أشهر بائع أعلام في الإسماعيلية: "قاصد وجه الكريم"
تعرف الشمس ملامح الرجل.. وترسم تعرجاته حتى الغروب.. وربما تسطع فوق رأسه في ودّ وحنان وهي تتابع تحركاته وحده.. تحبه الشوارع والميادين في الإسماعيلية ومشجعي الرياضة، المكافح الذي لا يتوقف عن السير منذ خروجه من بيته.. حتى عودته منهكا إلى داره وسط أحبابه الذين ينتظرون ما جادت به النفوس الذكية واشترت منه بضاعته.
يستيقظ من نومه قبل زحف الضوء .. ينظر إلى سقف حجرته المطل عليه, تحدثه نفسه: "إنه يوم جديد".. والحياة تعني "السعي" تتحرك قدميه بعيدا عن فرشته مسلما أمره لله، يتوضأ، يصلي، يرتدي ثيابه المتواضعة، يحمل حقيبته، على كتفه، وفي يده "الأعلام الصغيرة" محبوبته يتبادلان النظرات وتسري بينهما العبارات.. بحثا عمن يقدرهما.
يخرج من منزله "قاصدا وجه الكريم" ليبدأ يوما جديدا يسطر رحلة على جبينه عنوانها "البحث عن الرزق" وبين عينيه وجوه أبنائه الستة.
"فيتو" التقت أشهر بائع أعلام في الإسماعيلية، الذي استقبلنا بصوت يملأه الاعتداد بالنفس والثقة قائلا: اسمي محمود أبو زيد علي حسن ربيع, من قرية السعدية التابعة لمركز فايد بمحافظة الإسماعيلية.. وشهرتي "عجوز مشجعي الدراويش".. وأحمد الله على كل حال.. تجاوزت 60 سنة، ولا أملك إلا السعي على رزقي، وبمرور الوقت نسجت ألوان العلم الوطني حكايات بيننا وأنام أحيانا وهي جواري.
ويملأ وجهه ابتسامة مغلفة بالحزن وهو يقول: "كنت كأي طفل صغير أتمنى أن أصبح شخصا هاما في المستقبل.. وحلمت أن أكون طبيبا.. وعندما التحقت بالمدرسة ودخلت الصف الأول اندلعت الحرب، وشيئا فشيئا تسربت من التعليم بسبب ظروف الحرب والهجرة في عام 1967, وفي عام 1982 تم تجنيدي بكلية الشرطة لأداء الخدمة العسكرية والتي تقرر أن تكون لمدة 3 سنوات".
وسكت يسترد أنفاسه وخرجت كلماته بسرعة وهو يقول: "كنت أقوم بمهام خدمتي مثل بقية زملائي، وفجأة وبدون سابق إنذار سقطت على الأرض مغشيا عليّ ، و تم نقلي إلى المستشفى وهناك أبلغوني أني أعاني من تضخم في الطحال، وقرر الأطباء "استئصاله"، وعقب ذلك تم فصلي من الخدمة بواسطة "القومسيون" الطبي لأن حالتي الصحية لا تسمح بالبقاء، وبخاصة أنني أعاني مشكلات صحية أخرى".
وقال "أبو زيد": بعد فترة بدأت في البحث عن العمل وعملت في أكثر من حرفة، ومنها مهنة الصيد وأحببت "لغة البحر" و ظللت أعمل صيادا لعدة سنوات، وخلال تلك المدة تزوجت وأنجبت من الأبناء ستة، وبمرور الوقت ظهرت مشكلات صحية جديدة لدى منها مشكلات بالكلى والكبد وأجريت أكثر من عملية جراحية، وحزنت لعدم تمكني إكمال عملي "صيادا" بسبب سوء حالتي الصحية.
وتابع "أبوزيد": تركت مهنة الصيد وبدأت العمل في بيع الأعلام، بحثا عن الرزق، واتفقت مع أحد تجار الجملة أن أستلم منه أعلام ثم أقوم بتسديد حقها بعد البيع، ورغم أن دخل هذه المهنة ضعيف إلا أنني أرضى به.
وتحشرج صوته وهو يقول: "أولادي في مراحل التعليم المختلفة وكلهم يتمنون أن يستكملوا تعليمهم.. لأن التعليم هو الذي يرفع شأن الإنسان, كما لدى 4 فتيات من أبنائي من المتفوقات وأتمنى أن يستكملوا تعليمهن وبخاصة ابنتي الكبرى والتي تدرس بمرحلة الثانوية العامة وتطمح في أن تصبح طبيبة.." وليس بعيدا على الله.. هو العاطي الوهاب".
وضغط حروف كلماته في هدوء وهو يقول: "ليس لي دخل ثابت.. بعد أن كنت أحصل على مبلغ 480 جنيه من التضامن الاجتماعي تم وقفها بحجة عدم بلوغي لنسبة العجز الكلي, وخاطبت أكثر من جهة وأرسلت العديد من الرسائل طامحا أن يستجيب أحد لندائي خاصة وأن أبنائي ما زالوا يدرسون.. وأطمح أن يشرفو بلدنا الإسماعيلية.. وأقسم بالله عندما لا تكون معي نقودا لا يذهب أبنائي إلى المدارس لأنهم لا يمتلكون أجرة المواصلات.. الحمد لله نحن نعيش على الكفاف، لذلك أطالب بإيصال صوتي لرئيس الجمهورية، الرئيس "الإنسان" عبد الفتاح السيسي، ليساعدني في تحقيق أحلام أبنائي والحصول على فرصة حياة كريمة، فأنا بلغت من العمر ما يكفي ولم أعد أستطيع المواصلة".