نص كلمة وزير الأوقاف في مؤتمر "المقاصد العليا للسلم في الإسلام"
أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أن السلام في الإسلام، سلام شامل مع الكون كله، وهو ما يجعلنا نؤكد وباطمئنان أن ديننا هو دين السلام، وأن فلسفة السلام هي الفلسفة الأصيلة الراسخة في الإسلام.
جاء ذلك خلال كلمة وزير الأوقاف بالمؤتمر الافتراضي الذي عقده المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة بدولة الإمارات العربية الشقيقة بالعاصمة أبو ظبي تحت عنوان: ”المقاصد العليا للسلم في الإسلام” اليوم السبت الموافق 29 / 8 / 2020م , والتي ألقاها نيابة عنه د/ هشام عبد العزيز علي أمين عام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية , تحت عنوان : ” فلسفة السلام في الإسلام ”
وفيما يلي مختصر كلمة وزير الأوقاف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) وعلى آله وصحبه وعلى رسل الله أجمعين.
وبعد :
فإن كلمات : السلم , والسلام , والإسلام , تنتمي إلى جذر لغوي واحد هو مادة “سلم”, وإن أهم ما يميز هذا الجذر اللغوي هو معاني السلم والمسالمة.
فالإسلام هو دين السلام ، ونبينا (صلى الله عليه وسلم) هو نبي السلام ، وتحية الإسلام والمسلمين في الدنيا والآخرة هي السلام ، والجنة هي دار السلام ، وتحية أهلها السلام ، حيث يقول الحق سبحانه: {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ}, وتحية الملائكة لهم فيها سلام , حيث يقول الحق سبحانه:{وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار} .
وقد سمى ربنا (عز وجل) نفسه باسم السلام ، فقال سبحانه: {هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} ، ويدعونا سبحانه وتعالى إلى دار السلام فيقول (عز وجل) : {وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، وإن ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر والتي تعد أعظم ليلة وأعظم منحة من الله للمسلمين ليلة سلام ، حيث يقول الحق سبحانه: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} ، ولم يقل سبحانه : هي سلام ، ليجعل من لفظ السلام عمدة وأصلاً تدور عليه حركة الكون والحياة .
وقد نهانا الحق سبحانه وتعالى أن نسيء الظن بمن يلقي إلينا السلام , فقال (عز وجل):{ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}.
وأضاف : ضـرورة السـلام للإنسان في الإسلام تنبع من أنه دين يعدل بين الناس جميعًا في الحقوق وفي الواجبات , ويؤمن بقبول الآخر والمختلف , فالله تعالى خلق الناس مختلفين ، قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}، ويقول سبحانه:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}أي : لتتعارفوا وتتعاونوا وتتكاملوا ، لا لتتحاربوا وتتقاتلوا ويسفك بعضكم دم بعض.
ويقول سبحانه: { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} ، ويقول سبحانه : { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} , ويقول سبحانه : ” لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ“.
واستطرد قائلا: تعد فلسفة السلم هي القضية الراسخة في الفكر الإسلامي ، حيث يقول الحق سبحانه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } ووفق مفهومي الموافقة والمخالفة في فهم هذه الآية فإن من يسير في طريق السلم الإنساني متبعٌ لما أمر الله به عباده المؤمنين ، ومن يسلك مسالك الفرقة والشقاق ، والتكفير والتفجير ، والخوض في الدماء ، والولوج فيها بغير حق فسادًا أو إفسادًا ، متبعٌ لخطوات الشيطان الذي هو لنا جميعًا عدوٌّ مبين.
فالسلام في الإسلام، سلام شامل: سلام مع النفس، سلام مع الآخر، سلام مع المجتمع، سلام مع الحيوان، سلام مع الجماد، سلام مع الكون كله، وهو ما يجعلنا نؤكد وباطمئنان أن ديننا هو دين السلام، وأن فلسفة السلام هي الفلسفة الأصيلة الراسخة في الإسلام.