الجراحة العاجلة لاستئصال الفساد بيد النيابة الإدارية (2)
ليس من اليسير أن يقبل المرء فصل موظف حكومي من وظيفته، فذلك بمثابة حكم بالإعدام، ولكن كما يقول العرب "آخر الداء الكي"، ومن هنا كان لا بُد أن نستأنف ما بدأناه من المطالبة بتفعيل ذلك الإجراء القاسي في مواجهة الفساد المُتوطِن في بعض الجهات الحكومية.
فعند صدور دستور 1971 نص في مادته الرابعة عشرة على عدم جواز فصل الموظف العمومي بغير الطريق التأديبي إلا في الأحوال التى يحددها القانون، وما لبث أن صدر القانون رقم 10 لسنة 1972 والذى نص على فصل العاملين بالجهاز الإداري بالدولة أو الهيئات العامة في حالة إخلالهم بواجباتهم الوظيفية بما من شأنه الإضرار الجسيم بمصلحة الدولة، أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة، أو فقد أحد شاغلي الوظائف العليا الاعتبار.
هل يعلم طارق شوقي أنه لا يعلم؟ مقالات مختارة
وفي هذه الأحوال توقع عقوبة الفصل بقرار مسبب من رئيس الجمهورية بناء على عرض من الوزير المختص بعد التحقيق الإداري مع الموظف، ثم صدر بعد ذلك نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 متضمنا في المادة 94 أسباب إنهاء خدمة العامل ومن بينها فى البند رقم 6 الفصل بغير الطريق التأديبي.
ولم تخرج المادة الرابعة عشرة فى دستور 2014 عن نظيرتها فى دستور 1971، ثم صدر قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016 إلا أنه قد خلا من نص مقابل للبند رقم 6 من المادة 94 من نظام العاملين المدنيين بالدولة.
لا شك أن الفصل بغير الطريق التأديبي لم يجد طريقه إلى التطبيق إلا فى حالات معدودة، يتعذر معها الوقوف على مدى جدوى ذلك الإجراء, إلا أن اللافت للنظر أن المشرع قد التفت عن تفعيل ذلك الإجراء عند إصدار قانون الخدمة المدنية, كما التفتت اللائحة التنفيذية عنه.
هل يرقص الفساد في القاهرة بعد بيروت؟
ولعل التفات المشرع عن ذلك الإجراء وإن كان منافيًا لتوجه الدولة لسد منافذ الفساد إلى الوظيفة العامة, وتقليص أعداد العاملين وصولا للنسبة الملائمة لطبيعة أعمال الدولة وخدماتها التى تقدمها للمواطنين, إلا أنه قد جاء متسقًا مع ندرة الاستعانة به كوسيلة للحد من الفساد والحفاظ على كرامة الوظيفة العامة.
ورغم ما تقدم فإن خلو قانون الخدمة المدنية من النص على ذلك الإجراء لا ينفى سريانه بموجب القانونين 117 لسنة 1958 و10 لسنة 1972 السالف الإشارة إليهما، ولكنه فى حقيقة الأمر يهبط باحتمالية تطبيقه إلى درجة الانعدام.
ومما سلف يغدو جليًا أن الفصل بغير الطريق التأديبي مُحاطٌ بضمانةِ رقابة القضاء عليه ضمن رقابته على قرارات أجهزة الدولة، إلا أن قراءة سريعة للنص تقطع بصعوبة تصل إلى حد استحالة في تطبيقه لتعقُد الإجراءات التي تكون آخرها عرض الوزير أو الرئيس المختص على رئيس الجمهورية.
حكاية ميس برلين مع النيابة الإدارية (1)
فمن هو الموظف الذى سَيُصدِر رئيسُ الجمهوريةِ قراراً بفصله؟ رغم وجود مخالفات تستحق مثل ذلك الإجراء من بعض موظفي الدولة، كما تثور أسئلة عديدة عن أسلوب المفاضلة، فضلاً عن التوجهات السياسية للدولة، وكل ذلك يجعل من ذلك النص المُشار إليه بقانون النيابة الإدارية حِبرًا على ورق، ويكون الأولى من بقائه هكذا حذفه أو تفعيله، ويكون الإلغاء ضمانة لصالح الموظف العام فلا تنقطع علاقة الموظف العام بالوظيفة العامة إلا بعد مثوله أمام القضاء وتمكينه من إبداء دفاعه.
ومما لا شك فيه أن سلوك طريق الفصل بغير الطريق التأديبي من شأنه إثارة الريبة فى النفس، سيما وأن الدولة منذ نشأتها الحديثة قد آلت على نفسها توفير الضمانات للموظف العام بوصف الوظيفة العامة حقٌ لا يُمس إلا بناء على قانون، ولكن الحقيقة أن ذلك الإجراء لا يخلو من الضمانات اللازمة لحماية الموظف العام، بيد أنه يحقق فى ذات الوقت الفاعلية التى تنشُدها الإدارة الحديثة.
إن تفعيل ذلك النص قد يكون له أبلغ الأثر فى حسن سير المرافق العامة وأجهزة الدولة ويكون ذلك بتعديله بحيث يكون:
1-اقتراح تطبيقه بناء على أدلة قوية وليست شُبهات قوية مع التأكيد على جسامة الفعل.
طارق شوقي يرتدي ثياب الفيلسوف المفكر
2- أن يصدر القرار من رئيس الوزراء بموجب تفويض من رئيس الجمهورية وبما يضمن سهولة اتخاذ الإجراء خاصة فى ظل صدور القرار رقم 279 لسنة 2018 بتفويض رئيس الوزراء فى مباشرة اختصاصات رئيس الجمهورية والمنشور بالجريدة الرسمية بالعدد 25 مكرر فى 23 يوليو 2018.. وللحديث بقية.