تقيحات المترفين الجدد
تظل الحقيقة دوما جرحا داميا.. والحقيقة التى يحاول البعض التنصل منها وإطفاء رتوش باهتة مضللة على جوهرها، أننا نواجه فى مصر انحطاطا أخلاقيا صنعته أمور كثيرة اجتماعية واقتصادية وسياسية بالطبع، أمور تبلورت على فترات طويلة أدت بنا لجريمة الفيرمونت الشهيرة، والتى يتضح لنا كل يوم أن كلا الطرفين فيها مدان ومستحق للعقاب..
حتى وإن أفلت البعض منه بطرق قانونية أو غيرها.. فما أحدثه هؤلاء المترفون بل والمتطرفون خلقيا من فساد فى المجتمع كله، يصعب تدارك آثاره علينا جميعا بحكم محكمة أو بسجن لسنوات!
شباب يملك كل شىء تقريبا فى هذه الدنيا.. هويته خليط من أموال كثيرة وتعليم غربى قلبا وقالبا، ربما يكون مؤهلا أكاديميا، لكنه يفتقد القيمة، كل قيمة عنده صارت شيئا يباع ويشترى، الحب شىء، الجنس شىء، حتى الزواج شىء شكلى لعلاقة جنسية من فتاة يراها جميلة ويريد الوصول لها إن تعذر ذلك دون صيغة رسمية..
تعطلت بل محيت من هويته وثقافته كلمات مثل الحرام والعيب والخلق.. فقط ما أريده أنا وأميل له هو القيمة الوحيدة، وطالما كانت تلك القيمة يكمن الحصول عليها بمالى ونفوذى ومكانة أسرتى فلا توجد حدود قانونية أو خلقية أو دينية..
ديننا هو هوانا وهذا يكفى جدا.. وربما إذا شعر أحدهم أو إحداهن بالندم يوما أو بتأنيب بقايا ضمير متوارى بالفطرة، إشترى الغفران، كما يتخيل بل ويفعل غيره من المترفين، برحلة عمرة مثل التى تقوم بها الرقصات وبعض النجوم كل فترة لغسل الذنوب.. وسيجدون من يحلل لهم كل شىء، فحتى الدين صار يشترى ويباع بكل أسف ونحن معنا الكثير والكثير، فلندفع القليل كل فترة ولنتطهر، ثم نعاود تقيحاتنا ونتقيأ أدراننا وقذارتنا على الغير وبثمن بخس!
تفاصيل صغيرة فى القرآن الكريم
ربما تندهش وأنت تقرأ فى قصة النبى موسى لكثرة تكرارها فى القرآن، ولكن إذا دققت النظر وجدت أن التكرار كان لأهداف كثيرة، أجلها هو مقاومة الطغيان بطرق مختلفة، وأن التحرر من هذا الطغيان هو أساس الحياة التى يبشر بها النبيون والمرسلون، ولكن مع هذا الإجمال، تجد تفاصيل دقيقة صغيرة فى قصة موسى ولكنها عظيمة القيمة لأثرها فى سلوك البشر، وفى صنعهم للقيمة الإنسانية..
فبينما يفر موسى بدينه من جحيم فرعون، ويذهب لمدين، تجد القرآن يذكر كيف كانت فتاة مدين تمشى على (استحياء)، يتوقف هنا السر المتقن الرائع ليعلمنا قيمة الحياء من الأنثى والذكر، حياء الفتاة التى تبنى أسر ومجتمعات، وحياء النبى الذى لم يعبأ إلا بمساعدتها هى وشقيتها بعيدا عن الرجال، الحياء الذى هو شعبة من شعب الإيمان، الإيمان كما حدثنا بعدها خاتم الأنبياء، الإيمان قوامه الحياء والاستحياء من خالق لهذا الكون، وبالتالى فهو مكون أصيل للضمير..
ويترتب على ذلك معايير مجتمعية وإنسانية تسمو بالمجتمعات وترقى بهم، أما فى جرائم الفيرمونت فيكيفيك أن تسمع رتوشا من الطرفين، المجنى عليهن والجناة لترى أن الحياء شىء منعدم عندهم، وأن تلك أشياء متخلفة بعيدة عن الحداثة.. فالحداثة عندهم هى هدم كل قيمة ثم النوم معا فى حفلات جنس جماعى، وتصوير تلك الحفلات للتباهى، حتى إذا اختلف الأنذال مع بعضهم نشروا تقيحاتهم وصديدهم العفن على الملأ ولوثوا باقى المجتمع!
الدفاع بالإيحاء
شاهد الكثيرون مقاطع مسربة من المتورطين الأنذال فى تلك الجريمة على مواقع التواصل، وأقلها انحطاطا، كان لثلاث فتيات شبه عراة على سرير واحد مع شاب، يدعون ويجهزون لحفلة الغد، الشيء المشترك الوحيد بينهم، بعيدا عن سفالتهم، كان كأس الخمر، ثم بدأوا فى استعراض لغتهم الإنجليزية شبه المتقنة، حتى يجدوا ما يتفاخرون به بجانب انحطاطهم..
ربما كان رد الفعل السوى من أى إنسان طبيعى هو استنكار هذا السلوك المشين بأقسى العبارات، ولكن العكس ما حدث من فئة ليست بالقليلة ناشطة على مواقع التواصل، وصفت بمسرب الفيديو بالمجرم، جرمت النشر ولم تجرم الفعل نفسه، بل إنها دافعت عن هذا السلوك ( الحر ) بشكل شبه منظم، وكأنهم يوحون لنا بأننا أيضا نفعل ذلك وندافع عن حقنا فى التهتك القيمى بكل أشكاله.. يكفى أن تتأمل هذا الموقف لترى ما فعله بنا المترفون الجدد!
fotuheng@gmail.com