خريف «ناصر».. إهانة الأمير تكتب نهاية «مثقف الإرهاب».. الجناح العلماني القطري يعلن الحرب على محمد ناصر رجل «الإخوان»
يعيش محمد ناصر، الإعلامي الهارب، والمحرض على قتل ضباط الشرطة حالة من الاكتئاب والقلق الشديد، بعد الصدام مع الجميع على خلفية صراعه مع المعسكر العلماني في المشروع الإعلامي القطري.
تجاوزات ناصر
وتحول الموقف كاملا بعد عدة تجاوزات خطيرة للإعلامي المتطرف، نسى فيها نفسه، وأصبح يتوهم أنه صاحب شعبية كبيرة، ونفوذ على الشارع الإسلامي، ومن يرعاه في قطر وتركيا.
وقبل الدخول إلى مربع الأزمة يجب استدعاء مشروع محمد ناصر، لمعرفة كيف تكوّنت «النرجسية المفتعلة» لرجل جاء من مجاهل الثقافة ، وجرى تصعيده إلى صدارة الحالة الإعلامية لمشروع الإخوان، بعدما ضخم من سمعته كمثقف وسط مد شعبوي لا يعرف إلا «الدروشة» ولا يطيب له إلا افتعال الفوضى في مصر، فأصبح بالنسبة لهم ضمن أهم أوراق الحشد وبث الفتنة والأكاذيب، في مشروعهم الذي يستهدف إسقاط الشخصيات الرئيسية في الدولة.
سم الإرهاب
خلطة السم التي تجرعها «ناصر» مؤخرا، وقلبت عليه كل مصادر الشقاء، تتمثل في نزوعه للسخرية من كل شيء، والاستعلاء بالثقافة والادعاء وسط منافذ إعلامية محافظة دينيًا وسلفية الهوى على الجميع باعتباره الملهم الأول والعارف بالتاريخ والعلم والفلسفة، ومنحته تجربته في قناة «مكلمين» لونا مختلفا عن الجميع، يُباح النقد والسخرية والتسفيه والاستهزاء حتى بالإخوان أنفسهم.
رُسِمت خطوط برنامجه على هذه الملامح، اتبع تكتيكات فوضوية، على رأسها نظريات المؤامرة وإنتاج الطائفية في تحليل الأحداث، ومع الوقت لبس ناصر هذا الثوب وأصبح يحكم جميع اتجاهاته تجاه كل تصرف لا يرضى عنه، فالشتائم جاهزة ولا تحكمه سياسة ولا سلطان ولا تقاليد ولا آداب مهنية.
ولم يترك «ناصر» مكانًا إلا وبث فيه سمومه، حيث هاجم الأقباط والكنيسة واتهمها بعمل ميليشيا مسلحة، زرع ثقافة تآمرية لعبت على عطش الإسلاميين للثأر، ولا سيما أنه استفاد من فشل كل التجارب الإعلامية التي خرجت بعد عزل الإخوان عن الحكم، سواء من مصر أو حتى من تركيا وقطر، ولم تمنحهم هذه الدرجة من "شبع" التشفي.
قدم «ناصر» الخلطة الإخوانية بمفاهيم وأساليب مختلفة، وبدلا من الشحن الطائفي المباشر، الذي كانت تمرره كل قنوات الإخوان من رموز إخوانية وجهادية غبر بخطاب ديني متطرف أنتجته وجوع معروفة مثل وجدي غنيم، وعاصم عبد الماجد، أصبح لديهم من يرتدى أفخم الملابس الكلاسيكية الحديثة، ويخدم على فكرة مثقف الشارع، وليس مثقف السلطة، وهي فكرة اتبعتها قنوات أخرى مثل الشرق التي يديرها أيمن نور، وجلب لها رموز فنية ويسارية لتخدم على نفس الفكرة، ولكن بقيت الجماهيرية في هذا القالب ملك محمد ناصر وحده.
وقد توهج نجم «ناصر» وسط الإسلاميين مع إغلاق قطر لقناة الجزيرة مباشر مصر، وكان يغرد خارج السرب في الوقت الذي بذلت محاولات خليجية للتقارب بين قطر ومصر، وبالفعل نجحت هذه المساعي في تحجيم السموم القطري بعض الشيء، في وقت سارع فيه الإخوان، للسير في طريق جديد بضخ المزيد من القنوات من تركيا.
ركود الإعلام الإخواني
ولكن بقيت لعنة ركود الإعلام الإخواني وبلاهته وضعفه تلاحق كل المنافذ الجديدة، ليصب كل ذلك في صالح ناصر، الذي قدم خطابا للشارع يحوي خلطة من التاريخ والتحليل الفكري والدجل الثقافي، مع خطاب عدائي ومكسبات إسلامية في الطرح، ليصبح عندهم نموذجا حضاريا للمثقف الإسلامي التنويري.
كما تفنن «ناصر» في العدوانية، ولعب على احتياجات أنصاره، ومارس التحريض على قتل الضباط حتى يرضى نزعة الجمهور الإسلامي المتعطش للعنف، وحتى يثبت لهم ولمن يمولونه من قادتهم إخلاصه الكامل لأفكارهم، حتى لو اتبع منهاجا آخر، أو ثقافة مدفوعة بمناشدة المشاعر ونظريات المؤامرة، وكراهية كل فئات الشارع والحكم ــ ما عدا الإسلاميين ــ وشركائهم من المدنيين الناقمين على النظام السياسي في مصر.
