المصرى للدراسات الاقتصادية يكشف تأثير أزمة كورونا على الزيادة السكانية في مصر
أصدر المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، اليوم الاثنين، دراسة جديدة لتحليل تأثير أزمة تفشى فيروس "كوفيد 19" على الزيادة السكانية في مصر، ضمن سلسلة التقارير التحليلية التي يصدرها المركز منذ منتصف مارس الماضى بمبادرة منه، تحت عنوان "رأى في أزمة"، لتحليل أثر الأزمة على العديد من القطاعات المختلفة، وقد استخدمت الدراسة نماذج رياضية لتقدير حجم تأثير الأزمة على الزيادة السكانية في مصر.
وقالت الدراسة إنه نتيجة لجائحة كوفيد 19، فقد ركزت جميع الأنظمة الصحية في كل دول العالم جهودها حول الاستجابة للأزمة ومكافحة الوباء.
وجاء ذلك بالتبعية على حساب الخدمات الصحية الأساسية المعتادة ومنها خدمات الصحة الإنجابية والجنسية التي يأتي تنظيم الأسرة في القلب منها، وترتفع درجة تعطل الخدمة كلما كانت المنظومة الصحية أقل نضجا وأفقر في الإمكانيات.
وترتكز أهمية تحليل المشكلة في مصر ليس فقط من منظور تأثير كوفيد 19 على المشكلة السكانية ولكن لأن تناول المشكلة يعد أحد أهم محركات التعافى الاقتصادى، نظرا لتأثيرها المباشر على صحة الأم والطفل، وبالتالي مدى هشاشة هذه الفئات أمام الفيروس من ناحية، وكذلك التأثير في الهيكل السكاني ومن ثم في جميع مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في مصر من ناحية أخرى.
وتؤكد الدراسة إن تنظيم الأسرة هو أهم محدد للزيادة السكانية في مصر، حيث تتجنب مصر زيادة سنويا حوالي 4 مليون حالة حمل غير مخطط له، وحوالي 1.6 مليون حالة إجهاض غير آمن بفضل استخدام وسائل تنظيم الأسرة وفقا لبيانات 2019.
وأشارت الدراسة إلى ضرورة مراجعة الفكر السائد باعتبار الإنفاق على تنظيم الأسرة وإن كان ضروريا إلا أنه يضغط على موارد الدولة التي يمكن استخدامها في أغرا أخرى ذات عوائد اقتصادية أكبر، لأن التأثير الاقتصادي للزيادة السكانية وتداعياتها على جودة رأس المال البشري في مصر يجعل تنظيم الأسرة في واقع الأمر استثمارا اقتصاديا ذا عوائد إيجابية تؤثر على الأجيال الحالية والمستقبلية شأنه في ذلك شأن الإنفاق على دعم الصادرات
ولفتت الدراسة إلى أن كل 1 جنيه ينفق على أغراض تنظيم الأسرة يحقق وفرا إجماليا قدره 151.7 جنيها، لأن الدولة ستتجنب إنجاب حوالى 43.3 مليون مواطن خلال الفترة من (2015- 2045) ومن ثم ستتجنب تكاليف تقديم الخدمات الحكومية لهم وتحديدا: التعليم والصحة ودعم الغذاء والإسكان والمرافق الاجتماعية، وهو ما يعكس الأهمية الشديدة لتنظيم الأسرة في مصر.
ورصدت الدراسة من خلال نماذج رياضية، تقديرات لتأثير تعطل الخدمة الصحية ووجود مشاكل في الحصول عليها، على استخدام وسائل تنظيم الأسرة، والتغيرات المتوقع حدوثها نتيجة تراجع الطلب على الوسائل التي تتطلب احتكاكا مباشرا بالمنظومة الصحية مثل اللولب والحقن والإمبلانون الذى يتوفر في المستشفيات المركزية بالقطاع العام بشكل رئيسى، وارتفاع الطلب على وسائل العناية الذاتية مثل الحبوب والواقى.
واشار الى الوسائل التقليدية الأخرى المتوقع أن يلجأ إليها قطاع واسع من السيدات خاصة في المناطق التي ترتفع فيها معدلات استخدام هذه الوسائل بالفعل وأبرزها ريف الوجه القبلى، وكذلك الأسر التي ستتجنب اللجوء لأى احتكاك بالمنظومة الصحية سواء في القطاعين العام أو الخاص.
وأوضحت الدراسة أن تعطل الخدمة والخوف من الوباء قد يصل لدرجة يصبح معها حتى الحصول على الحبوب أمرا صعبا لذلك سيتم اللجوء إلى الوسائل التقليدية التي لا تعتمد على أي وسيلة حديثة على الإطلاق، وتشير تقديرات النموذج الرياضى إلى أن عدد مستخدمات هذه الوسائل سيتضاعف بشكل متسارع، من 10 مرات في حالة السيناريو المتفائل إلى 25 مرة في حالة السيناريو المتشائم، وهو ما له انعكاسات كبيرة على حجم الزيادة السكانية المتوقعة، خاصة إذا لم تتمكن الدولة من توفير الوسائل التي سيزيد الطلب عليها نتيجة التغييرات التي صاحبت الأزمة.
