ثالوث التآمر أقرب إلى إسرائيل
حين كتبت مقالاً عن المسلسل الخليجي الرمضاني "أم هارون"، قلت إنه يمهد الساحة لقبول اليهود شعبياً قبل التطبيع السياسي، كي تتمكن إسرائيل من اختراق الدول العربية بعدما اقتصرت معاهدتي السلام المبرمة مع مصر ثم الأردن على العلاقة السياسية نتيجة عدم التقبل الشعبي للوجود الإسرائيلي
لم تمر سوى أشهر قليلة وأعلنت الإمارات عن تطبيع كامل مع إسرائيل، وفي
الطريق دول عربية ثانية. لكن الغريب كان رد الفعل الرافض للتطبيع من عرب كثيرين عبر
"السوشيال ميديا"، رغم إعلان إسرائيل عن علاقات سرية مع دول عدة.
الخناق يضيق على "حزب الله"
أما الأغرب فتمثل بمواقف هجومية وتنديد من "الثلاثي" تركيا
وإيران وقطر ضد الإمارات، إثر إعلانها إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل، في وقت يرتبط
فيه "ثالوث التآمر والإرهاب" في المنطقة، بعلاقات وطيدة مع إسرائيل بعضها
سري والآخر علني، وهم أول من تخلى عن القضية الفلسطينية، وحافظوا فقط على دعم
"حماس" لأنها رأس حربة تنفيذ مؤامراتهم مثل "حزب الله" تماما.
كما كان مستغرباً خطاب التخوين الذي تحدثت به السلطة الفلسطينية، واستدعائها
السفير من الإمارات، لأنه "ليس من حق أحد التحدث باسم الفلسطينيين"، ودعت
الإمارات إلى التراجع عن التطبيع مع إسرائيل، رغم أن "السلطة الفلسطينية نفسها
طَبَّعْتِ مع إسرائيلَ منذ أكثر من ربع قرنٍ".
من حق الإمارات وغيرها مراعاة مصالحها، خصوصا أنها محاطة بمخاطر وأطماع،
ويظل قرارها سياديا لا يحق لأحد التدخل فيه، ومع هذا اشترط التطبيع الإماراتي مع إسرائيل
"تعليق ضمَّ أراض إضافية من الضفة الغربية مؤقَّتٌا، ما من شأنه فتح مجال العودة
إلى المفاوضات، وتعزيز مبدأ حل الدولتين".
أما عن "ثالوث التآمر والإرهاب" بالمنطقة، فإن ما يقوله علنا
لا يزيد عن شعارات، تختلف تماما عما يفعله سرا خصوصا مع إسرائيل. وعند النظر إلى تركيا، نجدها أول "المُطَبّعِين منذ اعترافها بإسرائيل،
وحتى الاتفاقية التي عقدها رئيسُ وزرائها مع الإسرائيليين، واعترف فيها بالقدس عاصمة
لإسرائيل".
مراوغة وتستر "الصحة العالمية"
وبينما هدد أردوغان بسحب سفيره من الإمارات، ترك سفيره في إسرائيل، وبلده
عامرة بمئاتُ آلاف السيّاح الإسرائيليين، ولا غرابة في ذلك لأن العلاقات الإسرائيلية
- التركية، تأسست في مارس 1949 وكانت تركيا أول بلد ذات أغلبية مسلمة تعترف بدولة إسرائيل.
ومنذ ذلك الوقت، باتت إسرائيل أكبر مورد لما تحتاجه تركيا من سلاح.
وحققت حكومة البلدين
تعاونا مهما في المجالات العسكرية، التجارية، ويتفقان حول الكثير من القضايا التي تخص
الشرق الأوسط، وترتبط تركيا ودولة إسرائيل بعلاقات اقتصادية وتجارية وعسكرية متميزة،
لم تتوقف حتى في ظل بعض التوتر الديبلوماسي بين الحين والآخر.
أما العلاقات الإيرانية – الإسرائيلية، فهي وثيقة إذ كانت إيران ثاني
دولة ذات غالبية مسلمة تعترف بدولة إسرائيل بعد تركيا، ومنذ قيام دولة إسرائيل في
1948 وحتى الثورة الإيرانية في 1979، حافظت إسرائيل وإيران على علاقاتهما، واعتبرت
إسرائيل ان إيران حليف طبيعي لها، وكان لإسرائيل وفد دائم في طهران، قبل تبادل السفراء.
