رئيس التحرير
عصام كامل

ماذا حدث للمصريين؟! .. القانون وحده لا يكفي.. خبراء يوضحون طرق ضبط وتقويم السلوك الإنساني.. والانتماء الوطني في المقدمة

أرشيفية
أرشيفية

حادث فندق فيرمونت لن يكون الأخير من الحوادث الصارخة التي تعكس العوار الأخلاقى الذي أصاب الشخصية المصرية وسكنها وعشش فيها.

 

دراسات ومؤشرات عديدة تكشف بجلاء حالة التراجع التي أصابت الشخصية المصرية بجميع مستوياتها، وتؤكد أنها بحاجة إلى ثورة إصلاحية ترمم ما فسد منها، وتهذب ما اعوج منها، وتعيدها إلى سيرتها الأولى.

 

منظومة التعليم قد تكون المتهم الأول في قفص الاتهام، ولن يحدث تغيير جذري وإيجابي دون الارتقاء بها. قبل أيام قليلة.. التأم اجتماع وزارى محدود ضم وزراء الشباب والرياضة والإعلام والأوقاف وتوافقوا على ضرورة العمل معًا من أجل إعادة بناء الشخصية المصرية. كيف يكون البناء، ومن أين يبدأ، ومن المسئول عنه، وتساؤلات أخرى نسعى إلى الإجابة عنها في هذا الملف..

 

القانون لا يكفي

 

هل القانون وحده يكفى لترميم الشخصية المصرية وتصويب مسارها، هل العقاب وليس شيئًا سواه هو القادر على ضبط السلوك المعوج؟

 

يقول الدكتور أحمد على، أستاذ القانون بجامعة عين شمس: إن القانون هو القواعد التي تنظم علاقة الفرد بالمجتمع والدولة، كما أنه يوضح لأفراد المجتمع ما هو المباح وما هو المنهي عنه، وبالتالي فإنه يسهم بشكل كبير في تحديد سلوك الفرد ويحدد له إطار الحرية الذي يسير عليه.

 

تحقيق العدالة

 

مشيرًا إلى أن القانون له دور أساسي في الحفاظ على تلاحم المجتمع وتماسكه من خلال تحقيق العدالة كما أنه عامل مهم وأساسي من عوامل بناء الشخصية ولكنه ليس هو العامل الوحيد فهناك عوامل أخرى أهمها التربية والتعليم والجانب الديني.

 

وقال الدكتور على الجبلي أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإسكندرية: إن القانون لا يكفي وحده لبناء الشخصية المصرية، مضيفًا أن بناء الشخصية يحتاج إلى عدة عوامل أخرى مثل التعليم والتربية وزرع القيم في نفوس الجميع، كما أن الشخصية لها جوانب أخرى ثقافية ودينية.

 

الانتماء الوطني

 

وأكد أن التعليم عامل مهم في زرع الانتماء الوطني في نفوس النشء واكتساب المهارات العقلية لحل المشكلات وصنع القرار والتفكير الإبداعي وعدم الاعتماد على الحفظ والتلقين والتركيز على القيم والمثل العليا والقبول بالآخر وتجنب التفكير الهدام.

 

ولفت «الجبلي» إلى أهمية التركيز على التربية الأسرية السليمة التي تعتمد على حب الوطن والانتماء إليه وزرع القيم النبيلة في نفوس النشء وحب العمل، مؤكدًا أن الثقافة لها دور في بناء الشخصية من خلال التركيز على الأخلاق.

 

وأضاف أن العامل الديني من العوامل التي تغير سلوك البشر وتؤثر في تصرفاتهم.

 

الخبرة التاريخية

 

ومن جانبه قال الدكتور عمار على حسن، أستاذ العلوم السياسية: إن القانون ليس العامل الوحيد في بناء الشخصية المصرية، وإنما هناك عوامل أخرى لبنائها، مضيفًا أن الشخصية المصرية لها أبعاد عدة منها الخبرة التاريخية والموروث الشعبي والحكم والأمثال والفن وموارد المعرفة الحديثة والتعليم.

 

وأكد عمار على حسن أن سلوك الشخص هو عبارة عن تراكم أفكاره وخبراته التي اكتسبها من المجتمع، مضيفًا أن الشخص كما يرث الجينات الوراثية من والديه، يرث من المجتمع جينات اجتماعية هي التي تحدد شخصيته.

 

التدين

 

وأوضح أن الشخصية المصرية ضاربة في التاريخ القديم ومن أهم سماتها التدين والتسامح والاستقرار والارتباط بالأرض والأسرة والرضا والقناعة والدعابة والسخرية التي تجنح أحيانًا إلى الحزن إلا أنها تلجأ إلى الصبر في الشدائد.

 

ولفت إلى أن هجرة المصريين إلى دول الخليج بعد ظهور النفط فيها أدى إلى تأثر المصريين بالثقافة السلفية كما أدى الانفتاح وثورة المعلومات إلى تغير فكر المصريين في الوقت الحالي.