وشددت الدراسة على أن أهمية استعداد المنظومة الصحية لزيادة حجم الوسائل المطلوبة في كل من الحبوب والإمبلانون والواقى، لتفادى زيادة معدلات الحمل غير المخطط له والإجهاض والمواليد، بنسب تزيد عن النسب المقدرة قبل الأزمة، لأن البديل سيتمثل في إما استخدام وسائل تقليدية ستزيد من احتمالية زيادة المواليد، أو عدم استخدام أي وسيلة على الإطلاق وهو ما ستكون آثاره السلبية أكبر بكثير على الزيادة السكانية.
وتؤكد الدراسة على ان تقليص أثر الأزمة على أعداد المواليد في مصر عند حده الأدنى، يتطلب الاستجابة بسرعة ومرونة للطلب المتزايد على وسائل تنظيم الأسرة الذاتية وأهمها الحبوب والواقي. حينها لن تتسبب الأزمة سوي في زيادة لا يمكن تفاديها لكنها محدودة في أعداد المواليد تتراوح بين 1.3% - 2.60%.
وفي المقابل فإن عدم استجابة العرض بمرونة لتغيرات الطلب سيؤدي إلى زيادات أكبر في أعداد المواليد بحسب رد فعل السيدات على عدم توفر وسيلة منع حمل حديثة. ففي حالة التوقف التام عن الاستخدام ستكون الزيادة في أعداد المواليد أربع أضعاف الزيادة التي لا يمكن تفاديها والتي تتراوح نسبتها ما بين 6.13% - 11.2%، وستنخفض إلى الضعفين فقط في حالة استخدام وسيلة تقليدية كبديل لتتراوح ما بين 3.2% - 4.4%.
واقترحت الدراسة عددا من الحلول التي ستساعد الحكومة في تحقيق التوازن المنشود بين العرض والطلب أثناء فترة الأزمة. وتضم هذه الحلول مجموعة متكاملة من الإجراءات الفورية، وقصيرة ومتوسطة الأجل بالإضافة إلى مجموعة من الإجراءات الهيكلية اللازمة لإصلاح المنظومة بشكل مستدام.
وعلى جانب الإجراءات الفورية، طالبت الدراسة بالتوسع في توزيع حبوب منع حمل الطوارئ على نطاق واسع من خلال الصيدليات ووحدات الرعاية الصحية الأولية والجمعيات الأهلية والقطاع الخاص، وتقديم الحوافز والتسهيلات اللازمة للقطاع الخاص لرفع معدلات مساهمته في تقديم الخدمة أثناء فترة الأزمة.
وأكدت الدراسة توفير التمويل اللازم لشراء الوسائل ودعم الأسر للحصول على الوسيلة بسعر مناسب، بالإضافة إلى الاستعانة بالتجارب الدولية الرائدة في تحويل بعض أنواع الوسائل التي تحتاج مقدم خدمة - كالحقن على سبيل المثال- إلى وسائل عناية ذاتية، والقيام بحملة توعية واسعة النطاق، للتعريف بكل نوع من أنواع الوسائل في مصر، وسعره وأماكن توافره والأثار الجانبية المحتملة وكيفية التعامل معها، وأخيرا اتباع استراتيجيات التوزيع المسبق لوسائل منع الحمل لفترات تكفى السيدات لمدة تزيد عن 3 شهور.
أما على جانب الإجراءات قصيرة الأجل، فدعت الدراسة إلى الإسراع بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات الأهلية الجديد، حتى يتمكن القطاع الأهلي بشكل عام من ممارسة أنشطته بشكل طبيعي في المقام الأول، وبعد ذلك يجب تقديم الحوافز اللازمة لتشجيعه على العمل في تقديم خدمات تنظيم الأسرة على وجه التحديد.
ومن ناحية الإجراءات متوسطة الأجل، شددت الدراسة على ضرورة وجود تقديرات إحصائية دقيقة ومحدثة باستمرار للاحتياج والاستخدام الفعلي للوسائل في مصر، من خلال ميكنة نظام المتابعة والتقييم وتجميع المعلومات في وزارة الصحة، وسرعة إجراء المسح الصحى السكانى والالتزام بتنفيذه دوريا، وبناء نموذج رياضى دقيق لتوظيف البيانات المتاحة للتنبؤ بالاحتياج المستقبلي من كل نوع من الوسائل، هذا بالإضافة إلى وضع آلية للتعامل الفعال والسريع مع أي أزمات شبيهة في المستقبل.
وقدمت الدراسة مجموعة من المقترحات للإصلاح الهيكلى، تضمنت على سبيل المثال: ضرورة إدارة ملف السكان بشكل محوكم من خلال فصل تبعية المجلس القومي للسكان عن وزارة الصحة وجعله جهة مستقلة تتولى وضع الخطط والسياسات وتنسيق الجهود بين جميع الجهات المعنية بالقضية السكانية ومن بينها الجهات المعنية بتنظيم الأسرة، بالإضافة إلى متابعة تنفيذ هذه الخطط وتقييمها.
ولفتت إلى تشكيل لجنة شراء موحدة للحصول على وسائل تنظيم الأسرة بشعر أفضل تضم ممثلي كافة مقدمى الخدمة، والتغلب على مشكلة نقص الكوادر من خلال التدريب وتأهيل الممرضات لتقديم خدمات تنظيم الأسرة، ودمج القطاع الخاص في النظام المعلوماتى للوزارة لمعرفة حجم مخزونه وجودة تقديم الخدمة به.