"والله غالب على أمره"!
تعرض في بداية حياته العملية لظلم شديد تسبب في اعتقاله ودخوله السجن فى واقعة لم يرتكبها، وبعد إثبات براءته وخروجه من السجن ظل موقوفًا عن عمله لعدة شهور حتى أصبح مهددًا بالطرد من مسكنه لعجزه عن سداد الإيجار.
ولأنه نموذج يحتذى في احترافية العمل وطهارة اليد، فقد مَنَّ الله جل وعلا عليه بالعودة إلى عمله، فأتقن وأبدع طوال مشواره المهنى إلى أن أصبح محافظًا ثم وزيرًا يشار إليه بالبنان حتى توفاه الله فى شهر يوليو عام 2003، مقدمًا بذلك نموذجًا ملهمًا لكل مظلوم بأنه مهما ظُلِم فإن عدل الله القوى العزيز هو الذي سيسود في النهاية.
الأيام دول!
كلما شعرت بالظلم،
أدعوك أن تقرأ قصة حياة اللواء محمد عبد الحليم موسى (محافظ أسيوط، ووزير الداخلية الأسبق)، لكى تستمد منها الصبر العميق، والإيمان القوى بأن الله القاهر الجبار الذي لا يغفل ولا ينام، لقادر بإذنه تعالى أن يسبب الأسباب التى ستعيد إليك حقك، لأنه أخبرنا
بذلك فى أحد أعظم القوانين الإلهية التى وردت فى سورة يوسف: "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" صدق الله العظيم.
وفى نفس الوقت أدعو
كل ظالم نسى قدرة الله سبحانه وتعالى، أن يتفكر مليًّا في قول الخليفة الزاهد
"عمر بن عبد العزيز" لصاحبه الأمين: "إذا رأيتني ضللت الطريق يومًا،
فخذ بمجامع ثيابي وهزّنى هزًّا عنيفًا وقل لى: اتق الله يا عمر فإنك ستموت"، وهو
يقول له ذلك من شدة خشيته من الله، على الرغم من أنه كان حريصًا كل الحرص على تحقيق
أقصى درجات العدل والمساواة بين الناس، ورد المظالم إلى أهلها.
لا تتعجب من الانتشار
الرهيب الآن للظلم والكذب وعدم الأمانة في الدنيا لأن رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) قد أخبرنا عن هذه الأيام قائلًا:
"سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها
الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة،
قيل: وما الرويبضة يا رسول الله، قال: الرجل التافه ينطق فى أمر العامة".
فكأنما قتل الناس جميعًا!
ويقول الكاتب والأديب
السودانى "جعفر عباس" فى قصيدته
المعبرة عظيمة الدلالة "هذا الزمان"، التي تتوافق مع ما أخبرنا به رسولنا
الكريم:
هذا الزمان زمان
ليس ينصفنا .. نحن الرجال أولي الأخلاق والرشد
هذا الزمان وصوت
الحق منهزم .. أما الفساد فيدوى فيه كالرعد
خنافس الأرض تجرى
في أعنتها .. وسابح الخيل مربوط إلى الوتد
وأكرم الأسد محبوس
ومضطهد .. وأحقر الدود يسعى غير مضطهد
وأتفه الناس يقضى
فى مصالحهم .. حكم الرويبضة المذكور في السند
فكم شجاع أضاع الناس
هيبته .. وكم جبان مهاب هيبة الأسد
وكم فصيح أمات الجهل
حجته .. وكم صفيق له الأسماع في رغد
وكم كريم غدا فى
غير موضعه .. وكم وضيع غدا فى أرفع الجدد
إن أعظم فضيلة يجب أن نحرص عليها جميعًا من وجهة
نظرى هى فضيلة "العدل" لأنها الجالبة لكل الفضائل الأخرى، وأسوأ خطيئة يجب
أن نتجنبها هى خطيئة "الظلم" لأنها المؤدية لكل الخطايا الأخرى.
عندما كتب أحد الولاة
إلى الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز (رضي الله عنه) يطلب منه مالًا ليبنى سورًا حول
عاصمة الولاية، قال له عمر: "وبماذا تنفع الأسوار؟ حصنها بالعدل ونقِّ
طرقها من الظلم".
يا لها من عبارة جليلة تحمل فى ثناياها وفى أعماقها منهاجًا راشدًا ورثه عن جده الفاروق عمر بن الخطاب، ونحتاج بشدة إلى تطبيقه بكل إخلاص فى هذه الأيام.