الانقلاب على «ناصر»
منذ عام بدأ صراع خفي على النفوذ والمكاسب مع الجناح العلماني الإعلامي القطري الذي يقوده عزمي بشارة، وهذا الجناح أصبح ضمن أهم مشروعات قطر الثقافية لإظهار وجه تنويري للعالم، وتوهج بشدة هو الآخر، وبدأت الحرب بمحاولات شد وجذب بهلوانية من هنا وهناك لإثبات مصداقية مزعومة في إعلام المعارضة خارج البلاد، ثم ما لبث أن تزايد الصراع بشدة بعد الكشف عن أرقام التمويل والتباين الرهيب لصالح الجناح العلماني.
وبدأ غل ناصر وحقده ونقمه على الآلاف التي يتقاضها كل شهر، ولا تتناسب مع جماهيريته فوجه محمد ناصر وحزبه سلسلة من الشتائم على مواقع «سوشيال ميديا» للجناح العلماني، وحاول اغتيال مشروعه مدفوعا بغضب إسلامي يرفض أي نموذج منفتح، بجانب إنه لم ينس صراعه مع كل وجه علماني، بسبب عقدة إسقاطهم عن السلطة.
هذه الحالة ورطت «ناصر» في سب أمير قطر، وكان الباب الذي فتح عليه أبواب النار القطرية، وسُربت له على الفور مكالمات وهو يسب حكومة تركيا لضرب العلاقة معها، وخاصة أن قطر أصبحت قلقة للغاية من حجم التشابكات في العلاقة بين أذرعها الإعلامية القديمة وخاصة محمد ناصر ــ والتي تصرف عليها حتى الآن ـ وبين مستشاري أردوغان.
وتركت قطر أذرعها الإعلامية العلمانية تنهش في ناصر وتسخر منه وتعرى مقاصده، ما يؤكد أن الأجهزة السيادية القطرية على علم كامل بتبدل ولاءات الإعلاميين الذين انطلقوا بدعمها منذ نكبة الإخوان في مصر، وأصبحت الآن وجهتهم تركيا ومصالحها، لدرجة استدعت سخرية ناصر من أمير قطر، والهجوم عليه بأوصاف كتلك التي يتبعها مع الدولة المصرية.
ولعبت الأجهزة القطرية على حرق «ناصر»، ثم أتبعت ذلك بممارسة ضغوط شديدة على الإخوان، الذين فزعهم غضب السلطة القطرية من تمرد أحد أدواتهم الإعلامية، وإن كانوا في حالة غيظ شديد وغضب شديد من هجوم الإعلام العلماني القطري، وسخريته من رموزهم الدينية في تركيا، ومحاولته تشويه جهود إدارة أردوغان في إعادة مشروع الخلافة بطريقة عصرية، وهو الأمل الأخير لهم لإعادة إنتاج مشروع الإخوان بعدما انتهى تماما في مصر.
وتسبب «ناصر» الذي لعب على غضب معسكر الإخوان من علمانيي قطر، في توتر العلاقة بين الجماعة وقطر، ولم تنجح خطته في استغلال نقمة الإعلاميين الموالين لتركيا في قطر، لوأد المشروع العلماني الذي يهدد بقاءه وحيدا على رأس سبوبة "مثقف الإسلاميين الأوحد" وبدلا من هدم مشروع عزمي بشارة، بإثارة الجدل حوله، وخاصة أن هناك تضاربا بالفعل داخل الأجهزة القطرية، وخلافا بينها على مساحة السماح للعلمانيين بالتحرك، بما قد يأد المشروع الإسلامي بالأساس، وقطر ومصالحها في القلب منه، فإن غرور منتحل صفة الثقافة، لم يسعفه لفهم النفسية القطرية جيدا.
خريف ناصر
وأصبح بحسب مصادر يعيش حالة من الضغط الشديد، وربما هذا هو سبب امتناعه تمامًا عن تناول الجناح العلماني بأي نقد، ولاسيما أن الأخير مستمر في التحريض ضده هو وأقرانه في الإعلام الإخواني، ويسخر منهم سواء على «سوشيال ميديا»، أو في برامجهم الساخرة وخاصة «جو شو».
وقد تعهد «ناصر» لقيادات إخوانية بالصمت تماما، وترك الساحة لجهود الإسلاميين لمحاولة حل الخلاف، ولا سيما أن نقد أمير قطر والتطاول عليه بالنسبة للمؤيدين والمعارضين للتوجه العلماني في الإعلام القطري خط أحمر، ولا يمكن الرجعة عنه، وهو ما سبب ضغطا شديدا للإخوان في خطوط الاتصال مع الأجهزة القطرية.
وبحسب المصادر التي تحدثت إليها «فيتو»، تعيش الجماعة أيضا حالة من القلق خصوصا بعد تأخر بعض الإعانات المادية التي كانت تدفعها قطر، ما يعني اعتمادها على تركيا وحدها، وهو خطر غير مأمون العواقب، ولاسيما أن هناك حراكا تركيا داخليا من المعارضة، وهناك رموز من المحافظين أصدقاء أردوغان السابقون وشركاؤه في الحكم يعدون العدة للخلاص منه بالتوازي مع ضغط عالمي على نظام أردوغان بسبب سياساته العدوانية، وإذا ما نجحوا في ذلك، ستتبخر كل مجهودات السنوات الماضية، إذا أبقت قطر على جناحها الإعلامي العلماني، وتراجعت عن دعم الجناح الإخواني الذي أساء لها ولأميرها ولم يتراجع أو يعتذر وهذا بيت القصيد!
نقلًا عن العدد الورقي...