بعد حرب 1967، زودت إيران إسرائيل بجزء كبير من احتياجاتها النفطية، واستمرت
التجارة النشطة بين البلدين حتى عام 1979، مع نشاط شركات البناء والمهندسين الإسرائيليين
في إيران، وكان بين البلدين رحلات طيران مباشرة، وحتى عندما قطعت إيران العلاقة مع
إسرائيل بعد ثورة الخميني العام 1979 ظلت الروابط والمشاريع العسكرية الإيرانية - الإسرائيلية
قائمة بينهما سرا، وفي العلن تبنت التصريحات الرسمية الإيرانية موقفا مناهضا للصهيونية.
ورغم ذلك كان الدعم اللوجستي الإسرائيلي لإيران خلال الحرب الإيرانية
العراقية (1980-1988) كبيرا، إذ قدمت إسرائيل دعما عسكريا فعالا ضد العراق، وأعلن مسؤولين
من البلدين فيما بعد أن "إن 80 في المئة من الأسلحة التي اشترتها طهران خلال الحرب
مع العراق صُنعت في إسرائيل، ودُفع ثمن معظمها عن طريق النفط الإيراني الذي نُقل إلى
إسرائيل". كما كان المستشارون الإسرائيليون يقدمون الخطط العسكرية لقوات الحرس
الثوري الإيراني طوال الحرب. والغريب أن ذلك تزامن مع تصريحات الخميني وقادة إيران
بأنهم أقاموا "جمهورية إسلامية معادية لأميركا وإسرائيل وقوى الاستكبار العالمي".
إسرائيل اجتاحت العرب بـ "فوضى"
وفي عهد خامنئي، الذي هدد بغزو الإمارات لإعلانها التطبيع مع إسرائيل،
نجده اختار نهج الإفك نفسه، فهو يهدد أميركا وإسرائيل ويبدي العداء لهما في العلن ويتعاون
معهما سرا، كما أن أسلحته ومليشياته وتآمره طالت العرب جميعا وقتل منهم عشرات الآلاف
عن طريق قاسم سليماني "قائد فيلق القدس"، دون أن يطلق رصاصة واحدة باتجاه
القدس أو إسرائيل، وكان أن كشفت السلطات اليونانية مطلع العام 2014 أن تجار سلاح إسرائيليين
حاولوا مرتين إيصال قطع غيار لطائرات في سلاح الجو الإيراني، وهو ما اعتبر كسرا للحظر
الدولي على بيع السلاح لإيران..
ويناقض العداء المعلن بين تل أبيب وطهران، فيما كانت
هناك شحنات أسلحة وقطع غير عسكرية كثيرة تصل من ميناء حيفا إلى الموانئ الايرانية،
تزامنا مع معارضة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مواصلة المفاوضات الدولية حول البرنامج
النووي الإيراني.
بينما بدأت العلاقات القطرية - الإسرائيلية، في 1996، وزار رئيس الحكومة
الإسرائيلي وقتها شمعون بيريز، قطر في العام نفسه لافتتاح المكتب التجاري الإسرائيلي
بالدوحة وتوقيع اتفاقيات بيع الغاز القطري لإسرائيل، تلاه إنشاء بورصة الغاز القطرية
في تل أبيب.
واعلنت قطر علاقتها بإسرائيل في معاهدة التجارة الحرة الـ "غات"،
التي تشترط عدم وجود مقاطعة، وطور بعدها أمير قطر علاقات علنية مع إسرائيل على كل الأصعدة.
وكما إيران وتركيا تشهد العلاقات القطرية - الإسرائيلية متانة في السر
وإخفاء متعمد في العلن، إلى أن انقطعت العلاقة بينهما بعد الحرب الأخيرة على قطاع غزة
عام 2009، ومنذ ذلك الوقت أرسلت قطر رسالتين لإسرائيل تعبر فيهما عن رغبتها في تجديد
العلاقات، قوبلت بالرفض، ولكن حاكم قطر حمد بن خليفة أكد ان العلاقات ما زالت قوية،
بدليل أن قطر قامت بتزويد إسرائيل بالغاز لمدة غير محدودة وبأسعار رمزية، بعد توقف
إمدادات الغاز الطبيعي من خلال خط الأنابيب المصري في سيناء بعد أن فجره إرهابيون.
التطبيع في الدراما الرمضانية
وفي 2010، طلبت قطر مجددا استعادة العلاقات التجارية مع إسرائيل، وإعادة
البعثة الإسرائيلية في الدوحة، على أن تسمح إسرائيل بارسال مواد البناء والأموال إلى
قطاع غزة لإعادة تأهيل البنية التحتية، لكن إسرائيل رفضت، وعندما فازت قطر باستضافة
كأس العالم لكرة القدم 2022 أعلنت عن السماح لإسرائيل بالمشاركة في البطولة إذا تأهلت.
هذه حقيقة علاقة "ثالوث الإرهاب والتآمر على العرب" مع إسرائيل،
الذين يتباكون علنا على القضية الفلسطينية وهم أول من باعها.