 

وقالت الدكتورة سهير لطفي، أستاذة علم الاجتماع: «هناك ثلاثة أبعاد للشخصية وهي الأولى: الصورة الذاتية أي ما يعتقده الفرد عن نفسه خاصة عندما يخلو لذاته أو ينقب في دخائله، والثانية: الصورة الاجتماعية وهي تحدد إدراك المجتمع.

 

والثالثة: هي الصورة المثالية وهي ما يصبو الفرد لتحقيقه من تطلعات وآمال وهي الصورة التي يكافح للوصول إليها»، وأكدت أنه مع بداية هجرة المصريين إلى دول الخليج بدأوا يتأثرون بالثقافات الخارجية ويستقبلون الثقافات الجديدة الواردة إليهم، والتي تختلف إلى حد كبير مع مبادئهم وموروثاتهم ومعتقداتهم بمشاعر متناقضة، فتارة يقبلونها لتجدد ما تجدده منها وتارة يلفظونها لاختلافاتها الصارخة مع المجتمع المصري، ثم حدث الانفتاح الاقتصادي الذي أحدث تنامًيا وتضخمًا في القيم الاستهلاكية.

 

الثراء السريع

 

فتغيرت الشخصية المصرية وانحسرت أحلامها في كيفية الوصول إلى الثراء السريع غير المقرون بجهد حقيقي، وشاعت الفهلوة والكذب والنفاق والالتواء في التعامل وانتهاز الفرص.

 

وقالت: أدى السفر للخليج والانفتاح الاقتصادي إلى تأرجح الشخصية المصرية بين النموذج السلفي والنموذج الغربي.

 

وأكدت سهير لطفي أن الشخصية المصرية لا تحتاج إلى بناء فهي موجودة بالفعل، لكنها تحتاج إلى تحديث فقط لتتواكب مع متغيرات العصر وتواجه التحديات الجديدة، كما أنها تحتاج إلى إزالة الشوائب من عليها، مضيفة أن تحديث الشخصية المصرية لا يكون بقرار أو بقانون ولكن من خلال التفاعل مع الثقافة والحضارة.

 

وأشارت إلى أن هذا التفاعل يكون من خلال المدرسة والأسرة والجامعة ومراكز الشباب والإعلام والمجتمع المدني ومؤسسات الدولة، كما أنه يجب أن يكون هناك تنسيق بين هذه المؤسسات، وأن يكون لديها إصرار للوصول إلى هدف واحد وهو تحديث الشخصية المصرية.

 

الانتماء الوطني

 

وشددت على تنمية الانتماء الوطني في نفوس أفراد المجتمع خاصة النشء من خلال التعليم والتربية والتركيز على السلام الوطني والأناشيد الوطنية في المدارس والإبداع واكتشاف المواهب وتنميتها وترك الحرية للأبناء في الدراسة والعمل، وقالت: «لكل شخص موهبة تحتاج إلى من يكتشفها وينميها».

 

وأكدت سهير لطفي أنه يجب أن يدرك الزوجان أن الإنجاب مسئولية لا تتوقف عند الحدود المادية فقط وإنما تمتد إلى تعليم النشء وتربيته على القيم والأخلاق وحب الوطن وتقديمه إنسانا صالحا يفيد وطنه ومجتمعه.

 

وأشارت إلى أن اليابان عندما بدأت تبني حضارتها بعد التفجير النووي، وجدت أن لديها متطلبات واحتياجات هائلة وليس لديها موارد، فاعتمدت على بناء الإنسان.

 

ورغم أن مواردها شحيحة إلا أنها اكتشفت أن الإنسان له قدرات تتركز في العقل واليدين، وبدأت تستغل هذه القدرات وتعمل على تقويتها وتنميتها من خلال تنمية التفكير العقلاني لدى المجتمع وغرس حب العمل في نفوس أبنائه.

 

وقالت إن القانون يسهم في توضيح الحقوق والواجبات لأفراد المجتمع، مؤكدة أنه يجب أن يكون لدى الأفراد وفاء للمجتمع ولمؤسسات الدولة وللوطن وليس انتماء فقط لأن الوفاء يعتمد على الإخلاص.

 

السينما

 

وأشارت إلى أن الدراما والسينما لها دور كبير في تشكيل الشخصية المصرية، وقالت: «بدلا من تقديم نماذج سيئة في الدراما والسينما يجب التركيز على البطولات التاريخية والشخصيات التاريخية لتكون قدوة للمجتمع، كما يجب التركيز على شخصيات مثل نجيب محفوظ ومحمد عبده ورفاعة الطهطاوي وأحمد زويل ليكونوا حافزًا للأجيال القادمة.

 

كذلك التركيز على الشخصيات الناجحة في الوقت الحالي مثل اللاعب محمد صلاح وتقديم مسلسل عن تاريخه»، وأكدت أنه يجب نشر التدين الوسطي المصري من خلال المحاضرات وخطب الجمعة ومراكز الشباب وقصور الثقافة والتركيز على يسر الإسلام وعدم التعقيد أو التشدد أو تخويف الناس بالدين، ولفتت إلى أهمية الحفاظ على تكافؤ الفرص بين المواطنين لتحقيق الاستقرار المجتمعي.

 

نقلًا عن العدد الورقي...

الجريدة الرسمية