النخبة الجديدة
كل الاختيارات للقيادات الجديدة تشي بنوعية النخبة التي تريدها الدولة وفيما يبدو أن تلك النخبة الجديدة فيما بعد 30 يونيو في طريقها للتشكل, ويبدو أن تيارات هذه النخبة الجديدة في طريقها للتبلور والانتظام والاصطفاف، إما في صفوف دعم وتأييد النظام أو في صفوف معارضته، أو في صفوف التأييد والمعارضة معاً..
ويلاحظ أن هناك سلوكا متعمدا بالامتناع عن التعامل مع النخب وخاصة النخب السياسية للمشاركة فى مواجهة التحديات باعتبار أن هناك قوى جديدة مصطنعة تسمى بالسياسية، ولا توجد مبادرات لسماع وجهات نظر النخب فى القضايا.
وقد امتد إقصاء النخبة لحرمانهم من تواجدهم فى مجلس النواب، مما أدى إلى عزل النخبة عن وجودها داخل دائرة صناعة القرار ولهذا اكتفت بما يسمى سياسة إبراء الذمة أو تبرير المواقف وللعلم.
حين أوفد محمد على البعثات إلى أوروبا عمل كل المبعوثين - أقول كل - عبر مؤسسات الدولة الحديثة بعد عودتهم. فلا تأثير لهم بغير الانتظام فى مؤسسات الدولة المركزية. وتلك تقاليد النخبة المصرية وبغير ذلك تصبح نخبة بعيدة عن الشارع لن يكون لها أي تأثير فى الداخل لأن الشارع مهما تحدث المثقفون وزعموا أنهم يتحدثون باسمه لايثق فيمن لا ترضى عنه السلطة والنخبة المصرية ليست مشوهة، إنما تميل حيث تميل الدولة المركزية.. لكن الصيغة برمتها لم تعد تاريخياً ملائمة إذا أردنا التطور وللأسف.
تأخرت الدولة كثيرا في تشكيل نخبتها وتأخرت أكثر في الاصلاح السياسي لذا هناك قطاع واسع من النخبة خارج المعادلة السياسية ويكتفى بتحقيق نفسه على المستوى المهني وهناك قناعة لدى قطاع كبير من النخبة بأن دورها غير مطلوب . والنخبة المنتجة والمبدعة بأنواعها المختلفة مستبعدة لصالح شخصيات صوتها عال وتعودت على خطاب الاستباحة وأنها لا تحاسب.
وبالتالي لم يحدث
التراكم وهو أهم مصنع لتكوين أي نخبة وماتت السياسة في ٢٠١٣ علي يد النخبة عندما حلت
جبهة الإنقاذ نفسها بنفسها في واقعة غير مسبوقة في حل الجبهات في العالم..
بل فر رئيسها البرادعي (نائب رئيس الجمهورية) خارج البلاد تاركا شباب حزبه وحدهم يتامى أمام السلطة لا يعلمون ماذا يفعلون.. ومن المعلوم أن الجيش تقدم لحكم البلاد مرتين الأولى عام ١٩٥٢م عندما أفلست النخب المدنية ، وعجزت عن إنجاز الجلاء، وألغت اتفاقية عام ١٩٣٦ وتركت الشعب يواجه أقداره مع الإنجليز وجهاً لوجه عبر الكفاح المسلح في منطقة القناة ، ولم يكن أمام تلك النخب الا أن تبارك حركة الضباط الأحرار ، دون اعتراض ، ودون مقاومة وفي المرة الثانية عام ٢٠١٣م عندما عجزت النخب المدنية عن مواجهة حكم الإخوان..
وهكذا سقطت النخبة سقوطا مروعا لم يحدث من قبل، فلأول مرة فى التاريخ تغيب فيه النخبة عن المشاركة فى مواجهة التحديات كما فعلت الأجيال السابقةحينما خاضت معارك الإستقلال الوطنى وخروج الإحتلال و معركة التمصير الاقتصادية وجيل التحرر الوطني..
والخلاصة أن النخب المصرية، علمانية وإسلامية، تتحمل المسئولية التاريخية عن موت السياسة والإسهام فى إضعاف المجتمع المدنى وهزيمته.
صحيح أن السلطة القائمة لها دورها الذى لا ينكر فى ذلك، إلا أن تلك النخب أعانتها على ذلك. وحين يتاح لنا أن ندقق فى سجل المراحل التى تعاقبت بعد يوليو ١٩٥٢ سنجد أن تغييب الديمقراطية كان له دوره الأكبر فى إضعاف المجتمع ونزع عافيته السياسية، حتى غدت النخب المصرية إفرازا طبيعيا للأجواء التى سادت منذ ذلك الحين. وذلك تاريخ تحتاج وقائعه إلى تحرير ومناقشة لم يتوافر لهما لا الوقت المناسب ولا الشجاعة الكافية.
السكان يدفعون ثمن الفساد بالمحليات
وما يمكن رصده هو
عدم الجدية فى إتجاه أن يكون هناك ثورة ثقافية أو تعليمية أو ثورة فى الخطاب الدينى
وليس أمام مصر إلا أن تعود لمصريتها ليس لدينا رفاهية الوقت لتكرار الأخطاء والتورط
فى أشخاص وكيانات ومجالس وأدوار تخصم من الرصيد وتزيد مساحات الإحباط واليأس...
على
الدولة أن تتصالح مع نخبتها الحقيقية لأن تخليق أو صناعة نخبة بديلة غير مؤهلة سيؤدى
بنا إلى نتائج سابقة مريرة وندور مجددا فى حلقات ودوائر من الفراغ. وأي نخبة بعيدة عن الشارع لن يكون لها أي تأثير فى الداخل ويصبح الخارج هو القادر على تحريك الشارع.