باشوات كل عصر
فيما قبل ثورة يوليو
١٩٥٢م ولمدة نحو مائة وخمسين عاما كان عصر الباشوات، وبعد أن كان في مصر باشا واحد
تعددت الباشوات فيما بعد، حتى أصبح هذا اللقب رهين الدفع، دفع الرشوة مقابل الباشوية،
ولم يكن هناك باشوات قد حصلوا على اللقب دون مقابل إلا عناصر قليلة جدا، نستطيع أن
نجملها في باشوات حزب الوفد..
وكان مجرد الحصول
على اللقب يعنى فتح الأبواب المغلقة، لدرجة إن كان هناك باشوات "كحيتى"
أرادوا اللقب لينضموا إلى هذا المجتمع الذي تديره مجموعة من المعايير، كان من بينها
أنه لابد أن يكون للباشا سرايا، ولكى يحصل الكحيتى على السرايا كان الباب مفتوحا للعمالة
لدى الإنجليز، لدرجة أنه كان هناك باشا ضموه إلى الوزارة لكى يستطيع أن يسدد ديونه
ويزيد من ثروته، ليظل ضمن هذا التجمع، ولكى يتمكن من ذلك ضموه إلى الوزارة عدة مرات.
لا تخوين ولا تهوين
إذن لقب الباشا كان
يعنى الثراء والانضمام إلى العالم الجديد من سرايا وخدم وحشم وسيارة وعزبة أو أكثر
وهكذا، والطريق إلى عالم الباشوية يمر عبر وسطاء وسماسرة كانوا معروفين للجميع، ورغم
أن اللقب كان يمنح قديما من إسطنبول إلا أن حكام مصر دفعوا رشوة كبيرة للسلطان لكى
يتم صك وبيع اللقب داخليا، وهكذا أصبح للباشوية مصنع محلى في مصر البهية، ولم ينته
عصر الباشوات حتى الآن، فبعد ثورة يوليو آلت الدنيا إلى طبقة لصوص جدد حادوا عن الطريق،
ولوثوا ثورة يوليو واستفادوا من الزخم والنبل الثورى لتحقيق مصالح مادية كبيرة.
انتهى عصر عبد الناصر
وظهرت طبقة الباشوات الجدد، باشوات عصر الانفتاح غير المنضبط، وتغيرت قواعد اللعبة
وقوانين الحصول على كل مظاهر الباشوية دون لقب يكتب في البطاقة، فكان من الممكن أن
يصبح السباك باشا، أو المستورد ضمن الأسواق الجديدة باشا، حتى وصلنا إلى لقب باشا الداخلية،
فكل ضابط يلقب شعبيا بالباشا، بل إن عالم الضباط يستخدمون اللقب فيما بينهم حتى اليوم،
ولم يقتصر اللقب على ضباط الشرطة فقط بل ظهرت في عصر مبارك ملامح جديدة لباشوات عصره،
كان أبرزها القفزات التي حققها عدد ليس بقليل من "تسقيع الأراضى" والحصول
على امتيازات أتت أكلها وبشكل يومى.
انتهى عصر مبارك
على غير ما يهوى باشوات عصره، وظننا أن الفكرة تلاشت ولم تعد تهضمها عقول المصريين،
وبدأ يتشكل عصر الأمراء في عهد مرسي وجماعته المتحدثة باسم الله دون غيرها، ولم يتسن
لهذا العصر الكئيب أن يتشكل وانتهى إلى غير رجعة، بعد أن صدرت فتاوى أمرائهم بتكفير
نصف المجتمع تقريبا!!
انتخابات الشيوخ
في العهد الجديد
حاولت طبقات من الماضى العودة بقوة عبر بوابة التأييد التي تشابهت إلى حد كبير مع بداية
محاولاتهم في عصر مبارك، غير أن القيادة السياسية فطنت لذلك، فقضت تقريبا على كل نفوذ
يسعى إلى هذا المسعى، لكن الخطر الكبير الذي يهدد بعودة عصر الباشوات من باب السياسة،
يكمن في مصادرة العمل السياسي الحر من قبل الدولة، ومحاولة البعض الالتفاف مرة أخرى،
حيث ظهر ذلك بوضوح في انتخابات الشيوخ، وما تردد حول أسعار مقعد المجلس الوليد، أخشى
أن يكون مجلس الشيوخ بداية جديدة لعودة عصر الباشوات، وبشكل ينذر بالخطر على التجربة
المصرية الجديدة!!