالدفع الرشاوى المالية والعينية وتطورت المسألة بشكل كبير فالموظف الشريف أصبح متسول والأكثر جرأة أصبح مبتز مقابل تقديم الخدمة والأكثر بيعا لضميره أصبح مرتشيا والجميع يبرر تسوله وابتزازه ورشوته بعدم كفاية راتبه لسد رمقه وأسرته، وانتقلت العدوى لكل قطاعات المجتمع، الكل يمارس الفساد بأشكاله المختلفة ومن يرفض التسول والابتزاز والرشوة والوساطة والمحسوبية سيجبر يوما على ممارساتها لأنها تحولت لأسلوب حياة وثقافة مجتمع انهارت منظومته الأخلاقية.


وإذا كانت هذه هي حالة مصر منذ سيطرة المشروع الرأسمالي العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وتحاول تعميمه على وطننا العربي منذ ما يزيد عن نصف قرن، فإن هذا النموذج قد تم تعميمه على غالبية المجتمعات العربية، حيث أصبح تزاوج رأس المال والسلطة متلازمتان أدت الى أزمات اقتصادية طاحنة عجزت عن حلها هذه الحكومات الفاسدة، وأصبحت الأزمات الاقتصادية هي أحد الأدوات التى تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية لفرض سيطرتها وهيمنتها على مجتمعاتنا العربية، وهنا يأتي السؤال كيف نفكك منظومة الفساد في الوطن العربي ؟!


والإجابة تؤكد أنه رغم كل ما نلاحظه من غضب شعبي عارم يتم التعبير عنه عبر مواقع التواصل الاجتماعي في كل الأقطار العربية ضد منظومة الفساد، إلا أن معركتنا الحقيقية مع الفساد لم تبدأ بعد، وإذا أردنا فعلا تفكيك منظومة الفساد في وطننا العربي فعلينا أن نتحرك فورا لمواجهة الفساد الكبير المتمثل فى مجموعة رجال الأعمال الذين كونوا ثرواتهم بطرق غير مشروعة عبر تحالفاتهم مع النظام الرأسمالي العالمي والذين يسيطرون على مقدرات الاقتصاديات الوطنية في مجتمعاتنا العربية، وعدد هؤلاء محدود للغاية..

 

ولعل ما حدث في مصر هذا الأسبوع بالقبض على كبيرهم، والذي قدرت مخالفاته وتهربه الضريبي بما يزيد عن 11 مليار جنيه، بداية القضاء على الفساد الكبير ومن هنا سيدخل الفساد المتوسط للجحور، وعندما تبدأ عمليات التنمية المستقلة وتوزع عائداتها على البسطاء من المواطنين سيختفى الفساد الصغير، وسوف تتشكل منظومة قيم جديدة معادية للفساد والفاسدين، اللهم بلغت اللهم فاشهد.                


Advertisements
الجريدة الرسمية