رئيس التحرير
عصام كامل

أرملة "الشهيد الضاحك": زوجي كان دائم الدعاء أن يرزقه الله الشهادة.. وأراه وأسمعه في كل شيء حولي (حور)

أرملة الشهيد الضاحك
أرملة الشهيد الضاحك مع ابنه الصغير

قلبي كان حاسس إن مصطفى "هيمشي بسرعة" وكل ما يقول إنه رايح مأمورية قلبي يتقبض

وأنا في طريقي لإجراء هذا الحوار مع زوجة الشهيد الضاحك النقيب مصطفى عثمان، كما أطلق عليه زملاؤه وجنوده بالأمن المركزي الذي استشهد وسنه لا يتجاوز 26 عامًا.. لم أجد الكلمات التي أحاورها بها لأنها ما زالت في بداية حياتها شابة في العشرينيات من عمرها تصبح أرملة، وترفض هذا اللقب.




بدأت ميادة أحمد حسن حوارها لـ "فيتو"، قائلة: أنا لست أرملة، بل زوجة شهيد، والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، ومصطفى ما زال معي.. أنا وأبناؤه أراه وأسمعه في كل شيء من حولي.. وبالرغم من مرور عام على استشهاده، وتحديدًا في 25 يونيو 2019، لكن صوته في أذني، وكأنه في خدمة، ومسافر عدة أيام ويعود.

*كيف كان ارتباطك بمصطفى.. حدثينا عنه أكثر؟

مصطفى كان زميل أخي حسن من أيام الطفولة، وهو في كلية الشرطة طلب يدي من والدي، ولكني في البداية ترددت كيف يطلب يدي، وهو طالب، وماطل أبي في هذا الطلب، ولكنه صمم؛ مما دفع أبي للتفكير جيدا في طلبه، وعندما أنهى الكلية، وتخرج عام 2015 اتخطبنا، ثم تزوجنا في 3 فبراير 2017.

مصطفى كان إنسانا عطوفا جدا وأحبني؛ لدرجة لم أكن أصدقها، فكل ما كان يريده دائما أن يراني سعيدة ومبسوطة، ويطمئن عليَّ حتى وهو في عز شغله.. وبالرغم من فترة زواجنا الصغيرة التي لا تتعدى 3 سنوات، إلا أنها بالنسبة لي العمر كله، سوف أعيش على ذكراه حتى ألحق به في الجنة إن شاء الله.. كان نتيجة هذا الزواج طفلين؛ محمد وتركه لا يتعدى العامين وماسة عمرها الآن 8 شهور ولدت بعد استشهاد والدها. 

*البطل مصطفى كان مشهورًا بأنه الشهيد الضاحك من أطلق عليه هذا اللقب؟ ولماذا؟

مصطفى كانت حياته في منتهى البساطة، يعشق شغله في القوات الخاصة بالشرطة، ويشارك في المأموريات والمداهمات الصعبة، ولكنه كان دائم الضحك، وبشوش الوجه، وكان يقول دائمًا: "خليها على الله.. لا يحمل للدنيا همًّا.. ولا تفارق الابتسامة وجهه، حتى في أصعب المواقف"؛ مما جعل زملاءه وجنوده يطلقون عليه لقب "الشهيد الضاحك" فكل صوره تجده يضحك، حتى أثناء العمل.

*حدثينا عن آخر مكالمة كانت بينكما قبل استشهاده؟

مصطفى كان يعمل في الأمن المركزي بأسيوط، ولكنه ذهب إلى سيناء في عدد من المأموريات بناء على طلبه، ولأنه من الضباط الأكفاء في التنشين، حتى كانوا يطلقون عليه "القناص"، فقد ذهب إلى سيناء 5 مرات في أبريل 2017، وسبتمبر 2017، ومارس 2018، وأكتوبر 2018، وآخر مأمورية كانت في يونيو 2019، والتي استشهد فيها.

هذه المأمورية كانت غريبة فعلًا؛ لأننا كنا نشعر بأنها النهاية، وأنه لن يعود.. كل الشواهد كانت تقول ذلك، فقبل ذهابه إلى المأمورية بعدة شهور كنا نصلي، أنا وهو، التراويح في رمضان، وظل يدعو الله عز وجل أن يموت شهيدًا عدة مرات، وعندما فرغنا من الصلاة قلت له: أنا أعرف أن حلم كل ضابط أن ينال الشهادة، ولكن أجَّل هذا الطلب من أجلي أنا وابني محمد، الذي لم يكن يبلغ وقتها عامه الثاني.. فرد عليَّ قائلًا: "خليها على الله.. حد يلاقي الشهادة".

"منذ هذا اليوم وأنا قلبي كان حاسس إن مصطفى "هيمشي بسرعة"، ومن وقتها كل ما يقول إنه رايح مأمورية قلبي يتقبض.. بعدها حملت في بنتي "ماسة" اللى استشهد وتركها في بطني وهي 3 شهور، واتولدت ولم تراه أو تسمع صوته".

*حدثينا عن يوم استشهاده؟

تتوقف ميادة وتنهمر دموعها ثم تتماسك وتواصل الكلام قائلة: يوم استشهاده كان عندي امتحان الماجستير.. كلمني الصبح قبل الامتحان وأخد يشجعني ويقول لي: "إنتي بطلة.. ودي لعبتك.. ياللا ورينا الشطارة والنجاح.. وكنت خايفة جدًا، لكن كلامه طمني.. وبعد الامتحان كلمني مرة تانية الساعة 4 مساء.. المفروض أن الوقت ده كان يبقى نايم فيه؛ لأن خدمته بتبدأ بالليل".


لكنه كان صاحي وبيهزر، بس كلامه وطريقة هزاره كانت غريبة فيها حاجة لا أفهمها.. بعد المكالمة دخلت أنام لأني كنت متعبة من الامتحان، وصحيت الساعة 10 ونصف على تليفون بيقول إن مصطفى مصاب.. وفيه تعامل على كمين الصفا اللي هو واقف فيه خدمة.. طبعًا اتفزعت، وقعدت أدخل على فيس بوك، وأشوف أي حاجة وأكلمه.. وتليفونه جرس مش بيرد عليا، لغاية الساعة 11 وربع، بدأ قرايبنا يتوافدون على بيتنا، والكل وجهه يظهر عليه أن مصطفى استشهد، وأنا مش عارفة.. اتصلت بأخويا حسن لأنه صديقه وضابط زيه.. لقيته بيعيط ومش عارف يتكلم.


لكنه أكد لي أن مصطفى مصاب في رجله بشظايا، وأيضا ابن عمي.. وما زال الكمين عليه تعامل من الإرهابيين، ولسه الضرب ماخلصش طول الليل لغاية تاني يوم الصبح، وأنا الكل رافض يقول لي الحقيقة.. وكل اللي أعرفه إنه مصاب.. وفي مستشفى العريش حتى تاني يوم الصبح عندما أبلغني أهل مصطفى بأنهم ذاهبين لدفنه في ملوي مسقط رأسه.. فكانت الصدمة الكبرى بأن الموضوع حقيقي وأني لن أراه مرة أخرى.

و"ذهبت مع أهلي وشاهدت جثمانه مبتسمًا كأنه نايم.. والله حتى الآن لا أصدق أن مصطفى استشهد، ودفناه".

*الرئيس السيسي قام بتكريمك في عيد الشرطة.. كيف كان شعورك؟

في الحقيقة بعد استشهاد مصطفى تم تكريمي أكثر من مرة من وزارة الداخلية ووزارة الدفاع، إلا أن التكريم الأهم هو تكريم الرئيس السيسي لأني عندما قابلته كان مثل الأب الحنون الذي يشعر بخسارتي في زوجي، وحاول أن يواسيني، ويؤكد عليَّ: هل تريدين شيء؟ فقلت له: الحمد لله يا ريس.. فهذا الاهتمام لا يكون من رئيس عادي بل أب يشعر بآلام وأحزان أبنائه، ويقدر تضحياتهم فداء للوطن، وأنا أتمنى أن أراه مرة أخرى، أنا وأولادي ليتشرفوا بأن لهم أبا آخر.. ولكل أبناء الوطن.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ"فيتو"

الجريدة الرسمية